«أنا» المراهق نرجسية مقبولة ولكن...



يريد أن يتحرر من العلاقة الانصهارية التي تربطه بأهله وأن يحدّد دوره وهويته. يريد أن يكون قويًا وقادرًا ومستقلاً ومسيطرًا. إنه المراهق الذي يتصرّف أحيانًا وكأنه سيد العالم، يريد الاستحواذ على كل شيء فيبدو أنانيًا لا تهمّه مشاعر الآخرين، وكأنه يقول «أنا وبعدي الطوفان».
لماذا تظهر الأنانية عند بعض المراهقين؟
يتميّز المراهق بحسّه المرهف، فنجده يثور عند أية محاولة من الأهل لإبداء رأيهم في عمل يقوم به ويتمرّد عليهم. ويحاول فرض رأيه ويتشبث به وهو في الواقع لا يعرف فعلاً ماذا يريد لأنه يعيش حالات من التناقض والصراع الداخلي.
فمن المعروف أن «الأنا» تطغى على تفكير المراهق وسلوكه، لأنه يرى العالم انطلاقًا من ذاتيته التي قد تظهره أحيانًا بمظهر أناني، فمثلاً يسمع الموسيقى بصوت عالٍ غير آبه بانزعاج الآخرين، ويبدي استياءه إذا طُلب منه احترام مشاعرهم. فعندما يتماهى المراهق مع نفسه، فهذا يعني أنه يحبها ويتقبّلها، ويسعى إلى الحفاظ على تنميتها. أما المبالغة في حب الذات، فتؤدي إلى النرجسية التي تعتبر ظاهرة طبيعية في طور المراهقة.
لماذا يبدو المراهق أحيانًا غير مبالٍ بما يدور حوله وأحيانًا أخرى يرغب في مساعدة الجميع؟
من المعلوم أن المراهقة مرحلة لا تخلو من الصعاب، فالتغيرات الجسدية المفاجئة تقلق المراهق مما يجعله متقلب المزاج متناقضًا في تصرفاته، فيبدو أنانيًا يحب نفسه ويريد أن يلفت الأنظار إليه، وفي الوقت نفسه يكون مندفعًا يحب الآخرين ويهبّ إلى مساعدتهم.
يشكل هذا العبور إلى مرحلة النضج عند المراهق صدمة، إذ إنه بدأ يشعر بتحوّل في مظهره الخارجي، فيجد صعوبة في التكيّف مع جسمه الجديد، يرافقه سعي للاستقلال والتحرّر من سلطة الأهل الذين لم يعودوا يشكلون بالنسبة إليه المثال الأعلى، بل أصبح ينظر إليهم كمجرّد أشخاص عاديين عندهم أخطاء، فيرفض الخضوع لإرادتهم ويقاوم سلطتهم عليه، إضافة إلى أنه يحاول بناء فردانيته وهويته الخاصة، فيعمل على إيجاد دور له في المجتمع. فالمراهقة مرحلة صراع «نفس- جسدي» تتكوّن خلالها عند المراهق ثلاثة مبادئ وهي: الذاتية «أنا أقرّر»، والبحث عن مثال أعلى خارج محيط العائلة، والأنا الأعلى، أي المجتمع وقوانينه التي عليه احترامها والتقيّد بها.
هل هذا يعني أن على الأهل منح الحرية للمراهق ليتصرّف بناء على ذاتيته؟
بالطبع لا. فالمراهق يريد أن يسمعه الآخرون، خصوصًا الأهل. صحيح أنه يظهر معارضته لهم ويدافع عن حريته، ويعلن رغبته في الانفصال عنهم، لكنه في الوقت نفسه وفي صميم داخله يشعر بالحاجة إليهم ويريدهم أن يسمعوه ويحاوروه.
يبحث عنهم ويتمنّى أن يكونوا بجانبه حين يواجه صعوبة، فهو عنده خوف من المستقبل لأنه لا يزال غامضًا بالنسبة إليه، ولكنه يشعر بالطمأنينة حين يدرك في أعماقه أن أهله يدعمونه ويتفهمون ما يمرّ به. إلا أنه لا يجدر بالأهل منح ابنهم المراهق الحرية أو السلطة المطلقة، بل عليهم وضع حدود لتصرفاته والتأكيد له أنه يعيش وسط عائلة تتألف من أفراد، وعليه التفكير فيهم ومراعاة مشاعرهم، فالعائلة هي نموذج للمجتمع الكبير، والسلوك الأناني لا بد من أن يؤثر سلبًا في علاقاته مع رفاقه أو زملائه في العمل مستقبلاً.
كما في إمكان الأهل منح بعض الصلاحيات للمراهق كي يشعر بالمسؤولية ولكن ضمن الحدود المعقولة، أي ألا يستقيل الأهل من وظيفتهم التربوية تجاه أبنائهم. فمثلاً لا يجوز على الإطلاق السماح للمراهق، خصوصًا إذا كان الابن البكر، بالتحكم في تصرفات إخوته، أو اتخاذ القرارات التي من المفترض أن تكون نابعة من الوالدين.
بعض المراهقين يستفّزون أهلهم إلى حد الوقاحة. ماذا يجدر بالأهل القيام به؟
صحيح أن بعض المراهقين يحاولون استفزاز أهلهم في شكل مستمر، إلا أن هذا التصرف هو محاولة المراهق اختبار قدرة الأهل على التحمل ومدى التزامهم الحدود التي يفرضونها عليه.
فمثلاً عندما يحتدّ النقاش بين المراهق وأهله ويتحوّل إلى شجار قد ينتهي إما بفرض المراهق رغبته لأنهم ملّوا الجدال معه «اعمل ما يحلو لك»، مما يعزز تصرّفاته الأنانية، أو يفرض الأهل رأيهم مما يشعره بالغبن، وفي كلتا الحالين تزداد الخلافات بينهما. لذا من الأفضل أن يتجنب الأهل الصدام مع ابنهم المراهق، وأن يطلبوا منه تأجيل النقاش إلى أن يشعر الطرفان بالهدوء ويتمكنا من الوصول إلى حل منطقي يرضيهما.
هل لشلة الأصدقاء دور في أنانية المراهق؟
تشكّل شلة الأصدقاء أهمية بالغة بالنسبة إلى المراهق لأنها تفتح أمامه أبواب العالم الخارجي، بحيث يستطيع من خلال الرفاق أو الشلة أن يتماهى مع نماذج جديدة خارج الوسط العائلي. فالرفاق يصبحون مثلاً أحد المصادر الأساسية للإشباع «النرجسي»، أي حب الذات. لذا قد يجد المراهق نفسه أمام خيار التزام معايير شلة أصدقائه والتخلي عن نموذج الأهل.
فمثلاً قد يطلب من أهله شراء هاتف خليوي جديد ويستشيط غضبًا إذا لم يحققوا رغبته غير آبه بقدرة أهله الشرائية، لأن جل ما يهمه هو التباهي أمام الرفاق. ولكن هذا لا يعني أن يعمل الأهل على عزل ابنهم عن رفاقه. فعلاقات الصداقة تعزّز ثقة المراهق بنفسه، خصوصًا إذا حقق التوازن في علاقته بأهله والاحتفاظ بهم كنموذج، وساير الجماعة من دون أن يفقد الارتباط بأهله.