لِأَيِّ حَبيبٍ يَحسُنُ الرَأيُ وَالوُدُّ
وَأَكثَرُ هَذا الناسِ لَيسَ لَهُ عَهدُ
أَرى ذَمِّيَ الأَيّامَ ما لا يَضِرُّها
فَهَل دافِعٌ عَنّي نَوائِبَها الحَمدُ
وَما هَذِهِ الدُنيا لَنا بِمُطيعَةٍ
وَليسَ لِخَلقٍ مِن مُداراتِها بُدُّ
تَحوزُ المَعالي وَالعَبيدُ لِعاجِزٍ
وَيَخدُمُ فيها نَفسَهُ البَطَلُ الفَردُ
أَكُلُّ قَريبٍ لي بَعيدٌ بِوِدِّهِ
وَكُلُّ صَديقٍ بَينَ أَضلُعِهِ حِقدُ
وَلِلَّهِ قَلبٌ لا يَبُلُّ غَليلَهُ
وِصالٌ وَلا يُلهيهِ عَن خِلِّهِ وَعدُ
يُكَلِّفُني أَن أَطلُبَ العِزَّ بِالمُنى
وَأَينَ العُلى إِن لَم يُساعِدنِيَ الجَدُّ
أَحِنُّ وَما أَهواهُ رُمحٌ وَصارِمٌ
وَسابِغَةٌ زُعفٌ وَذو مَيعَةٍ نَهدُ
فَيا لِيَ مِن قَلبٍ مُعَنّىً بِهِ الحَشا
وَيا لِيَ مِن دَمعٍ قَريحٍ بِهِ الخَدُّ
أُريدُ مِنَ الأَيّامِ كُلَّ عَظيمَةٍ
وَما بَينَ أَضلاعي لَها أَسَدٌ وَردُ
وَلَيسَ فَتىً مَن عاقَ عَن حَملِ سَيفِهِ
إِسارٌ وَحَلّاهُ عَنِ الطَلَبِ القِدُّ
إِذا كانَ لا يَمضي الحُسامُ بِنَفسِهِ
فَلِلضارِبِ الماضي بِقائِمِهِ الحَدُّ
وَحَولِيَ مِن هَذا الأَنامِ عِصابَةٌ
تَوَدُّدُها يَخفى وَأَضغانُها تَبدو
يَسُرُّ الفَتى دَهرٌ وَقَد كانَ ساءَهُ
وَتَخدُمُهُ الأَيّامُ وَهوَ لَها عَبدُ
وَلا مالَ إِلّا ما كَسَبتَ بِنَيلِهِ
ثَناءً وَلا مالٌ لِمَن لا لَهُ مَجدُ
وَما العَيشُ إِلّا أَن تُصاحِبَ فِتيَةً
طَواعِنَ لا يَعنيهِمُ النَحسُ وَالسَعدُ
إِذا طَرِبوا يَوماً إِلى العِزِّ شَمَّروا
وَإِن نُدِبوا يَوماً إِلى غارَةٍ جَدّوا
وَكَم لِيَ في يَومِ الثَوِيَّةِ رَقدَةٌ
يُضاجِعُني فيها المُهَنَّدُ وَالغِمدُ
إِذا طَلَبَ الأَعداءُ إِثري بِبَلدَةٍ
نَجَوتُ وَقَد غَطّى عَلى أَثَري البُردُ
وَلَو شاءَ رُمحي سَدَّ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
تُطالِعُني فيها المَغاويرُ وَالجُردُ
نَصَلنا عَلى الأَكوارِ مِن عَجزِ لَيلَةٍ
تَرامى بِنا في صَدرِها القورُ وَالوَهدُ
طَرَدنا إِلَيها خُفَّ كُلِّ نَجيبَةٍ
عَليها غُلامٌ لا يُمارِسُهُ الوَجدُ
وَدُسنا بِأَيدي العيسِ لَيلاً كَأَنَّما
تَشابَهَ في ظَلمائِهِ الشيبُ وَالمَردُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل تُبَلِّغُني المُنى
وَتَلقى بِيَ الأَعداءَ أَحصِنَةٌ جُردُ
جِيادٌ وَقَد سَدَّ الغُبارُ فُروجَها
تَروحُ إِلى طَعنِ القَبائِلِ أَو تَغدو
خِفافٌ عَلى إِثرِ الطَريدَةِ في الفَلا
