روبوتات طائرة لإنقاذ النحل وحماية مستقبل الزراعة
الذكاء الاصطناعي يتصدّى لأزمات ممالك النحل المهدّدة بالانقراض وتعزيز قدرتها على البقاء.
خلايا ذكية لفهم سلوك النحل وتحفيزه على مواجهة التحديات
بدأت التكنولوجيا تستجيب لصافرات الإنذار، التي تحذر منذ سنوات من كارثة انهيار إنتاج الغذاء العالمي بسبب تراجع أعداد النحل نتيجة الأمراض والآفات وتغير المناخ واختلال موازين الطبيعة بسبب الأنشطة البشرية، والتي تقف أيضا خلف أوسع اختلال في سلسلة الحياة والتنوع البيئي.
وأصبح الذكاء الاصطناعي يقدم حلولا من خلال روبوتات تتصرف مثل النحل وتحاول تعزيز قدرته على البقاء وصولا إلى بناء أسراب من النحل الإلكتروني لتلقيح المحاصيل.
وتؤكد البيانات تراجع أعداد النحل بصورة غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم، رغم ما تلعبه من دور حيوي في تلقيح ثلث إنتاج العالم من المحاصيل، لكن الآمال جاءت من إمكانية توظيف الذكاء الاصطناعي للتصدي لهذه المخاطر وترميم حلقات التنوع البيولوجي.
أهمية النحل، التي تختزلها رابطة مربي النحل البريطانيين في أن ملعقة من كل ثلاث ملاعق طعام يتناولها الإنسان تعتمد على تلك الحشرات، دفعت العلماء للبحث عن حلول لتلك الأزمة المتفاقمة.
سباق لإنقاذ النحل
وتتسابق المختبرات العالمية لابتكار سبل للحفاظ على هذه الحشرات الصديقة للبيئة، التي تعمل لتوفير الغذاء للإنسان واستمرار بقائه.
وانطلق سباق تكنولوجي لتقديم حلول للمخاطر التي تهدد مستعمرات النحل، مثل بناء “خلايا ذكية” وتعقب مسارات النحل، بهدف حمايته وجعل تربيته وإنتاج العسل، أكثر كفاءة من ناحية اقتصادية لتشجيع أنشطة تربية النحل.
مارتن ستيفانيك: نطمح إلى أن تتمكن الروبوتات الصغيرة المجهزة بأجهزة الاستشعار من العيش داخل خلايا النحل من أجل جمع البيانات البيئية للنحل
ومن أبرز الحلول التي طرحت مؤخرا ابتكار باحثين من جامعة غراتس النمساوية أسرابا من الروبوتات التي تبدو مثل النحل وتتصرف مثله من أجل خداع النحل وتصحيح الاختلالات في دورة حياته.
وتساعد الخوارزميات المستلهمة من العمليات الحيوية هذه الروبوتات على إرسال محفزات جسدية مختلفة للنحل، بهدف معرفة ردود فعله.
ويهدف هذا المشروع البحثي الأوروبي إلى برمجة الروبوتات الصغيرة في محاولة لجعل النحل يستجيب لمنبهات مثل الاهتزازات، والتغيرات في تدفق الهواء، وبشكل خاص الاختلافات في درجة الحرارة.
التواصل مع النحل
ويقول توماس شمايكل، العالم البيولوجي في جامعة غراتس، ومنسق المشروع إن “تحقق التواصل بين النحل والكمبيوتر، سوف يمكننا من مراقبة تدفق المعلومات عن كثب ومعرفة كيفية قيام النحل بحفظ المعلومات، وكيفية توصيلها وفرزها، إضافة إلى كل ما يؤدي إلى مزيد من الفهم لهذه المجتمعات الحيوانية”.
ويأمل العلماء أن تساعد الروبوتات الصغيرة مستقبلا على حماية النحل، الذي يتعرض حاليا لضغوط بيئية كبيرة تهدد بانقراضه.
ويقول زياد سالم وهو مهندس أنظمة في جامعة غراتس إن “لدينا قطعا إلكترونية موجودة ضمن الروبوت يتم تسخينها لدرجة حرارة معينة وهي موصولة مع قطع معدنية، نضع شريحة شمع، وذلك لجعل النحل ينجذب لهذه النقطة الحارة”. وأضاف أن الخطوة التالية هي برمجة الروبوتات بطريقة ذاتية تحاكي السلوك الاجتماعي، الذي تم تعلمه أثناء تواصل الروبوتات مع النحل.
