احتدام المنافسة لابتكار السيارات بالطباعة المجسمة
بورشه تسرّع انتقال القطاع إلى المستقبل بتطوير مقاعد للطرازات الرياضية.
أحد نجوم مسرح السيارات
يلهث عمالقة صناعة السيارات وراء توظيف تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في عمليات إنتاج كافة تجهيزات المركبة مهما بلغت درجة تعقيدات تصميمها، فبعد نجاح التجربة في بناء البيوت وأعضاء طبية وأدوات أخرى، يتجه القائمون على القطاع اليوم باتجاه اعتماد هذه التكنولوجيا بشكل أكبر، وقد ظهر ذلك بوضوح في تطوير مقاعد ذكية تجعل من مقصورة السيارة واحة للاسترخاء.
لندن – يعكف صنّاع السيارات على تطوير مقاعد ذكية تراعي الاشتراطات الصحية من أجل الحفاظ على صحة الظهر، كي ينعم قائد السيارة والركاب برحلة مريحة تخلو من آلام الظهر حتى خلال المسافات الطويلة.
ويبدو أن الأمر تجاوز هذه المرحلة بكثير إذ يرى المصممون أن عمليات الإنتاج ستركّز على أكثر أجزاء السيارة أهمية من خلال تطوير مقاعد بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وتساهم هذه التكنولوجيا في الاستغناء عن ممارسات العمل التقليدية للمصنعين، إذ يؤكد المختصون أنه لن تكون هناك حاجة إلى استخدام الأدوات والقوالب الخاصة بصناعة القطع وهذا من شأنه توفير الكثير من الجهد والاستفادة من الوقت.
ويتطلع مصنّعو السيارات دائما إلى طرق لتصنيع السيارات بتكلفة منخفضة وقد أتاحت هذه التقنية فرصة القيام بذلك، حيث يمكنهم تصنيع نماذج كاملة في غضون ساعات.
وبمجرد أن يتم تجريب تلك النماذج واختبارها، يمكنهم بكل بساطة تحديث التصميم وطباعته مرة أخرى وإجراء المزيد من الاختبارات بغية الوصول إلى منتج ذي جودة عالية.
وتعتبر الشركات الألمانية والأميركية والفرنسية أحد أبرز كيانات القطاع على مستوى العالم، التي تعتمد هذا الأسلوب في ابتكار السيارات، وباتت شركة بورشه آخر المنضمين إلى السباق.
واللافت أن بورشه ستركز على ابتكار مقاعد للمركبات الرياضة، وهو من شأنه، بحسب خبراء، أن يحدث ثورة في عالم سيارات السباق على وجه التحديد.
تجربة بورشه
تعمل بورشه في الوقت الحالي على تطوير مقعد مبتكر. وتقدم الشركة من خلال المقعد التجريبي نموذجا يحل محل فرش المقاعد المستقلة التقليدية، وهو مقعد مستقل متكامل بتصميم يتخذ شكل الجسم، وهو مصنوع بالاستعانة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وسيتم استخدام الطابعة المجسمة في إنتاج الجزء الأوسط من المقعد، أي المقعد ومسند الظهر. وسيتاح للزبائن مستقبلا إمكانية الاختيار ما بين ثلاثة مستويات لطبقات الراحة وهي: صلب، ومتوسط الصلابة، وليّن.
وتبرز التقنية الجديدة ارتباط بورشه الوثيق برياضة سباق السيارات، حيث تتبع هذه المقاعد الرياضية المخصصة مبادئ التصميم المعتادة عند تجهيز المقاعد وفقا لمتطلبات السائق وتفضيلاته في مجال سباقات السيارات الاحترافية.
وتعليقا على ذلك، قال عضو المجلس التنفيذي للبحث والتطوير في بورشه مايكل شتاينر لوكالة الأنباء الألمانية إن “المقعد يعد بمثابة همزة الوصل بين السائق والسيارة، وبالتالي فإنه يشكِّل عنصرا مهما لتعزيز قدرة السائق على التوجيه الرياضي الدقيق للسيارة”.
وأضاف أنه “لذلك تُجهَّز سيارات السباقات منذ وقت طويل وحتى وقتنا هذا بشكل أساسي بهياكل مقاعد مُخصّصة حسب متطلبات السائق”.
وتابع “بتقديم هذا المقعد المنفصل المتكامل المزوّد بدعامات جانبية بتصميم يتخذ شكل الجسم والمصنوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، تتيح بورشه لزبائنها تجربة التقنيات المستخدمة في مجال تصنيع سيارات السباقات”.
مايكل شتاينر: مقعد بورشه المبتكر يتيح راحة أكبر لسائقي سيارات السباق
وبالإضافة إلى تجهيز المقعد، الذي يراعي راحة الجسم وتفاصيله، والذي يشبه مقاعد سيارات السباقات، يجمع هذا المقعد أيضا بين التصميم الفريد وتقنية التحكم في درجة حرارة المقعد وأعلى مستويات الراحة.
وتقوم فكرة هذا المقعد على مقاعد بورشه خفيفة الوزن المزودة بدعامات جانبية تحيط بجسم السائق بالكامل.
وتُكسى قاعدة المقعد المصنوعة من مادة البولي بروبلين الممددة بطبقة مصنوعة من خليط من مواد أساسها البولي يوريثان تسمح بنفاذ الهواء عبرها، وتُصنَّع باستخدام تقنية التصنيع المضاف، المعروفة أيضا بالطباعة ثلاثية الأبعاد.
أما الطبقة الخارجية للمقعد التجريبي الجديد، فهي مصنوعة من مادة ريستكس بثقوب ذات نمط محدد للتحكم في درجة الحرارة.
كما تتجلى العناصر الملونة في التصميم المتشابك المصنوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تمنح المقعد شكلا مميزا لا تخطئه العين بوضوح عبر نوافذ السيارة.
وستتوفر إمكانية طلب المقعد الجديد المصنوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في طرازات 911 و718 عبر خدمة بورشه إكويبمنت اعتبارا من مايو المقبل.
وسيقتصر ذلك مبدئيا على 40 نموذجا أوليا من المقاعد، مع أحزمة أمان سداسية النقاط، للسيارات المخصصة لحلبات السباق، على أن تؤخذ آراء العملاء في الاعتبار خلال عملية التطوير.
وفيما بعد، ستتاح المقاعد التجريبية الجديدة المصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للسيارات المصرَّح لها بالسير على الطرق العادية، مع ثلاثة مستويات للصلابة وثلاثة ألوان مختلفة، وذلك كتجهيز إضافي من قسم بورشه إكسكلوسف مانوفاكتور للتصنيع حسب الطلب، وذلك اعتبارا من منتصف عام 2021.
وعلى المدى الطويل، ستتيح هذه التقنية أيضا تجهيز السيارة بحلول مخصصة كليا إذا ما أعرب عدد كاف من المستهلكين عن رغبتهم في ذلك.
وبالإضافة إلى ذلك ستوفر الشركة مقاعد بتشكيلة كبيرة من الألوان، كما ستتاح إمكانية تصنيع مقاعد معدلة حسب شكل جسم الزبون.
سباق طويل
مقعد ثوري لمركبات المستقبل
من المتوقع أن تلعب تجهيزات السيارات المصنعة بتقنية الطباعة المجسمة دورا مهما في مستقبل تصميم السيارات بشكل عام وسيارات السباق بشكل خاص.
ويرى المختصون في عالم السيارات أن السباق في مضمار الطباعة ثلاثية الأبعاد الذي بدأ يظهر بوضوح في 2015، لا يزال طويلا لاسيما في ظل التغييرات التي تطرأ بين الحين والآخر على هذه الصناعة.
ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك، فالمطوّرون يحتاجون إلى تعديل ساعات مصانعهم لإدخال هذه التكنولوجيا في سلاسل الإنتاج وخاصة المقاعد المبتكرة.
وتعمل شركة فورد، على سبيل المثال، على ما يعرف باسم المحاكاة وهو عبارة عن روبوت على شكل جذع بشري يأخذ مكانا له مرارا وتكرارا على مقعد السيارة.
واستطاع المهندسون في 2018 من خلال إجراء اختبارات بمعدل 25 ألف مرة على كل مقعد في غضون 3 أسابيع رسم تصور عن كيفية استهلاك مقعد السيارة خلال عقد من الزمن نظرا إلى أن كيفية الجلوس في السيارة لها تأثير شديد على صحة عظام الراكب.
وتقول الخبيرة في مجال صناعة مقاعد السيارات تانيا كورديس إن الجلوس المستمر على مقعد السيارة غير المناسب يعد بمثابة “السم النقي” للظهر.
وتم تركيب أول مقعد معتمد من جمعية الظهر السليم الألمانية في سيارة أوبل سينيوم عام 2003، وفي الوقت ذاته يمكن للزبائن طلب المقاعد الصديقة للعظام في الموديلات الجديدة.
وأكد المتحدث باسم أوبل ألكسندر باتسيو أن المقاعد المعتمدة من قبل الجمعية تتناسب مع السير لمسافات طويلة.
وقد لحقت مجموعة بيجو ستروين الفرنسية بهذا السباق من خلال كروس أوفر أطلقتها قبل ثلاث سنوات، كما قدمت شركة فولكسفاغن سيارات ركوب وموديلات خدمية مزوّدة بمقاعد تحافظ على صحة العظام.
وتجري عمليات تطوير مقاعد السيارة مع الشركات المغذية لصناعة السيارات، ومنها شركة آدينت الأيرلندية، التي تعتبر من أكبر الشركات في هذا المجال.
ويؤكد المتحدث باسم الشركة إنغمار ريموس أن بيئة العمل لعبت دورا مهما في مراكز تطوير آدينت وخاصة فيما يتعلق بابتكار المقاعد.
وقال في تصريحات صحافية العام الماضي، إن الشركة “تضع في اعتبارها توصيات جمعية الظهر السليم والمنظمات الأخرى العاملة في مجال بيئة العمل عند تطوير مقاعد السيارة”.
وسبق أن أعلنت شركة إيمنسا للتكنولوجيا، المتخصصة في الطباعة ثلاثية الأبعاد، في فبراير 2018 عن إنتاج قطع غيار مصنعة باستعمال هذه التقنية واستخدامها في سيارة سباق تويوتا جي.تي 86 في تجربة هي الأولى من نوعها في الإمارات.
وتؤكد إيمنسا أنها تلتزم بإجراء البحوث وتطوير تقنيات الطباعة وأنها نجحت في تطوير تقنيات خاصة بها لتصنيع منتجات لم يكن من الممكن الحصول عليها بالطرق التقليدية.
مزايا المقاعد الذكية
توفير المزيد من وظائف الراحة والسلامة للسائق
تقدم المقاعد الذكية في السيارات الحديثة حزمة من المزايا للسائقين حيث تساعدهم في عدم الإحساس بالتعب أثناء السير خاصة عند قطع مسافات طويلة.
وتتميز تلك المقاعد براحة إضافية كونها تحوي وظيفة التدفئة والتهوئة والمساند الجانبية القابلة لتعديل الضبط ووظائف التدليك وأنظمة ديناميكية المقعد، مع الوسادات القابلة للانتفاخ، والتي تعوض في المنحنيات قوى الطرد المركزي، وتساعد على استقرار جسم الراكب، وتقدم شركة مرسيدس هذه الميزة في بعض موديلاتها الفاخرة.
وكانت شركة فوريسيا الفرنسية، وهي واحدة من أكبر الشركات المغذية لصناعة السيارات، قد أعلنت في السنوات الأخيرة عن أحدث التطورات في هذا المجال.
وأبهرت فورسيا خلال معرض فرانكفورت للسيارات لعام 2017 الزوار حين قدمت مقعد السيارة أكتيف ويلنيس، وذلك في سياق التحول نحو القيادة الآلية، الذي يتعين على المقاعد جمع وتقييم البيانات الخاصة بسائق السيارة مثل إيقاع نبضات القلب ومعدل التنفس.
وإذا قام المقعد بتشخيص الإجهاد عندئذ يتم تنشيط وظيفة التدليك أو تهوئة المقعد، وفي المرحلة التالية من التطوير يصبح المقعد قادرا على تقرير ما إذا كان سائق السيارة ليس آمنا في وضع القيادة الآلي عندما يعاني من التعب أو الإجهاد.
ويقول رئيس قسم الأبحاث والتطوير بالشركة الفرنسية جريجور كناور إنه يمكن العمل على توفير المزيد من وظائف الراحة والسلامة لسائق السيارة بفضل انصهار البيانات البيومترية والتحليل التنبئي والسيارات الشبكية في مجموعة من التقنيات المتكاملة.
وفي حين أن هذه المقاعد لم تظهر بعد على الطرقات حتى الآن، فإنه يمكن تجهيز السيارات المستعملة بمقاعد محافظة على صحة الظهر كتجهيز لاحق.
وتقدم شركة ريكارو مثلا الموديل “أورثوباد” مع وظيفة التكييف والموديل “إيرغوماد إي” مع وسادات هوائية جانبية تتوافر بشكل اختياري، ولكن ينصح الخبراء بالتأكد مسبقا من توافق موديل المقعد مع موديل السيارة.
ومع كل هذه التقنيات الحديثة، فإن الخبيرة كورديس تنصح السائقين خلال مسافات القيادة الطويلة بأخذ فترات راحة وأداء بعض التمارين البسيطة في أماكن مناسبة.
وقالت إنه “نظرا إلى أن المرء غالبا ما يجلس في سيارته لمدة طويلة تمتد لساعات وهو مشدود في نفس المكان ودون أن يتحرك، مما قد يؤثر على صحة الظهر على المدى الطويل وقد يسبب له آلاما مزمنة، فإن عليه التحرك بعد قطع مسافة طولية”.