ثمة مفارقة بين ما نحياه الآن، وما كنا عليه من قبل....
لقد صرنا ضحايا طوفان النجاح المهول الذي يعرفه العصر في التكنولوجيا،
حتى جرفتنا معها إلى أبعد ما كنا نتخيل...
.فلن نُنْكِرَ أن كل واحد بات له عالمه الخاص...
يطل عليه عبر جهازه الصغير الذي لايتسع سوى ليديه.....
وهو به يحكم قبضته على العالم كله، دون أن يسافر ....
وقد يصل الأمر إلى أن ينسى المحيطين به،
ولربما هم كذلك مثله في نفس المركب...
ذاك النجاح ما كان إيجابيا بقدر ما هو سلبي،
لتأثير ذلك عليه من الناحية النفسية....
رغم أن تلك التكنولوجيا وفرت له كل ما يحتاجه من متطلبات الحياة المادية....
فهو قد يرسل في طلب ما يرغبه برنة هاتف أو بإرسال رسالة...
.إلا أن ذلك ما أشعره مطلقا بالوجود مادام شيء بداخله مازال يتمزق....
فما كان الإحساس بالوجود يقتصر على حصولك على الشيء دون التوصل لمعناه...
قديما كان ساعي البريد يحمل لك رسالة لربما كانت تحسسك بالوجود وأنت تقرأ مفرداتها....
ليس ذلك فقط، بل وحين كنت تقضي الساعات تلتهم قصة صفحة صفحة منعزلا في أحد أركان البيت....
وقد سافرت بك أحداثها المشوقة إلى عالم بدأت تصوره بنفسك، بل وتجسد أبطالها وكأنك تشاهد فيلما بكل لهفة وحب....
ليس كما الآن رغم القنوات والكم المهول المحاط بك إلا أن روحك انعدم فيها كل ذرة احساس...وما عاد كل ذلك يحرك مشاعرك.
وأكيد لن نتوصل إلى البصيرة الروحية العميقة ما لم نعرف ما تحتاجه الروح....
.فهي بالكاد لن تطلب منك أن تدفع أموالا طائلة لنيلها..
.بل إلى إداراك ماهية وكنه الأفكار المختلقة لبلوغ معنى الحياة والإحساس بالكينونة والهدف الأسمى للوجود...
.ولن يتأتى لك ذلك إلا إذا قَدَّرْتَ كل ذرة وجدت في الكون،
بالتأمل ومعرفة كنهها والغاية منها ..
حتى تترك المجال لروحك التحليق فيما أبدعه الخالق والتحرر من عبودية المادة....
سميا دكالي ..