عداوة اليهود
- المجلسي نقلا عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ، قال الحسين بن علي بن أبي طالب : إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ قضاء الله فيهم بما يكرهون ، وذمهم أيضا ، وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد على بن أبي طالب على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم ، فقال : ( قل من كان عدوا لجبريل ) من اليهود ، لرفعه من بخت نصر أن يقتله دانيال من غير ذنب كان جناه بخت نصر ، حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله ، وحل بهم ما جرى في سابق علمه ، ومن كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر الكافرين ومن أعداء محمد وعلى الناصبين ؛ لان الله تعالى بعث جبرئيل لعلي مؤيدا وله على أعدائه ناصرا ، ومن كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا و [ عليا عليهما الصلاة والسلام ] ، ومعاونته لهما وإنفاذه لقضاء ربه عز وجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده ، ( فإنه ) يعني جبرئيل ( نزله ) يعني نزل هذا القرآن ( على قلبك ) يا محمد ( بإذن الله ) بأمر الله ، وهو كقوله : ( نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين ) ، ( مصدقا لما بين يديه ) نزل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمد ! مصدقا موافقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث وغيرهم من الانبياء . ثم قال : ( من كان عدوا لله ) لإنعامه على محمد وعلى وآلهما الطيبين ، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان وجبرئيل ، ومن كان عدوا لجبريل لانه جعله ظهيرا لمحمد وعلى عليهما الصلاة والسلام على أعداء الله وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك ( وملائكته ) يعني ومن كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله وتأييد أولياء الله ، وذلك قول بعض النصاب والمعاندين : برئت من جبرئيل الناصر لعلى وهو قوله : ( ورسله ) ومن كان عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد وإمامة علي .
ثم قال : ( وجبريل وميكال ) ومن كان عدوا لجبرئيل وميكائيل وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبي في على : جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وإسرافيل من خلفه ، وملك الموت أمامه ، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره .
قال بعض النواصب : فأنا أبرأ من الله ومن جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي ما قاله محمد ! فقال : من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على على بن أبي طالب ( فإن الله عدو للكافرين ) ، فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات .
وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل ، وكان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله .
وأما ما كان من النصاب فهو أن رسول الله لما كان لا يزال يقول في علي الفضائل التي خصه الله عز وجل بها والشرف الذي أهله الله تعالى له ، وكان في كل ذلك يقول : أخبرني به جبرئيل عن الله .
ويقول في بعض ذلك ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، يفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره ، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه في الخدمة ، وملك الموت الذي أمامه بالخدمة ، وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك ، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم .
وكان يقول رسول الله في بعض أحاديثه : إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب حبا ، وإن قسم الملائكة فيما بينها : والذي شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى ، ويقول مرة [ أخرى ] : إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب ، كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم . فكان هؤلاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل وميكائيل والملائكة ، كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه ؟ ! ويقول : الله تعالى خاص لعلي دون سائر الخلق ؟ ! برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل ، هم لعلي بعد محمد مفضلون ! وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون ! وأما ما قاله اليهود فهو أن اليهود أعداء الله ، فإنه لما قدم النبي المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا ، فقال : يا محمد ! كيف نومك ؟ فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال رسول الله : تنام عيني ، وقلبي يقظان ، قال : صدقت يا محمد ! قال : أخبرني يا محمد ! الولد يكون من الرجل ، أو من المرأة ؟ فقال النبي : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة .
قال : صدقت يا محمد ! ثم قال : يا محمد ! فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء ؟ فقال رسول الله : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له .
قال : صدقت يا محمد ! فأخبرني عمن لا يولد له ، ومن يولد له ؟ فقال : إذا مغرت النطفة لم يولد له - أي إذا احمرت وكدرت - وإذا كانت صافية ولد له .
فقال : أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت : ( قل هو الله أحد ) إلى آخرها .
فقال ابن صوريا : صدقت يا محمد ! بقيت خصلة إن قلتها آمنت بك وأتبعتك ، أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال جبرئيل : قال ابن صوريا : كان ذلك عدونا من بين الملائكة ، ينزل بالقتل والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك ، لأن ميكائيل كان يشد ملكنا ، وجبرئيل كان يهلك ملكنا ، فهو عدونا لذلك .
فقال له سلمان الفارسي : فما بدؤ عداوته لك ؟ قال : نعم ، يا سلمان ! عادانا مرارا كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له : بخت نصر وفي زمانه ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت ، فلما بلغنا ذلك الحين الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس ، بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم ، يقال له : دانيال في طلب بخت نصر ليقتله ، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك ، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة ، فأخذه صاحبنا ليقتله ، فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا : إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإنه لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله ؟ فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا وأخبرنا بذلك ، وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدوا ، وميكائيل عدو لجبرئيل . فقال سلمان : يا ابن صوريا ! بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر ، وقد أخبر الله تعالى في كتبه وعلى ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ ! أرادوا تكذيب أنبياء الله تعالى في أخبارهم واتهموهم في أخبارهم ، أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله ؟ هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله ؟ وأي عداوة تجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟ فقال ابن صوريا : قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، لكنه يمحو ما يشاء ويثبت .