وحول هذا الأمر يقول العالم البيولوجي مارتن ستيفانيك وهو أحد المشرفين على المشروع إنه “في المجالات الحرارية السائدة داخل خلايا النحل، فإن النحلة الوحيدة عادة لا تجد الدافع بمفردها للقيام بالعمل المنوط بها، لكنها تعمل بجد حين تكون ضمن عدد كبير من النحل يقوم بنفس المهمة، لأنها تعمل في مجتمعات. نحاول إعادة إنتاج هذا المثال باستخدام الذكاء الاصطناعي في الروبوتات”.
وأضاف أن المشروع يطمح أن تتمكن الروبوتات الصغيرة المجهزة بأجهزة الاستشعار من العيش داخل خلايا النحل من أجل جمع البيانات البيئية للنحل، مثل تلك التي تشير إلى وجود مبيدات أو ملوثات في البيئة المحيطة.
ويعول الباحثون كثيرا على هذه الطريقة في الوصول إلى تحسين الرفاهية والحماية والإنتاجية في مستعمرات النحل مستقبلا.
وتعلق مارتينا زوبيك، العالمة البيولوجية على هذا المشروع قائلة “لنفترض أن لدينا فترة طويلة من المطر أو الطقس البارد قادمة في فصل الصيف، مما قد يعني أن النحل لن يكون لديه ما يكفي من الطعام. إذا عرفنا ذلك مبكرا من خلال الروبوتات، يمكننا على سبيل المثال ضبط سلوك الملكة لتضع بيضا أقل لإتاحة إمكانية رعاية أفضل للنسل الموجود بالفعل وبالتالي الوقاية من أكل هذه الحشرات لبعضها البعض”.
روبوتات لتلقيح الأزهار
النحل يلقح ثلث المحاصيل الزراعية في العالم
كما يتم حاليا إجراء تجارب مماثلة لتطوير روبوتات على شكل نحلة العسل لاستخدامها مستقبلا في تلقيح النباتات.
وتهدف هذه التجارب إلى تعويض النقص في أعداد ممالك النحل التي تتناقص سنويا ويهدد انحسارها عملية تلقيح الكثير من المحاصيل، وخاصة أشجار الفاكهة.
وتقوم الفكرة على بناء روبوتات تكون لديها مجسات تقوم بدور الحواس الموجودة لدى النحلة الطبيعية، حيث سيكون للنحلة الروبوت القدرة على استشعار رائحة الزهور وغيرها من الروائح الأخرى بالطريقة نفسها التي لدى النحلة الطبيعية، فضلا عن قدرتها على الاستجابة للمؤثرات البصرية.
وتحاول مختبرات كثيرة تعقب الأمراض والفيروسات وجميع الأسباب التي تؤدي إلى تراجع أعداد النحل وأعداد الخلايا، التي تنذر بكارثة بيئية.
ويقول باول إرليخ من جامعة ستانفورد إن “هناك أمثلة على انقراض أنواع من النحل في جميع أنحاء العالم… نحن نبتر الأطراف التي نجلس عليها”.
ومن البيانات المفزعة تأكيد رابطة مربي النحل الأميركيين أنهم فقدوا 44.1 بالمئة من خلايا النحل بين مارس 2015 وأبريل 2016، وهذا المعدل هو الأعلى عالميا منذ بداية الدراسة التي أُجريت للكشف عن معدل الفقد السنوي في أعداد مستعمرات النحل قبل 6 سنوات.
جوزيه غرازيانو دا سيلفا: النحل يتعرض لتهديدات كبيرة بسبب التلوث والتغير المناخي واستخدام المبيدات والزراعة المكثفة وتراجع التنوع الحيوي
ويعزى هذا التناقص الحاد في أعداد النحل إلى أسباب مختلفة، منها انتشار طفيل “فاروا” المدمر، وهو عثة طفيلية تتغذى على دم النحل، ويمكنها القضاء على خلية نحل بأكملها.
كما قتل عدد كبير من النحل بسبب انتشار عدوى فيروس يؤدي إلى مرض يدعى “الجناح المشوه” وفقا لأدلة علمية قدمها علماء الجينات، الذين أثبتوا أنه جاء بسبب تدخل الإنسان ولم يكن لأسباب طبيعية.
