المدرسون وحدهم يمكنهم صد غزو الروبوت للوظائف
خبراء يرجحون أن دور الروبوتات سيقتصر على تعليم اللغات والرياضيات، وتحديدا الكلمات والاصطلاحات والكتابة والأعداد الأولية فقط.
الذكاء الاصطناعي يدعم وظيفة المدرس
يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورا كبيرا في إصلاح الضرر الذي ألحقته بمهارات الطلاب، غير أن المؤيدين والرافضين لاستخدام الوسائل التكنولوجية في مجالات التعليم يجمعون على أن المدرسين قادرون على الإبقاء على “محفظة الوظائف” في مؤسسات التعليم، وأن الروبوتات أو أجهزة الكمبيوتر لا يمكنها أن تحل محلهم على الأقل في المستقبل القريب.
يشهد العالم تحولا كبيرا في جميع المجالات المهنية، وفي الغالب ستتأثر معظم الأدوار والوظائف بشكل أو بآخر، مع وصول أجهزة الروبوت أو أجهزة الكمبيوتر إلى مختلف بيئات العمل، غير أن أبحاثا جديدة تؤكد أن المدرسين باستطاعتهم التصدي للغزو الآلي المرتقب لمجالات العمل.
وتتوقع مجموعة بوسطون الاستشارية أنه بحلول عام 2025 ستؤدي البرامج الذكية أو أجهزة الروبوت الأعمال في ربع الوظائف تقريبا، في حين تؤكد دراسة أجرتها وكالة “سيلفر سوان ركريتمونت” أن مهنة التدريس لديها فرصة للمحافظة على “محفظة الوظائف” في المستقبل وأن نسبة واحد في المئة فقط من هذه الوظائف قد يتأثر بما يميل الناس إلى تسميته بالذكاء الاصطناعي، وهي أدنى المعدلات بالمقارنة مع ما ستستحوذ عليه هذه الثورة التكنولوجية القادمة في مجال الوظائف.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد معلمي المدارس سيزداد بنسبة تتراوح بين 5 و24 في المئة في الولايات المتحدة بين عامي 2016 و2030، وبالنسبة لدول مثل الصين والهند، فإن النمو المقدر سيكون أكثر من 100 في المئة.
وكشفت نتائج مراجعة أكثر من 100 بحث ودراسة تم إجراؤها مؤخرا عن وجود العديد من التحديات التي تواجه استخدام ما يعرف بالروبوتات في التعليم.
أدوار فعالة
أساليب حديثة للتعلم
يعتقد الخبراء أنه على الرغم من تمكن الروبوتات الاجتماعية من القيام بأدوار فعالة في عملية التدريس، إلا أن مجالات تدخلها ستبقى محدودة، كما أنها مهما تطورت لن تكون قادرة على تدريس الكثير من المناهج الدراسية بالفاعلية ذاتها التي يقوم بها المدرسون.
وتشير أبحاث شركة ماكينزي العالمية أيضا إلى أنه بدلا من استبدال المعلمين بالروبوتات الآلية، فمن الأفضل توجيه التقنيات الحالية والناشئة نحو مساعدة المدرسين على أداء وظائفهم بشكل أفضل وأكثر كفاءة.
وفي العام الماضي، كتب ستيفن كوسلين وهو واحد من أهم علماء النفس حول العالم، في مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” يقول “بينما يتم التحدث عن أن الكثير من الوظائف من المحتمل أن تزول مستقبلا، هناك منظور آخر لم يتم فحصه بالمزيد من التفصيل وهو ليس عن الوظائف التي سيتم إلغاؤها، بل عن الوظائف المتبقية التي ستتم الاستعانة فيها بالآلات”.
ويرى كوسلين أن التنفيذ التلقائي الآلي لبعض المهام سيقلص من مقدار الوقت الذي يقضيه المعلمون في المسؤوليات الإدارية، من خمس إلى ثلاث ساعات في الأسبوع. وبالتالي فإن أتمتة المهام الإدارية، ستساعد المعلمين على تخصيص المزيد من الوقت للأنشطة التي تدعم تعلم الطلاب.
ووجدت شركة ماكينزي أثناء دراستها التي أجرتها على عينة من الدول أن المعلمين يقضون ما معدله 11 ساعة في الأسبوع في أنشطة الإعداد والتحضير للدروس، لكن عندما يتم استخدام التكنولوجيا بشكل فعال فيمكن أن ينخفض هذا الوقت إلى ست ساعات فقط، وبإمكان ذلك أن يساعد المدرسين على الخروج بخطط وأساليب للتدريس بشكل أفضل.
ومن شأن التطبيق الفعال للتكنولوجيا أن يعود بالفائدة على المعلمين أنفسهم، أي أن يتيح لهم المزيد من الوقت لقضائه مع أسرهم، أو في مواصلة تعليمهم أو التخصص في مجالات أخرى مختلفة.
لكن بينما تشير هذه التقارير إلى أن بعض المعلمين قادرون على الحفاظ على أمنهم الوظيفي، وأنه لن يتم استبدالهم بروبوتات في أي وقت قريب، فإن احتمالات أن تتأثر بعض الجوانب من عملهم بالتكنولوجيا تظل قائمة.
التنفيذ الآلي للمسؤوليات الإدارية سيقلص الوقت الذي تستغرقه من خمس إلى ثلاث ساعات في الأسبوع وبالتالي فإن أتمتة هذه المهام ستساعد المعلمين على تخصيص وقت أكثر للنشاطات التي تدعم تعلم الطلاب
غير أن بعض الخبراء يرجحون أن دور الروبوتات سيقتصر على تعليم اللغات والرياضيات، وتحديدا الكلمات والاصطلاحات والكتابة والأعداد الأولية، وأن الروبوتات ستكون مساهمة في عملية تعليم الأطفال والطلاب الصغار وزيادة فاعلية النتائج العملية فحسب، ولن تحل محل المدرسين على الأقل في المستقبل القريب.
