كانت تنظر بعيون ثاقبة يتملكها الحزن كعادتها من نافذتها والسماء تمطر مستمتعة بتلك اللحظات التي تعيشها مع نفسها لتبعد عنها الحزن الدفين الذي لازمها .... ترقب المارة كل واحد يتجه صوب هدفه نفس الروتين نفس الوجوه ، فلها مع نافذتها حكايات تعتبرها أفضل مؤنس لها، عاشت معها مراحل من عمرها شاركتها أفراحها وأحزانها ، وشهدت عبراتها وهي تذرفها فظلت وفية لها ولم تخبر أحدا عن دموعها
وبينما هي مستغرقة في رؤية قطرات المطر وهي ترطم زجاج نافذتها سمعت من ينادي في الداخل عليها إلتفت لتجيب كانت إبنتها الكبرى تعاتبها قائلعة : أمي لماذا تركتني كل ذلك الوقت وأنا نائمة ؟؟ لم ترد عليها الأم لعل السكوت كان كافيا لتلقينها درسا في الإعتماد على النفس ، هذه هي أمل أم لبنتان وإبن صغير في الأربعينات من عمرها متوسطة القامة على قدر من الجمال، وإن كانت تنسى نفسها كأنثى لتهتم بهيأتها ربما لكثرة الطلبات المتراكمة عليها أو لعدم رغبتها ، فهي تهتم بشؤون البيت والزوج والأبناء عالمها كان مقتصرا داخل جدران البيت
تمنت لو أنها كانت إمرأة عادية لاتعرف شيئا عن أسرار الحياة أكثر من الطريقة التي يأتي بها الأطفال إلى الدنيا إمرأة سادجة مطيعة لاتكتب إلا ما تتناقله النساء عبر الواتساب من أمور تافهة ، نسيت أمل أنها إمرأة تظل طيلة النهار تنتقل بين غرف المنزل عند ذهاب الأبناء للمدرسة والزوج إلى العمل، ترتب الفوضى وتكنس تغسل الاواني وتنظف البلاط بعدها تخرج للتسوق لتعود بخطى سريعة كأن أحدا يلاحقها إنه الزمن يجري وراءها فوقت الغذاء كان مقدس عند أسرتها الصفيرة لن يرحمها أحد وخصوصا زوجها الذي عرف بالصرامة نظامه عسكري
قليلا ما كانت تبدو على محياه الإبتسامة كل ذلك جعل أمل تنسى أنها أنثى لاتتذكر إلا حين يطلبها بالليل وقد هدها التعب وشل حركاتها، وجمد أروع أحاسيسها فأكثر ما كان يخيفها قبل الزواج أن ترتبط برجل تقليدي نظرته للحياة لاتتجاوز الطعام والسرير
الجزء الثاني ..
وهذا ما حصل مع الأسف لم يرى فيها سوى كونها امرأة تطبخ وتهتم بالأولاد وتدلله في الليل ، أما عن طموحاتها وتطلعاتها لم يهتم لها ربما لأنه كان محدود الطموح. همه فقط جمع المال خوفا من الغذ ومايخبئه من مفاجآت.
•وأكثر ما كان يحزنها حين كانت تلتقي بصديقاتها على باب المدرسة ، وهن يرافقن أبناءهن حيث تبدأ كل واحدة في سرد معاناتها تسمع لثرثراتهن بعيون شاردة ، وأحيانا لاتسمع لفرط الشكوى فهي تريد من يرفه عنها لا من يزيد الطين بلة لكن ما العمل ؟ يجب الرضوخ للأمر الواقع وهذا ما كان يؤلمها أن تظل مجبرة على التعايش مع هذا الحال والرضى بهذا النقص فقلة حيلتها لن تقدر أن تحدث تغييرا امام كل هذه الحواجز.
•شرودها المستمر وحزنها جعل صديقاتها يتهامسن فيما بينهن " أكيد زوجها أغضبها" ولسماعها ذلك يطير لب عقلها فتغضب في قرارة نفسها أكثر، وتتساءل لماذا الرجل حاضر في الموضوع ؟ هل هو الركيزة الأساسية لكل شيء يتعلق بالمرأة، بتصوارتهن تلك فقد أعطيناه أكثر من حجمه، وأنبتناه في عروق كل امرأة حتى أصبح يجري معها في دمها.