وقال البروفيسور روجير باتلن من جامعة شيفيلد، إن فيروس “الجناح المشوه” يمثل تهديدا كبيرا لحشرات نحل العسل في مختلف أنحاء العالم الذي ينتقل بسرعة بين مستعمرات نحل العسل.
مخاطر متزايدة
ويعتقد العلماء أن طفيل فاروا وفيروس الجناح المشوه، هما السببان الرئيسيان للقضاء على النحل لأن الطفيل يتغذى على يرقات النحل، وفي الوقت نفسه يحقن الفيروس المميت في جسم النحل.
ويرجح العلماء أن التهديد المزدوج تسبب في القضاء على الملايين من مستعمرات النحل خلال العقود الماضية.
وتتزايد أيضا الأدلة العلمية التي تؤكد أن التعرض للمبيدات الحشرية المصنوعة من مادة النيكوتينويد، وهي الأكثر استخداما في صناعة المبيدات الحشرية في العالم، تؤثر في سلوك النحل وقدرته على الإنتاج.
كما أن طرق الزراعة المكثفة المعتمدة حاليا، تهدد بإلحاق أضرار فادحة بأنواع النحل غير المنتجة للعسل، البالغ عددها 254 نوعا.
ويقول حماة البيئة إن طرق الزراعة الحديثة لا تشجع على تكاثر النحل لأنها تدمر البيئة الطبيعية لنمو النحل، إضافة إلى أن تغير المناخ، وخاصة ارتفاع درجات الحرارة، يجعل الزهور في بعض أجزاء العالم تتفتح في أوقات مختلفة عن فتراتها الاعتيادية، ما قد يحرمها من توافد النحل عليها لإتمام اللقاح.
وتقول الدراسات المحذرة أن استمرار تراجع أعداد النحل يمكن أن يرفع تكاليف الغذاء ويزعزع إنتاج المحاصيل ويجر خلفه سلسلة طويلة من الاختلالات في التوازن البيئي والسلسلة البيولوجية.
صافرات إنذار
صافرات الإنذار تحذر من كارثة انهيار الأمن الغذائي نتيجة تراجع أعداد النحل
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) بمناسبة اليوم العالمي للنحل في 20 مايو الماضي، أن تراجع أعداد النحل يمكن أن يشكل “تهديدا خطرا”.
وطالبت الدول ببذل المزيد من الجهد لحماية هذه الحشرات التي “تشكل حليفا لا غنى عنه في مكافحة الفقر وسوء التغذية”.
وقال المدير العام للمنظمة جوزيه غرازيانو دا سيلفا إن “النحل يتعرض لتهديدات كبيرة بسبب تأثير التغير المناخي والزراعة المكثفة واستخدام المبيدات الحشرية وتراجع التنوع الحيوي والتلوث”.
وأكد أن “غياب النحل وملقحات أخرى سيقضي على زراعة الكثير من المحاصيل، زراعات مثل البن والتفاح واللوز والطماطم والكاكاو”.
وشدد على أنه إذا استمر تراجع الحشرات الملقحة مثل النحل “فإن الفاكهة والخضار” قد تختفي لتحل مكانها “زراعات مثل الأرز والذرة والبطاطس” التي لا ترتبط كثيرا بالتلقيح ما يؤدي “إلى أنظمة غذائية غير متوازنة”.
ودعا دا سيلفا الدول الأعضاء “إلى اعتماد سياسات غذائية وأنظمة مستدامة تراعي الحشرات الملقحة”.
ويؤكد مايك آلسوب، الخبير في مجلس البحوث الزراعية بجنوب أفريقيا أن نحو 80 بالمئة من النباتات المزهرة الأصلية في أفريقيا تستفيد من تلقيح نحل العسل، وأن نحو ثلث إجمالي الغذاء المنتج يعتمد على تلقيح النحل.
وبفضل تربية النحل يمكن تحسين إنتاج نحو ملياري نسمة من صغار المزارعين في أنحاء العالم ودعم الأمن الغذائي في ظل التزايد المطرد للسكان.
وتركز فاو، على أهمية تكثيف السياق البيئي الطبيعي، أو زيادة المخرجات الزراعية من خلال تعزيز زخم الممارسات الطبيعية المستدامة من أجل توفير مزيد من الإمدادات الغذائية.
لكن أعدادا متزايدة من الخبراء تقول إن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد يكونان السبيل الوحيد لتصحيح الخلل، الناجم عن الممارسات البشرية، رغم أنه ينطوي على مغامرة قد تؤدي إلى نتائج جانبية لم تكن في الحسبان.