قَدكَ اِتَّئِب أَربَيتَ في الغُلواءِ
كَم تَعذِلونَ وَأَنتُمُ سُجَرائي
لا تَسقِني ماءَ المُلامِ فَإِنَّني
صَبٌّ قَدِ اِستَعذَبتُ ماءَ بُكائي
وَمُعَرَّسٍ لِلغَيثِ تَخفِقُ بَينَهُ
راياتُ كُلِّ دُجُنَّةٍ وَطفاءِ
نَشَرَت حَدائِقَهُ فَصِرنَ مَآلِفاً
لِطَرائِفِ الأَنواءِ وَالأَنداءِ
فَسَقاهُ مِسكَ الطَلِّ كافورُ الصَبا
وَاِنحَلَّ فيهِ خَيطُ كُلِّ سَماءِ
عُنِيَ الرَبيعُ بِرَوضِهِ فَكَأَنَّما
أَهدى إِلَيهِ الوَشيَ مِن صَنعاءِ
صَبَّحتُهُ بِسُلافَةٍ صَبَّحتُها
بِسُلافَةِ الخُلَطاءِ وَالنُدَماءِ
بِمُدامَةٍ تَغدو المُنى لِكُؤوسِها
خَوَلاً عَلى السَرّاءِ وَالضَرّاءِ
راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها
كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ
عِنَبِيَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ سَكَبَت لَها
ذَهَبَ المَعاني صاغَةُ الشُعَراءِ
أَكَلَ الزَمانُ لِطولِ مُكثِ بَقائِها
ما كانَ خامَرَها مِنَ الأَقذاءِ
صَعُبَت وَراضَ المَزجُ سَيِّءَ خُلقِها
فَتَعَلَّمَت مِن حُسنِ خُلقِ الماءِ
خَرقاءُ يَلعَبُ بِالعُقولِ حَبابُها
كَتَلَعُّبِ الأَفعالِ بِالأَسماءِ
وَضَعيفَةٌ فَإِذا أَصابَت فُرصَةً
قَتَلَت كَذَلِكَ قُدرَةُ الضُعَفاءِ
جَهمِيَّةُ الأَوصافِ إِلّا أَنَّهُم
قَد لَقَّبوها جَوهَرَ الأَشياءِ
وَكَأَنَّ بَهجَتَها وَبَهجَةَ كَأسِها
نارٌ وَنورٌ قُيِّدا بِوِعاءِ
أَو دُرَّةٌ بَيضاءُ بِكرٌ أُطبِقَت
حَمَلاً عَلى ياقوتَةٍ حَمراءِ
وَمَسافَةً كَمَسافَةِ الهَجرِ اِرتَقى
في صَدرِ باقي الحُبِّ وَالبُرَحاءِ
بيدٌ لِنَسلِ العيدِ في أُملودِها
ما اِرتيدَ مِن عيدٍ وَمِن عُدَواءِ
مَزَّقتُ ثَوبَ عُكوبِها بِرُكوبِها
وَالنارُ تَنبُعُ مِن حَصى المَعزاءِ
وَإِلى اِبنِ حَسّانَ اِعتَدَت بي هِمَّةٌ
وَقَفَت عَلَيهِ خِلَّتي وَإِخائي
لَمّا رَأَيتُكَ قَد غَذَوتَ مَوَدَّتي
بِالبِشرِ وَاِستَحسَنتَ وَجهَ ثَنائي
أَنبَطتُ في قَلبي لِوَأيِكَ مَشرَعاً
ظَلَّت تَحومُ عَلَيهِ طَيرُ رَجائي
فَثَوَيتُ جاراً لِلحَضيضِ وَهِمَّتي
قَد طُوِّقَت بِكَواكِبِ الجَوزاءِ
إيهِ فَدَتكَ مَغارِسي وَمَنابِتي
إِطرَح غَناءَكَ في بُحورِ عَنائي
يَسِّر لِقَولِكَ مَهرَ فِعلِكَ إِنَّهُ
يَنوي اِفتِضاضَ صَنيعَةٍ عَذراءِ
وَإِلى مُحَمَّدٍ اِبتَعَثتُ قَصائِدي
وَرَفَعتُ لِلمُستَنشِدينَ لِوائي
وَإِذا تَشاجَرَتِ الخُطوبُ قَرَيتَها
جَدَلاً يَفُلُّ مَضارِبَ الأَعداءِ
يا غايَةَ الأُدَباءِ وَالظُرَفاءِ بَل
يا سَيِّدَ الشُعَراءِ وَالخُطَباءِ
يَحيَ بنِ ثابِتٍ الَّذي سَنَّ النَدى
وَحَوى المَكارِمَ مِن حَياً وَحَياءِ
ابي التمام ..