•لماذا لم تحضرهم فكرة أنها قد تكون حزينة؟ بسبب تلك العقبات الروتينية التي تقيدها من ممارسة حياتها واستقلاليتها بعيدا عن أي رجل.
•لا أحد قد يشعر ما بداخلها ولا بالأرواح الممتزجة التي تتبادل أدوارا كل مرة بشخصية جديدة غصبا عنها ، حتى تساير عقلية الناس المختلفة، فقط قلمها كان يفهما ليخرج مابداخلها ويزيح عنها بعض الشيء ما قد كتم بصدرها . فقد أحبت قلمها أكثر من كل شيء ، في أوقات عصيبة تلجأ إليه هروبا من عالمها الممل.
•غالبا ماكانت أمل دائمة السرحان تنتابها لحظات تسرح بمخيلتها إلى عالم تصوره لنفسها، كم تمنت لو لم تأتي في هذا الزمن، فهي تجده يختلف عنها . تدرك أن الأيام أصبحت تمضي بسرعة، فطفولتها مرت دون أن تشعر بها ، وشبابها على أعتاب توديعها، وأولادها سيتركونها قريبا ، وسيصبح أبوهم كصديق لها تشاركه الدواء والمواساة واحيانا الشجار.
الجزء الثالث ..
فكرها دوما منشغل بأفكار شتى تراودها وأحيانا تقلق مضجعها وتساؤلات عدة لا تجد لها جواب لذا تفضل الصمت.
مرة وهي مع ابنتها سألتها : لماذا أجدك قليلة الكلام؟
نظرت إليها أمها قائلة: لأن الصمت أبلغ من الكلام ، فهناك أمور يستحسن أن لا تناقش حتى لا نجلب لأنفسنا المتاعب.
مازالت إبنتها الكبرى هناء لم تعرف الحياة بعد حديثة العهد بها. أقيمت خطبتها فقط تبدو لها الحياة وردية، فهي تعيش فترة الحب والأحلام. هكذا أمل كانت يوما ما معتقدة أن الحب سيدوم. لن يتضاءل، ولن تطفأ لهيب ناره تحت تأثير الظروف والأيام.
لكن كل شيء يتغير ويتبدد. لذا كانت تسأل لماذا لايظل الحب على حاله ؟ ولماذا تكون هناك أسباب، بل وأحيانا أطراف إما من أهل الرجل أو المرأة؟ تجعل حبهما يقل تدريجيا بسبب موروث عاشت عليه تقريبا كل الأسر العربية مع الأسف. وغالبا ما يعود على النساء بالعذاب المستمر المتواصل. وإن حصل وأرادت تغيير ذلك النمط سيعتبر خيانة للعرف والتقاليد والديانة.
كانت أمل لاتثق بأحد فقط أمها بمثابة مرآتها تبوح لها بكل شيء أسرارها أوجاعها . تشعر معها بالإرتياح، فهي من ساندتها ومازالت في كل أوقاتها العصيبة التي مرت بها منذ طفولتها وأيضا وهي زوجة وأم . ظلت وستظل عكازها التي تستند عليه في خضم حياتها. فمعاناتهما تشتبهان، والتي لدى أغلب نساء العرب.
هي تدخل الأعراف والتقاليد سبب في تعاسة بل وخراب بيوت أسرية كثيرة، وجعل صبيات كانت مزهرة بالإبتسامة مفعمة بالحيوية والتلقائية، لتتحول إلى وجوه متصنعة ومتكلفة تلبس كل مرة قناع في شكل، لإرضاء كل الأطراف رغما عنها وإن كانت غير راضية على ذلك.
لم تنسى أمل يوما وهي في العيادة بسبب ألم اصيب بها ضرسها قصة امرأة تدعى فاطمة إلتقت بها هناك . بدأت هذه الأخيرة تسرد قصتها دون توقف، ربما لكثرة ما ألم بها وألحق بها من عذاب. أخبرتها أنها حديثة الزواج، تزوجت كغيرها حتى لايفوتها القطار. حال الأغلبية من الفتيات لايهم أين سيرمون أنفسهمن، المهم أن يلحقن القطار. زوج تلك المرأة ضعيف الحال مما أجبره على العبش مع أمه هنا بدأت المعاناة....
بقلم سميا دكالي ..