قال سلمان : فإذا لا تثقوا بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى ، وما يستأنف ، فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعوتهما ، لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون ، لا يكون ، وما أخبراكم أنه لا يكون ، يكون ، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن ، وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ، ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه ، فإنه يمحو ما يشاء ويثبت ، إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت ، فلذلكم أنتم بالله كافرون ، ولإخباره عن الغيوب مكذبون ، وعن دين الله منسلخون .
ثم قال سلمان : فإني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل ، وأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما ، سلمان لمن سالمهما ، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان رحمة الله عليه : ( قل من كان عدوا لجبريل ) في مظاهرته لأولياء الله على أعدائه ، ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله ( فإنه نزله ) ، فإن جبرئيل نزل هذا القرآن ( على قلبك بإذن الله ) وأمره ( مصدقا لما بين يديه ) من سائر كتب الله ( وهدى ) من الضلالة ( وبشرى للمؤمنين ) بنبوة محمد وولاية علي ومن بعده من الأئمة بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلى وآلهما الطيبين . ثم قال رسول الله : يا سلمان ! إن الله صدق قيلك ، ووفق رأيك ، فإن جبرئيل عن الله يقول : يا محمد ! إن سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك ، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة ، عدوان لمن أبغض أحدهما ، وليان لمن والاهما ووالى محمدا وعليا ، عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياءهما ، ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب ألبتة .
- المجلسي : قال الحسين بن علي : فلما قال ذلك رسول الله في سلمان والمقداد ، سر به المؤمنون وانقادوا ، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا وقالوا : يمدح محمد الأباعد ، ويترك الأدنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم ، فاتصل ذلك برسول الله وقال : ما لهم لحاهم الله يبغون للمسلمين السوء ؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلا بحبهم لي ولأهل بيتي ؟ والذي بعثني بالحق نبيا ! إنكم لم تؤمنوا حتى يكون محمد وآله أحب إليكم من أنفسكم وأهاليكم وأموالكم ومن في الأرض جميعا ، ثم دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسين فعمهم بعبايته القطوانية ثم قال : هؤلاء خمسة لا سادس لهم من البشر .
ثم قال : أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ، فقامت أم سلمة فرفعت جانب العباء لتدخل فكفها رسول الله وقال : لست هناك وأنت في خير وإلى خير ، فانقطع عنها طمع البشر ، وكان جبرئيل معهم ، فقال : يا رسول الله ! وأنا سادسكم ؟ فقال رسول الله : نعم ، [ و ] أنت سادسنا ، فارتقى السماوات وقد كساه الله من زيادة الأنوار ما كادت الملائكة لا تثبته حتى قال : بخ بخ من مثلي ؟ أنا جبرئيل سادس محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فذلك ما فضل الله به جبرئيل على سائر الملائكة في الأرضين والسماوات .
قال : ثم تناول رسول الله الحسن بيمينه والحسين بشماله فوضع هذا على كاهله الأيمن ، وهذا على كاهله الأيسر ، ثم وضعهما في الأرض ، فمشى بعضهما إلى بعض يتجاذبان ، ثم اصطرعا ، فجعل رسول الله يقول للحسن : إيها أبا محمد ! فيقوي الحسن فيكاد يغلب الحسين ، ثم يقوى الحسين فيقاومه ، فقالت فاطمة : يا رسول الله ! أتشجع الكبير على الصغير ؟ فقال لها رسول الله : يا فاطمة ! أما إن جبرئيل وميكائيل كلما قلت للحسن : إيها أبا محمد ! قالا للحسين : إيها أبا عبد الله ! فلذلك قاما وتساويا ، أما إن الحسن والحسين لما كان يقول رسول الله : إيها ، أبا محمد ! ويقول جبرئيل : إيها ، أبا عبد الله ! لو رام كل واحد منهما حمل الأرض بما عليها من جبالها وبحارها وتلالها وسائر ما على ظهرها لكان أخف عليهما من شعرة على أبدانهما ، وإنما تقاوما لأن كل واحد منهما نظير الآخر ، هذان قرتا عيني ، وثمرتا فؤادي ، هذان سندا ظهري ، هذان سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين ، وأبوهما خير منهما ، وجدهما رسول الله خيرهم أجمعين . قال : فلما قال ذلك رسول الله : قالت اليهود والنواصب : إلى الآن كنا نبغض جبرئيل وحده ، والآن قد صرنا أيضا نبغض ميكائيل ، لادعائهما لمحمد وعلي إياهما ولولديه ، فقال تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين