د.خلود البارون
المراهقة هي مرحلة تطور البدن والشخصية والعاطفة لتنقل الطفل إلى مرحلة البلوغ، وكل ما ينقش خلالها سيستمر بعدها. لذا تعد من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان ومن الخطأ ان يعتبرها بعض الاهالي بمرحلة المشاكل. ونظرا لطول هذه المرحلة والتغيرات التي تصاحبها على كل جوانب الشخصية قد يتخوف منها بعض الاهالي ويتصورها كمشكلة.
تغيرت حياة مراهقي اليوم، بشكل لا يعيه اولياء الامور، ولا يعرفون كيفية تحديد مواضع الخطأ والخطر فيها عليهم.
وحتى يمكنك تخيل الضغوط الهائلة التي يمر بها الطفل المراهق في هذه الايام، ضع نفسك في مكانه وتخيل الامور التالية: ان يتوافر لديك كل ما يمكن ان يلهيك عن الدراسة مثل: تلفاز يضم مئات من القنوات وهاتف وكمبيوتر وايباد، وان يتحدث اصدقاؤك في مختلف الامور ويقومون بكل امر يتعلق بالجمال بدءا من عمليات التجميل وانتهاء بالتاتو وتركيب الاظافر والشعر، وان يتوافر لديك مصدر وافر من المعلومات (هو الانترنت) ليجيب عن كل ما يخطر ببالك من تساؤل او فضول، وان يمكنك التحدث مع اي شخص في العالم عبر الانترنت.
وتخيل تأثير اعاصير وفوران الهرمونات في جسمك على نفسيتك ومزاجك، وقد يكون تفهم هذه النقطة اسهل على المرأة.
وفوق كل ذلك، لا يغفل التنبيه الى حاجة المراهق الماسة الى التمرد وفرض شخصيته واستقلاليته حتى يفهم الجميع أنه كبر (او يكبر) ولم يعد طفلا.
تفهم نفسيته
ان تخيلت كل ذلك، سيمكنك تفهم ما يمر خلاله المراهق حاليا من ضغوطات نفسية في حياته اليومية. لذا، ليس من المستغرب ان يكون اكثر عرضة للوقوع في اخطاء وهفوات قد لا نعي مصدرها قد تؤثر في حياته ومستقبله.
وقد تصاب بالتوتر او الارتباك والخوف عند الدخول الى تفاصيل طفلك، بيد ان ذلك لا يعني ان تتركه وحيدا، بل يجب عليك تحمل المسؤولية ومساعدته وتوجيه خياراته الى الطريق الصحيح. ومن أهم ارشادات خبراء النفس حول هذا الموضوع:
- قوِّ علاقتك وارتباطك مع طفلك واعرف اصدقاءه واولياء امورهم ايضا، وكيف وأين يقضي وقت فراغه. وذلك لا يعني اتخاذ دور المتلصص والجاسوس، بل ان تظهر له صداقتك واهتمامك بما يعمله وبأصدقائه.
استمع له
- الانصات والاستماع.. والاستماع.. ثم الاستماع قبل الرد او اعطاء تعليق. بمعنى ان تردع نفسك عن الاجابة او التعليق لثلاث مرات، لتترك للمراهق مجالا كبيرا ليفسر ويشرح عن نفسه. فافضل طريقة لاكتشاف الامور والضغوط التي يواجها طفلك هي ترك باب النقاش والحديث مفتوحا وان يثق بأنك ستستمع دائما. واحرص على تفادي اسكاته او نهره او الاستخفاف بمشاعره.
ادعم هواياته
- ادعم هواياته واهتماماته. اسأله عن ما يحب من انشطة وما يثير فضوله، حتى يمكن ان تركز على دعمها وتنميتها.
على سبيل المثال، ان كانت المراهقة تحب الرسم، خذها الى المعارض الفنية وحاول اشراكها بنادٍ للرسم واشترِ لها الوانا مختلفة الانواع والواحا، حتى تستغل وقت فراغها لعمل ما تحبه. ويمكن ان يكون ذلك بداية لمهنتها كرسامة وهواية تستمر لمدى الحياة.
لا تجزع
- لا تجزع عندما يعبّر طفلك عن رغبته في فعل شيء تعارضه ولا تتسرع في الاستنتاجات. على سبيل المثال، ان ارادت ابنتك أن ترسم تاتو او ان تركب خصلات شعر، فذلك لا يعني أنها تتناول عقاقير هلوسة او بدأت تنحرف او ترافق رفقة سوء، وخاصة لو كانت علاماتها جيدة وانت تعرف ان صديقاتها حسنات السمعة والخلق. فإنها في الغالب تحاول ان تقوم بأمر ما من باب الفضول او عمل شيء يظهر شخصيتها وانفرادها في المظهر.
وبغض النظر عن حل هذه المسألة، فيجب في البداية الاستماع الى اسبابها وتفهم وجهة نظرها، وان تكون جاهزا لاستخدام جمل مثل: «المشكلة ان هذا الامر لا يخصك فقط، بل جميع العائلة. لأننا قلقون من ان يكون الامر... او ان يدل الامر على...».
استعن بالحلول الوسط
- استعن بالحلول الوسط. بالرغم من ضرورة وضع اولياء الامور حدودا وقواعد جامدة بخصوص ما هو مقبول، ولكن من يمرون في المرحلة المبكرة من المراهقة يميلون الى التمرد وعصيان الاوامر والقيود. وقد يكون هذا هو السبب في رغبة ابنتك بالتاتو، لأنها تريد ان تتمرد على القيود العائلية وان تفحص مجال حريتها.
وفي هذا الوضع، فبدل الاستمرار في الجدال حول قوانين العائلة، يمكن اقتراح تسوية مثل اعمل تاتو حنة مؤقت او وضع حلق ثان على الاذن او قص شعرها بشكل جديد.
- ضع حدودا واضحة حول استعمال الهاتف والانترنت والمسجات وغيرها من طرق للتواصل الاجتماعي الالكتروني سواء على الكمبيوتر او الهواتف الذكية. ولا تغفل حقيقة ان هذه الطرق قد تستخدم لتوبيخ الطفل او جرح مشاعره او تعريضه لضغوطات نفسية.
إرشادات عائلية
المشكلة هي ان الكثير من المراهقين والاطفال لديهم مدخل للإنترنت، يجلب لهم العالم الى منزلهم، مما يجعلهم عرضة لمشاهدة وقراءة امور مخلة بالأدب أو تروج للعنف والعنصرية او الاشاعات او مواقع النصح الارشاد غير الموثوق بها او الكثير من الامور. ومن أهم الارشادات التي تنصح العائلة بوضعها هي:
- وضع الكمبيوتر في مكان مشترك من قبل العائلة مثل الصالة، حتى يمكن للجميع مشاهدة ما يراه ويقرأه المراهق والطفل.
- تفقد تاريخ البحث في الانترنت دائما لرؤية ما شاهده طفلك.
- منع استخدام المراهق لمواقع المحادثة عبر الانترنت، وافهامه بانه قد يكون يتحدث مع بالغ او شخص مختل او مضطرب.
- استخدام خدمة منع مواقع الانترنت التي لا تناسب الاطفال، خاصة تلك التي تتعلق بالعنف والجنس.
- التحدث مع المراهق عن اخطار الانترنت المحتملة وعن عدم مصداقية بعض المواقع.
- معرفة اصدقاء طفلك سواء الموجودين حوله او من يبعثون له رسائل. واخبره بضرورة عدم اعطاء معلومات او ارقام شخصية لأي شخص او موقع في الانترنت.
معاناة أم مع ابنتها
أرسلت لنا أم هذا السؤال: ألحظ على طفلتي البالغة تسع سنوات تغيرات البلوغ، فهل هذا امر طبيعي؟ وأعاني كثيرا في التعامل معها، واعتقد انها تصاب باكتئاب احيانا؟ فكيف أتصرف معها؟
وتجيب الدكتورة عفاف الرومي، استشارية طب الاطفال:
- تعد مرحلة البلوغ مرحلة فريدة ومتعبة نتيجة للتغيرات التي تحدث على الجانب الجسماني والعاطفي والنفسي وتعصف بحياة ونفسية الطفل، وقد تستمر لسنوات الى ان يصل الى مرحلة النضوج والشباب.
وينقسم البلوغ الى عدة مراحل، يجب ان يمر بها الطفل حتى يصل الى مرحلة البلوغ الكاملة، وهي:
1 - مرحلة التطور والنمو الجسدي، وهي اكثر مرحلة وضوحا، نظرا الى ظهور اعراض البلوغ.
2 - مرحلة التطور الاجتماعي والعاطفي والتفكير العقلاني.
3 - مرحلة الشعور بالرغبة في الاستقلالية وحرية التفكير وبروز شخصيته المستقلة، وسلوكيات تدل على رغبته في الانفصال عن الاسرة.
4 - مرحلة التفكير في المستقبل والهدف والعمل.
وعادة ما تبدأ مرحلة النضج الجسدي في البنات من سن 9 وتستمر الى عمر 18 ـ 21 سنة، اما في الاولاد فعادة ما تتأخر لتبدأ من سن 11 سنة وتستمر الى عمر 18 ـ 22 سنة. لكن قد تبلغ الفتاة مبكرا بشكل طبيعي نتيجة لعامل السمنة، حيث أقر الاطباء أخيرا اعتبار بلوغ الفتاة المصابة بالسمنة في سن سبع سنوات أمرا طبيعيا، نتيجة لتأثير زيادة الدهون المفرطة التي تفرز المواد الهرمونية.
ويرافق سنوات البلوغ الجسدي حدوث تطورات من الناحية العاطفية والنفسية والاجتماعية بوتيرة بطيئة واقل وضوحا. وتختلف مدتها بحسب البيئة والمستوى التعليمي والاجتماعي لأهل المراهق. ولا بد ان يستوعب الاهل ما يمر به المراهق من مشاكل وصعوبات وعراك نفسي ذاتي.
نضج جسدي فقط
ومشكلة المراهق اثناء بداية نضوجه العقلي والاجتماعي، انه لم يصل الى مرحلة التفكير العقلاني والناضج، بينما يشبه جسمه جسم البالغ. فقد يبلغ مبكرا من الناحية الجسدية، لكنه يظل مراهقا وطفلا غير ناضج من الناحية الفكرية، لذا لا يمكنه فهم الحياة مثل البالغين، ويظل أهم ما في عالمه هو الدراسة والاصدقاء.
وسبب معظم مشاكل الاهل والمراهق وزيادة التوتر العائلي، ناتج من توقع الاهل ومطالبة المراهق بالتصرف كرجل، او امرأة، في حين انه لا يزال عالقا في المنتصف، ولم ينضج بعد.
وينصح الخبراء الاهل بضرورة الاقتراب من المراهقين ومصادقتهم، وان يمتصوا غضبهم وطاقتهم ويوجهوهم بكل حب وصراحة الى افضل طريق لهم. كما يجب احتواؤهم ضمن المحيط الاسري، حتى لا تحتويهم تجمعات اخرى، مثل صحبة السوء والعصابات، فينحرفوا ويتناولوا الممنوعات.
اكتئاب المراهق
وفي النهاية، أشارت د. الرومي الى اسباب اكتئاب المراهق وهي:
1 - أسباب نفسية: نتيجة شعوره بفجوة كبيرة بينه وبين الاهل، وبعدم تفهمهم له او فهمه لهم ايضا. وقد يكون للأسرة تأثير سلبي ومحطم له.
2 - أسباب جسدية: فالتغيرات الهرمونية التي يمر بها تسبب اختلالات هرمونية ومزاجية حادة ولا يمكن انكارها، مما يفسر نوبات الكآبة المفاجئة.
3 - اصدقاء السوء، خاصة لو توجه الى المخدرات والممنوعات.
المصدر :جريدة القبس
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Suzana
