.
امرأتان وأنثى
مدخل
…
( عَلِمَ مِنكَ أنكَ لا تصبر عنهُ .. فأشهدكَ ما بَرزَ مِنهُ )
ابن عطاء الله السكندري
(1)
امرأةٌ تشدُّني لجسدها المتمرد كقلعة مهووسة بالفراغ .. تَجرُّ العاصفة من نحرها لتتوسد نهديها .. تغوي النوَّار بملامسة الروح .. تضيء وجنتاها كَمُعادلٍ موضوعيٍ لكنيسةٍ تحت الأنقاض .. الجسد حصانٌ يَجرُّ المدينةَ في عَربةِ الغرائز ..النهد مُجرّد فكرةٍ لاحتجاج الطبيعة ضد الرموز .. ضد الأقداح التي تكفر بخمرة النار .. والحقائق التي تفرُّ كسيّارةٍ ليليةٍ تَعبرُ ذكرياتِ عجوزٍ مُصابٍ بالزهايمر .. لن يكون مُجديًا أن تتظاهر بالزهد حين تفسد رِئتاكَ وتموتُ الأسماكُ الحالمةُ مختنقةً.. قَبْلَ أن تُقبِّل شفتيها / الزهد أن يعتنقكَ البحرُ لكنك تُوحِّدُ القطرةَ .. الجسد لن يمنحكَ سوى جسرٍ باهتٍ لعبور قلبك إلى المنفى .. لموتٍ سرمديٍ ليس له صدى كنجمٍ يحترقُ في مجرَّةٍ أخرى .. لكننا بَشَرٌ ؛ نحتاج لقدمينِ كي نسيرَ بهما إلى النهرِ .. نُلقي الشَّبّكةَ ونعود بأحبابنا الذين غرقوا .. نحتاج إلى ذراعٍ كي ندقَّ بها الحديد فوق السندان فيسكن ألمُهُ.. نحتاج لصدرٍ كالغربال يشرب كل مياه المواجع ولا يختنق .. الجسد لعنةُ المعنى بين أنياب الذئاب وأعناق الحِملان .. شمعةٌ تحترق في كُوَّةِ مهجورةٍ وعابرُ سبيل .
(2)
امرأة ثانية تشدُّني لعقلها .. تؤسس لمركزية ذاتِها كشجرةٍ بديلةٍ عن العالم .. كمصباحٍ وحيدٍ يضيءُ حارةَ النسيان ..تُعلن سُلطةَ الجرَّةِ المزهوة باحتوائها لعسلِ سنواتي المراق على التراب .. تجلسني على عرش قلبها وتدوس عَليَّ بأقدام فكرتها .. العقلُ قابلٌ لتبرير الضدين / القسوة والرحمة / القرب والبعد/ الإيمان والكفر .. الخيانة والـوفاء .. لذا لا يمكنني أن أطلبَ ظِلا في هجيرِ المعنى حتى بِنَحْرِ كُلِّ إِبِلِي على أطلال قصائدها .. تَملكُ من أفكارها شلالا وتكرهني لكوني لست حجرًا لأصغي إليها حين تتدفق .. امرأةٌ تعرف كيف تجعل الجدران قطيعاً من الماعز حين تكون روحها صحراءَ .. كيف تُحيلُ النوافذَ لدروبٍ مفتوحةٍ من الألم لذاكرةِ عِظامي .. أن تحشو عيونَ عصافيرك بالملح ذلك لا يشفي رَمَدَ روحِك .. وعُكازٌ حديدي لا يغني عن رُكْبةٍ من عظام .. الحياة ستظل شَرُودا كَرَمْلِ الوعور .. والقلبُ حِصانٌ يعود بِجُثّةِ فارسِهِ .. متى كان الكيُّ / الحلَّ الوحيدَ لشفاء الجراح !! .
(3)
أنثى / تشدُّني إلى روحها .. ما أغريتُ قلبي بزيارة حديقتها.. ولا أنا من دَقَّ الأجراسَ فعرف يمامي طريق قِبائها..أقولُ لها سُدَىً ضاعت أيامي ورخيصًا بِعتُ نفسي .. فتقول : وهل تملك لتبيع !.. أقول ضعي هذه الكلمات أمانةً لديكِ .. تقول : أنتَ كُلُّكَ أمانةٌ .. بيننا السماءُ التي تُرتّقُ ثقوبَ القوارب .. والبحر العاشق لبخور المحاريب .. والمرايا / حنينُ النار إلى بصيرةِ النور .. تقول يا ابنَ أُم تارةً .. وأخرى يا ابنَ آدم .. تردُّني للأزمنة الضائعة في رَحَمِ الأمومةِ .. وملكوتِ الغيابِ في صُلب النُبوَّة الأولى .. الماء والتراب وثَمَّ وجهُ الله .. حيث الكونُ فكرةٌ والموتُ حُلمٌ والجسدُ ورقةُ شَجَرٍ هائمةٌ في فردوس الروح .. والروح كلمة / حضن السر .. تقول لي أنا لست لي ( لك ) .. فلا تُمَنِّ ثَمرةَ القلبِ إلا بِغُصنِ الله .. الطريقُ طويلٌ وقلبكَ عُكّازُك .. تحدوني إلى قلعةٍ بعيدةٍ ثم تتركني وحيدا مكتوف اليدين ..أجتازُ عاصفةَ الصلصالِ في جسدي .. تقول : تَعلَّمْ أن تطير ..
ثم تختفي .
وأنا مِثل رِئمٍ مفطومٍ انقطَعَتْ به الريحُ
وحدي .. أبحث في هذه البيد عن صوت الله .
منقوول