الكهرباء لاسلكياً – من الحلم إلى الحقيقة
إن فوضى أسلاك الكهرباء الموصولة بالكمبيوترات، و الهواتف، و أجهزة التلفاز، و كل ما حولنا من أجهزة كهربائية قد تؤول إلى الزوال—إذ تمكن فريق من الفيزيائيين من معهد ماساتيوستس للتقنية (MIT – Massachusetts Institute of Technology) في الولايات المتحدة من إجراء تجربة أظهروا فيها إمكانية نقل الكهرباء بدون أسلاك توصيل و ذلك باستخدام هوائيات (Antennas) رنين (Resonance) خاصة. فقد طور الفريق منظومة لإضاءة مصباح (قدرته 60 واط) موضوع على بعد مترين من جهاز إرسال لاسلكي. (أعرف أنه ليس بالكثير و لكن هيه! نحن نتحدث عن كهرباء لاسلكية! و لا زلنا في بداية الطريق. لنرَ بعضاً من التفاؤل هنا!) و زعم الفريق أنه بالإمكان تصغير حجم المنظومة بحيث يصبح بالإمكان استخدامها في الأجهزة المحمولة بدون فقد (loss) يذكر في الكفاءة الكهربائية. و قد نشر البحث في مجلة العلم (Science.1143254).
صورة تبين الهوائيات المرسِلة و المستقبِلة و أماكن و تطبيقات مقترحة لها
إن فكرة نقل الكهرباء بلا أسلاك ليست مفهوما جديداً—ففي بدايات القرن الماضي (1900م) و قبل أن تطرح شبكات الكهرباء للاستخدام، قام المخترع الصربي تسلا Tesla بتصور حياة قائمة على الأجهزة الكهربية تنتقل فيها القدرة بلا أسلاك و ذلك باستخدام شبكة من "ملفات تسلا" (Tesla Coils) ذات فولطية عالية (فرق جهد عالي). و على الرغم من عدم تبني المجتمع العلمي لفكرته و ذلك لما تحتويه من مخاطر بسبب المجالات الكهربية العالية؛ إلا أن شعلة الاهتمام بنقل القدرة بواسطة الإشعاع الكهرومغناطيسي من أجهزة إرسال خاصة قد عادت للظهور بسبب عدة مقترحات بحثية حديثة واعدة. و لكن –و مع الأسف-، فإن تلك المنظومات التي اعتمدت على فكرة أجهزة إرسال تبث في جميع الاتجاهات قد أظهرت قلة الكفاءة و عدم الجدوى، كذلك فقد تبيّن أن المنظومات التي تعتمد على أجهزة إرسال ذات اتجاه محدد (تعزى هذه القدرة إلى الإمكانات التي تقدمها التقنيات الحديثة للهوائيات)؛ هي غير عملية لمعظم التطبيقات و ذلك لأنها تحتاج إلى منطقة مستقيمة خالية من أي أجسام أو أجهزة بين جهاز الإرسال و الاستقبال.
هوائيات (تسلا) المستخدمة في التقنية
في العام الماضي (2006)، اقترح فيزيائيون من (MIT) طريقة لتجنب تلك المشاكل و ذلك بتوظيف الموجات الكهرومغناطيسية اللاإشعاعية (المتلاشية) Non-Radiative EM Wave. و تنشأ هذه الموجات عادة مع الموجات المنبعثة المستخدمة في الاتصالات اللاسلكية، إلا أنها تتحلل (تتلاشى) في زمن قصير بعد خروجها من الهوائي.ترتكز فكرة العالم مارين سولجاسيك (Marin Soljacic) و الذي يترأس البحث الذي يشاركه فيه زملائه على أنه بحدوث حالة رنين بين جهاز الاستقبال و جهاز الإرسال فإن المجال المتلاشي (Evanescent Field) سيقوم بحث تيار كهربائي بين الجهازين. و في هذا الحالة، فإن الأجهزة و الأجسام الموضوعة حول ذلك المجال لن تتأثر به لأنها لن تدخل في حالة رنين معه، و بالتالي فإنها لن تقطع الإرسال، و كذلك فهي لن تمتص - إلا النزر اليسير- من طاقة المجال.
فريق البحث في جامعة ماساتشوستس يتوسطهم السيد سولجاسيك مرتدياً قميصاً مقلماً، يظهر في جنبي الصورة أيضاً هوائيان استخدما في إرسال و استقبال الكهرباء لاسلكياً
لقد وضع (Soljacic) و زملاؤه فكرتهم النظرية في حيز التطبيق، حيث ابتكروا زوجاً من الهوائيات النحاسية على شكل حلقي (مثل الخاتم)، و قد وصلوا أحدها بمصدر تيار، بينما اتصل الآخر بمصباح (60 وات) على بعد مترين. و عندما وضعوا المصدر في حالة التشغيل حيث يسري التيار المتردد في الهوائي الأول، فإن ذلك أدى إلى نشوء مجال مغناطيسي دخل في حالة رنين ازدواجي مع الآخر، و بالتالي أدى إلى نشوء تيار حثي (تأثيري). و بحسب زعم الفريق العلمي فإن ذلك التيار أضاء المصباح بكفاءة نقل مقدارها 40%، كما تنبأت نظريتهم بالضبط.
و على الرغم من أن أقطار الهوائيات التي استخدمت في التجربة كانت تزيد قليلا عن نصف المتر، إلا أن الفريق العلمي أكد أنه بالإمكان إعداد نسخا مصغرة من تلك المنظومة بحيث تستخدم للأجهزة المتنقلة (المحمولة)، دون التضحية بالكفاءة. و يجدر بالذكر أن مثل تلك الأجهزة قد تستخدم في تطبيقات لأجهزة طبية و صناعية عديدة.