لم يكن اهتمام الأمة الإسلامية بالرياضة أقل من اهتمام غيرها من الأمم والحضارات، لا سيَّما وأنَّ كثيرًا من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تحث المسلم على ممارسة الرياضة بشكل واضح وصريح.

وأدرك العلماء والفقهاء والفلاسفة المسلمون دورها وأهمية الصلة بين الجسم والعقل، وعبروا عن ذلك بأراء ومقولات تدفع باتجاه العناية بالجسم وممارسة الرياضة لأغراض شتى تتفاوت بين العسكري والبدني والصحي والترويحي والنفسي والاجتماعي.

وأحيا الإسلام رياضة ألعاب القوى من مرقدها بعد أن أوقفها القيصر الروماني (سيوديسيوس) عام 393م، لأنه كان يرافق هذه الألعاب شعائر وعادات وثنية لا تتفق وأصول الديانة المسيحية، ولما تمثله هذه الألعاب من تمجيد للقوة وأبطالها يفوق تمجيد الرسل القديسين، ولأنها كانت وسيلة من وسائل التدريب العسكري الباعث للحروب والمسبب للخراب.

في عصر بني أمية تفوق المسلمون على الروم البيزنطيين في كل ألعاب القوى عندما كانت تعقد بين الجانبين –أفرادًا وجماعات– مسابقات ألعاب القوى.


مسابقات الفروسية والصيد والمبارزة

لقد ارتبط يوحنا الدمشقي (من روم العرب ورئيس ديوان المالية في عهد عبد الملك بن مروان) في صباه بعلاقات ود وصداقة مع يزيد بن معاوية وقد تعلق كلًا منهما بالآخر، وفي صباهما كانا كثيرًا ما يتسابقان في رياضة الجري لمسافات طويلة نسبيًا خاصة بعد انعتاقهما من قصر معلمهما، وكانت مسافات السباق بينهما تختلف باختلاف المكان الذي سينتهي عنده السباق فأحيانًا يتسابقون من قصر المعلم إلى قصر سرجون والد يوحنا في بستان القط وأحيانًا أخرى من قصر المعلم إلى قصر الخليفة.

وعندما بلغا أشدهما كانا يترددان إلى البادية حيث كانا يطلقان العنان لمسابقات رياضية –حفظ لنا المؤرخون المسلمون ذكرها– فقد كانا يتسابقان على الخيل والرِّكاب وعلى أقدامهم، وتسابقا -أيضًا- في صيد الغزلان والطيور بالقوس والنبل والقنص، ناهيك عن تبارزهما بالسيوف وطرق النزال.


مسابقات المصارعة الحرة
لقد عقدت أحيانًا بعض المسابقات الرياضية وبخاصة البدنية بين الدولتين الإسلامية و البيزنطية، فيقول المبرد: “وحدثت أن ملك الروم في ذلك الأوان وجَّه إلى معاوية رضي الله عنه: "إنَّ الملوك قبلك كانت تُراسل الملوك منَّا، ويجهد بعضهم في أن يُغرب (يُبعده ويُنحِّيه) على بعض، افتأذن في ذلك؟ فأذن له، فوجَّه إليه برجلين: أحدهما طويل جسيم، والآخر أيِّد (الرجل القوي)، فقال معاوية لعمرو: أمَّا الطويل فقد أصبنا كفأه –وهو قيس بن سعد بن عبادة–، وأمَّا الآخر الأيِّد فقد احتجنا إلى رأيك فيه.

فقال: ها هنا رجلان، كلاهما إليك بغيض: محمد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير، فقال معاوية: من هو أقرب إلينا على حال؟ فلمَّا دخل الرجلان وجَّه إلى قيس بن عبادة مُعْلمِه، فدخل قيس، فلمَّا مثل بين يدي معاوية نزع سراويله فرمى بها إلى العلج، فلبسها فنالت ثندوته (الثندوة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة، وهو ما اسود حول الحلمة) فأطرق مغلوبًا… ثم وجَّه إلى محمد بن الحنفية، فدخل، فَخُبًّر بما دعي له، فقال: فقولوا له إن شاء فليجلس وليعطي يده حتى أقيمه أو يقعدني، وإن شاء فليكن القائم وأنا القاعد.

فأختار الرومي الجلوس، فأقامه محمد، وعجز هو عن إقعاده، ثم اختار أن يكون محمد هو القاعد، فجذبه فأقعده، وعجز الرومي عن إقامته، فانصرفا مغلوبين“.


المسابقات الثقافية

عقدت بين الدولتين مسابقات ثقافية نقل لنا ابن قتيبة الدينوري في كتابه (عيون الأخبار) جانب منها حيث أورد عن ابن عباس قوله: ”كتب قيصر إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد فأنبئني بأحب كلمة إلى الله وثانية وثالثة ورابعة وخامسة، ومن أكرم عباده إليه، وأكرم إمائه… فلما قرأ معاوية كتابه قال: اللهم العنه!

ما أدرى ما هذا، فأرسل إلى ابن عباس يسأله فقال له ابن عباس: أما أحب كلمة إلى الله فـلا إله إلا الله - والثانية سبحان الله - والثالثة الحمد لله - والرابعة الله أكبر - والخامسة لا حول ولا قوة إلا بالله - أما أكرم عباد الله إليه فآدم - وأكرم إمائه عليه مريم”..

وأورد المبرد نصًّا لجدل من هذا القبيل بين معاوية وقنسطانز الثاني الذي أرسل إلى معاوية: ”بقارورة فقال: ابعث لي فيها من كل شيء، فبعث إلى ابن عباس، وقال: لتملأ له ماء، فلما ورد بها على ملك الروم قال: لله أبوه! ما أدهاه! فقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك؟ قال: لقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلََّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء:30).

وفي الأخير لقد كان هدف هذه البعثات الرياضية منسجمًا ومتفقًا مع عقلية العصور الوسطي، كما أن مثل هذه الروايات تحكي لنا قصة مسابقات القوة البدنية ومسابقات ثقافية بين المسلمين والبيزنطيين وذلك لأنها صادرة من أشخاص معاصرين لفترة زمنية كانت الحروب فيها شديدة بين الدولتين وكان من الممكن أن يقوم بينهما نوع من الاتصال الرياضي والثقافي، وتبين لنا مدى روعة الحضارة الإسلامية لما كانت تستمد روافدها من الإسلام بشقيه قرآنً وسنة فكانت النصر حليفها في الرياضة والفكر وفي كل المجالات.

Oman.C., the Art of war in the Midddle Ages, A.D., 378-1516 Newyork, 1953
Nasralla.j: Saint Jean de Damas. Harissa.1950.
المبرد: الكامل في اللغة والأدب، جزآن، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1365هـ=1945 - 1946م.
ابن قتيبة: عيون الأخبار، مجلدان، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة ونشر، القاهرة 1963م.
دكتور: عبد الوهاب القرش