إِذا ما جَتِ الرَمضاءُ وَاِختَلَطَ الطَردُ
كَأَنَّ نُجومَ اللَيلِ تَحتَ سُروجِها
تَهاوى عَلى الظَلماءِ وَاللَيلُ مُسوَدُّ
يُعيدُ عَلَيها الطَعنَ كُلُّ اِبنِ هِمَّةٍ
كَأَنَّ دَمَ الأَعداءِ في فَمِهِ شَهدُ
يُضارِبُ حَتّى ما لِصارِمِهِ قِوىً
وَيَطعَنُ حَتّى ما لِذابِلِهِ جَهدُ
تَغَرَّبَ لا مُستَحقِباً غَيرَ قوتِهِ
وَلا قائِلاً إِلّا لِما يَهَبُ المَجدُ
وَلا خائِفاً إِلّا جَريرَةَ رُمحِهِ
وَلا طالِباً إِلّا الَّذي تَطلُبُ الأُسدُ
إِذا عَرَبيٌّ لَم يَكُن مِثلَ سَيفِهِ
مَضاءً عَلى الأَعداءِ أَنكَرَهُ الجَدُّ
وَما ضاقَ عَنُه كُلُّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ
مِنَ الأَرضِ إِلّا ضاقَ عَن نَفسِهِ الجِلدُ
إِذا قَلَّ مالُ المَرءِ قَلَّ صَديقُهُ
وَفارَقَهُ ذاكَ التَحَنُّنُ وَالوُدُّ
وَأَصبَحَ يُغضي الطَرفَ عَن كُلِّ مَنظَرٍ
أَنيقٍ وَيُلهيهِ التَغَرُّبُ وَالبُعدُ
فَما لي وَلِلأَيّامِ أَرضى بِجَورِها
وَتَعلَمُ أَنّي لا جَبانٌ وَلا وَغدُ
تَغاضى عُيونُ الناسِ عَنّي مَهابَةً
كَما تَتَّقي شَمسَ الضُحى الأَعيُنُ الرُمدُ
تَخَطَّت بِيَ الكُثبانَ جَرداءُ شَطبَةٌ
فَلا الرَعيُ دانٍ مِن خُطاها وَلا الوِردُ
تُدافِعُ رِجلاها يَدَيها عَنِ الفَلا
إِلى حَيثُ يُنمى العِزُّ وَالجَدُّ وَالجِدُّ
فَجاءَتكَ وَرهاءَ العِنانِ بِفارِسٍ
تَلَفَّتَ حَتّى غابَ عَن عَينِهِ نَجدُ
وَمِثلُكَ مَن لا تُوحِشُ الرَكبَ دارُهُ
وَلا نازِلٌ عَنها إِذا نَزَلَ الوَفدُ
فَيا آخِذاً مِن مَجدِهِ ما اِستَحَقَّهُ
نَصيبُكَ هَذا العِزِّ وَالحَسَبُ العِدُّ
أَبٌ أَنتَ أَعلى مِنهُ في الفَضلِ وَالعُلى
وَأَمضى يَداً وَالنارُ والِدُها زَندُ
وَما عارِضٌ عُنوانُهُ البيضُ وَالقَنا
أَخو عارِضٍ عُنوانُهُ البَرقُ وَالرَعدُ
وَكَم لَكَ في صَدرِ العَدُوِّ مَرَشَّةٌ
يُخَضِّبُ مِنهُ الرَمحَ مُنبَعِقٌ وَردُ
وَفَوقَ شَواةِ الذِمرِ ضَربَةُ ثائِرٍ
يَكادُ لَهُ السَيفُ اليَمانيُّ يَنقَدُ
يَوَدُّ رِجالٌ أَنَّني كُنتُ مُفحَماً
وَلَولا خِصامي لَم يَوَدّوا الَّذي وَدّوا
مَدَحتُهُمُ فَاِستُقبِحَ القَولُ فيهِمُ
أَلا رُبَّ عُنقٍ لا يَليقُ بِهِ عِقدُ
زَهِدتُ وَزُهدي في الحَياةِ لِعِلَّةٍ
وَحُجَّةُ مَن لا يَبلُغُ الأَمَلَ الزُهدُ
وَهانَ عَلى قَلبي الزَمانُ وَأَهلُهُ
وَوِجدانُنا وَالمَوتُ يَطلُبُنا فَقدُ
وَأَرضى مِنَ الأَيّامِ أَن لا تُميتَني
وَبي دونِ أَقراني نَوائِبُها النُكدُ