الأمن اللغوي جزء من أمن الأمة العام؛ إذ لما كانت اللغة ركنًا من أهم أركان هُوية الأمة كانت الحاجة إلى الأمن اللغوي؛ إذ الأمم كما تتدافع في حيازة الأرض تتدافع في بسط هيمنتها اللغوية، ومن ثم نشأت حرب اللغات، والأمن اللغوي هو أن تحفظ الأمة على نفسها لغتها الخاصة، فلا تستبدل بها غيرها، وأن تذود عن مكوناتها وطرائقها في التعبير وأن تحرص على سلامتها، وبخاصة أصواتها وصرفها وتراكيبها.
لغتنا العربية بحاجة إلى إصلاح تلقيها، وذلك بالجدّ في تعلم مهاراتها: السماع والقراءة والفهم والنطق والكتابة، والأمة بحاجة إلى أمن لغوي يدرأ هجمة عولمية تجتاحها، ويرأب صدع تخاذل أبنائها وعزوفهم عن تلقيها تلقيًا حسنًا، وتحقيق هذا الأمن فرض عين على أبناء الأمة عامة، وبخاصة الطلاب الجامعيون الذي يتأهلون للانخراط في الحياة العلمية والعملية؛ فعليهم أن يدركوا خطورة ما يتعرض له أمنهم اللغوي، فيعملوا على تصحيح استعمالهم اللغوي، وجعل لغتهم لسان بحوثهم ومشاريعهم العلمية، وحمايتها من تأثير لغات أخرى يستعملونها لتعلمهم ولبحوثهم، وإن من أهم ما يهدد أمن لغتهم:
1-استعمال لغة أعجمية للتعليم.
2-دخول الأبناء في مراحل تعلمهم الأولى مدارس أعجمية بحجة جودة التعليم فيها.
3-استعمال اللغة الأعجمية في إدارة سوق العمل والقطاع الخاص.
4-استعمال اللغة الأعجمية في المؤسسات الحيوية كالمطارات والمستشفيات.
5-استعمال العاميات في وسائل الإعلام.
6-تشجيع العاميات استعمالا وأدبًا والاعتزاز بها.
7-ضعف احترام اللغة العربية وطلابها ومعلميها.
وأحسب أن ذلك بعضه أو كله مدرك معلوم، فكانت الدعوات المتوالية لحماية اللغة والحفاظ على أمنها اللغوي، فسُنّت القوانين في ذلك؛ ولكنها لـمّا تجد حظها من التفعيل، لغفلة أصحاب الصلاحية عن أهمية ذلك، ولهيمنة ذوي المصالح الاقتصادية المرتبطة أعمالها بجهات عالمية ليست لغتها العربية. ولضعف التدريس العام وسوء تخير النصوص.
وهذا الإهمال للغة المحيّدة في التعليم العالي وفي العمل في القطاع الخاص جعل الطلاب لا يجدون حرجًا في استعمال مصطلحات وألفاظ أعجمية يطرزون بها لغتهم العربية بها، إما غفلة أو إهمالًا منهم أو تعمدًا لإظهار معرفتهم باللغات الأعجمية بما يوهم بتفوقهم العلمي أو الثقافي، أو الاقتداء بشخصيات مشهورة كالممثلين، ولغياب الحوافز المذكية للمهارات اللغوية ولوجود الملهيات المتنوعة المعتمدة على لغة أعجمية. وواجبنا جميعًا تنبيههم إلى هذا الخطأ، وإلى أن الواجب استعمال اللغة نقية بعيدًا عن الهجنة المقيتة.
وللحفاظ على الأمن اللغوي لا بد من اتخاذ سياسة لغوية من شأنها أن تحسن تعليم مهارات اللغة، وأن تجعل اللغة وسيلة التعليم في كل مراحله ولغة العمل عامّه وخاصّه، ومنع أبناء الأمة من دخول المدارس الأعجمية، ونحن نرى اليوم ظاهرة بدأت تتفشى وهي نشوء أجيال لا يتحدثون العربية وهم من أبنائنا يعيشون معنا كالوافدين، وأخشى أن يأتي يوم تتزايد فيه أعدادهم حتى تنسى العربية ويطوى أمرها في مهدها، فهذه المدارس الأعجمية من أخطر ما يهدد أمننا اللغوي.
وإن مما يحفظ علينا أمننا اللغوي اشتراط إتقان العربية في كل الوظائف الحكومية والخاصة، وإلزام الإعلام باللغة الفصيحة وبخاصة البرامج المقدمة للأطفال، والعمل على تشجيع استعمال اللغة الفصيحة المعاصرة في كل مجالات الحياة. واستيعاب العاميات بتقريبها من الفصيحة والاستفادة من ألفاظها.