وأكدت دراسة أوردتها الدورية العلمية “ساينس روبوتكس” أن الروبوتات الاجتماعية أثبتت فعاليتها في تدريس مجالات علمية ضيقة مثل المفردات اللغوية والأرقام، ولكن أوجه القصور التكنولوجي للروبوتات في مجالات تتعلق بصفة خاصة بفهم الحديث والقدرة على التفاعل الاجتماعي، تعني أن دورها سوف يقتصر إلى حد كبير على دور مساعد المدرس، على الأقل خلال المستقبل المنظور.
واعتبر توني بيلبايمي، أستاذ علم الروبوتات بجامعتي “بليموث” الإنكليزية و”جنت” البلجيكية والباحث الرئيسي بالدراسة، أن الروبوت لن يحل محل المعلمين على الإطلاق، وذلك بسبب عدم قدرته على محاكاة قدرات المعلم ومهاراته بشكل كامل. وشدد على أن أولياء الأمور لن يوافقوا على أن تصبح الروبوتات مسؤولة وبشكل كامل عن عملية تعليم أطفالهم.
وقال بيلبايمي “خلال السنوات الأخيرة، بدأ العلماء في تطوير روبوتات لغرض التعليم، ولا يقصد بذلك الروبوتات الصغيرة التي تستخدم لتعليم التكنولوجيا والرياضيات، بل روبوتات اجتماعية يمكنها فعليا أن تدرس، ويرجع السبب في ذلك إلى الضغوط على ميزانيات التعليم والدعوات إلى إيجاد نظام تدريس شخصي”.
وأوضح بيلبايمي أن “الروبوتات الاجتماعية لديها إمكانية أن تصبح جزءا من البنية التحتية التعليمية مثل الورق والكمبيوترات اللوحية ولوحات الكتابة، بحيث تقوم بتوفير الوقت للمدرس للتركيز على الجوانب التعليمية الأساسية مثل تقديم تجربة تعليمية شاملة ومثمرة”.
الروبوتات الاجتماعية
روبوت ذكي لخدمة البشر
أفادت الدراسة بأن إدخال الروبوتات الاجتماعية في المناهج التعليمية يمكن أن يشكل تحديا لوجيستيا كبيرا بل وقد ينطوي على بعض المخاطر، حيث يمكن أن يؤدي إلى اعتماد الطلاب بشكل كبير على الروبوتات بدلا من مجرد الاستعانة بخدماتها عندما يواجهون صعوبات تعليمية فقط. وقد تساعد وسائل التكنولوجيا أيضا على إصلاح الضرر الذي ألحقته التكنولوجيا ذاتها بمهارات التلاميذ، إذ بدأ بالفعل بعض المدرسين بفيلادلفيا في الاستعانة بالحاسب الآلي لمتابعة الطلاب المتعثرين. وقد استخدم منتدى “ليكسيا”، الألعاب لتحفيز المشاركة، كما تمكن البرنامج من تصنيف الطلاب بناء على مستواهم بحيث ينقل الطلاب الأنجح إلى مستويات أعلى ويتابع المتعثرين عبر تمارين مبرمجة لحين بلوغ المستوى المطلوب.
وتتصدر الولايات المتحدة ساحة التقنيات التعليمية، وحققت الشركات المتخصصة في مجال تقنيات التعليم عائدات بلغت 1.45 مليار دولار عام 2018. لكن من المتوقع أن تواجه شركات مثل “فليبغريد” و”ليكسيا” منافسة متزايدة من الخارج، في ضوء التطور الهائل الذي تشهده صناعة التكنولوجيا التعليمية في شرق آسيا.
وعموما فإن خبراء التعليم، بمن في ذلك المؤيّدون والرافضون لاستخدام التكنولوجيا في التعليم، يؤكدون على أهمية الدور الذي يقوم به المعلم في هذا المجال. وتقول إليزابيث هوفر، المسؤولة عن استخدام التقنيات بالمدارس العامة في مدينة ألكسندرا سيتي بولاية فيرجينيا، إنه لا بديل عن التعليم المباشر بواسطة المعلم.
وتضيف “يبقى التفاعل المباشر مع المعلم هو المكون الأهم للعملية التعليمية بالفصول الدراسية”، مشددة على استخدام التكنولوجيا في بعض الحالات الضرورية فقط. وتلاحظ لورا شاد -معلمة بمدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأميركية- أن الكثير من المدرسين يعولون على التكنولوجيا بسبب غياب الموارد الأخرى، وتقول إنه من الضروري استخدام برامج مثل “ليكسيا” في حالة توفر التمويل الكافي للمدارس لتوظيف مساعدين للمعلمين بهدف مساعدة الطلبة المتعثرين.
وعالميا، يحظى العمل الذي تؤديه الآلات ووسائط التكنولوجيا في مجالات التعليم بالكثير من الجدل في الوقت الراهن، لكن قد يبدو ذلك مفيدا لأولئك الذين يطمحون لأن يصبحوا مدرسين في المستقبل لأنه قد يتيح لهم إمكانية معرفة هل وكيف ومتى ستؤثر الأتمتة على مهنة التدريس؟ وربما يمنحهم فرصة اتخاذ الاستعدادات الصحيحة لمهنهم المستقبلية.