المراهق والتسوّق... بين الحاجة والإسراف


«اشتريت هذا الهاتف... إنه آخر ابتكار للشركة المصنّعة»، «هل رأيت قميصي الجديد؟ إنه آخر صيحة»، «أريد حذاءً رياضيًا من هذه الماركة بالتحديد»... يبدو مشهد المراهقين وهم يتباهون بأزيائهم أو هواتفهم الجوّالة، أو نظّاراتهم مألوفًا، وكأنها جزء لا يتجزأ من هوّيتهم الخاصة.
فصغار الأمس لم يعودوا يقبلون بأن يختار أهلهم هندامهم وأكسسواراتهم، بل هم من يختارون لأنهم يعرفون ماذا يريدون وما يليق بهم في نظرهم، وما يحتاجون إليه، والجملة الجامعة بين معظم هؤلاء حين يعترضون على أهلهم: «هذا موضة قديمة، أريد أن أكون على الموضة مثل زملائي».
والموضة لا تقتصر على الملابس، بل تشمل الهواتف والألواح الذكية والآيباد وغيرها من المنتجات التكنولوجية التي تجتاح عالم المراهقين كما عالم الراشدين. فهل هذا السلوك المشترك بين معظم المراهقين مقلق؟ ومتى يكون المراهق مسرفًا؟
من المعلوم أن المراهق يمرّ بتغيّرات جسدية ونفسية تقلقه، وقد تكون الرغبة الجامحة في الشراء إحدى الوسائل التي ربما تساعده على التحكم في مشاعر القلق والتوتر التي تنتابه في هذه المرحلة. ولكن هل هذا سبب كافٍ؟ وهل ينبغي تنفيذ رغباته مهما كانت؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق أن اهتمام المراهق بالمظاهر الخارجية، أمر إيجابي يشير إلى أنه أصبح نوعًا ما حسّاسًا تجاه علاقاته الاجتماعية خارج محيط العائلة، ولم يعد منطويًا على نفسه، فهو يمر في مرحلة انتقالية وبدأ يتخلّى عن طفولته.
وبما أن هوّيته لم يحدّدها في الطفولة، فإنه يبحث عنها ويعمل على تحديدها وإظهارها. وتعبّر الرغبة المستمرة في شراء الثياب أو الكمبيوتر أو الهاتف النقّال عن تعويض في تطوّر المراهق النفسي، الذي يجد في الاستهلاك شكلاً من أشكال الطمأنينة، وكذلك وسيلة ليظهر اختلاف الأجيال وتميّزها، معلنًا انتماءه إلى شلّة أصدقاء.
ولعله يحاول من خلال اهتمامه بمظهره وبما لديه من منتجات تكنولوجية، بناء شبكة علاقات اجتماعية تُشعره بأنه شخص ناجح ومحبوب ليس من أهله فقط، وإنما من المجتمع أيضًا.
شلّة الأصدقاء
من المعروف أيضًا التزام المراهق بمعايير شلّة الأصدقاء، وربما كان الاهتمام بمظهره إحدى الوسائل التي يسعى من خلالها إلى جذب انتباههم ونيل محبتهم، إذ لم تعد اللغة والتصرفات وحدهما المعيار للانتماء إلى شلّة الأصدقاء، وإنما أيضًا أصبحت عادات التسوّق الوسيلة- المفتاح للعالم الخاص بهم، بهدف إبراز المسافة بين الأجيال.
وهذا أمر جيد، وعلى الأهل احترامه وتعزيزه، فمن الطبيعي أن ترغب البنت، إذا كانت الأم تشتري ثيابًا شبيهة بملابسها، في أزياء مغايرة، لأنها تشعر في لا وعيها بضرورة إيجاد مسافة بينها وبين أمها، ولكن احترام هذه الهيكلية بين الأجيال هو أيضًا أن يسمح الأهل لأنفسهم بقول لا، وهذا ليس عقابًا وإنمّا حدّ يحتاج المراهق إليه، ويعني أن ليس من المفروض على الأهل تلبية جميع طلباته. فكل عائلة لديها إمكانات مادية محدّدة، ومفاهيم وتقاليد معيّنة.
كيف يجدر أن يكون رد فعل الأهل على تسوّق ابنهم أو ابنتهم المراهقة؟
عندما يعود المراهق إلى البيت بعد يوم تسوّق، فهو يعرض غالبًا على والديه ما اشتراه، وقد لا يعجب الأهل بمشترياته، فكم مرة نسمع الأم تقول: أليس لديك القميص نفسه، لمَ لم تشترِ تصميمًا مختلفًا أو لونًا مغايرًا؟ فيكون رد فعل المراهق إما دفاعًا عن اختياره أو أنها الموضة، مثل أن هذا القميص مختلف في التفاصيل، أو يقول ببساطة هذا ما أرغب فيه، لن أرتدي بحسب ذوقك.
وأحيانًا قد يعترض الأهل على السعر، وأنه كان في إمكانه انتظار التنزيلات. وفي المقابل، قد يهنئ الأهل على ذوق ابنهم أو ابنتهم في الاختيار. وفي كل الأحوال، هذه بعض النصائح التي يمكن الأهل اتباعها عندما يتسوّق ابنهم وحده:
التأني في رد الفعل
من الضروري أن يدرك الأهل الصلة بين حس المراهق في الاستقلالية واختياره في الإنفاق، فهم عندما أعطوه مبلغًا للتسوّق، عليهم احترام طريقة إنفاقه. هل يستحق أن تدخل الأم وابنتها في شجار عقيم، إذا كانت البنت مثلاً تفاخر بشراء زوج حذاء بسعر رائع حتى وإن كانت الأم تعرف أن في امكانها الحصول عليه بسعر أقل عبر التسوق من الانترنت؟ بالطبع لا، ولكن يمكن الأم أن تنصحها بأن في إمكانها البحث في الانترنت علّها تجد سعرًا أفضل.
التفكير أولاً ثم رد الفعل
لاحظت الأم تسرع ابنتها وتهوّرها في الإنفاق، لذا عليها أن تضبط رد فعلها وتفكّر في السبب الذي قاد ابنتها إلى التسرع في الإنفاق ثم تختار الوقت المناسب لمناقشتها في استراتيجية مقاومة ضغط الصديقات إذا كانت الأم تظن أن الاندماج في الشلّة ثمنه الإنفاق غير العقلاني لابنتها. وربما منح المراهق المزيد من الحرية في مجالات أخرى يقلل من حاجته إلى التمرّد، الذي يكون الانفاق إحدى صوره. فبعض المراهقين ينفقون بتهور فقط ليبرهنوا عن حريتهم، مما يستفز الأهل.
تبادل الخبرات الخاصة بالأهل
يظهر المراهقون أنهم غير مهتمين بتجارب آبائهم، ولكن العكس هو الصحيح، فهم في بعض الأحيان يستمعون ويتعلّمون من الأخطاء التي يرتكبها الأهل ومن انتصاراتهم التي يحققونها. مثلاً يمكن الوالد أن يذكر كيف أنه اشترى هاتفًا بتقنيات عالية الجودة وكيف حصل على أفضل صفقة، وكيف هو متحمس لاستعمال تطبيقاته وتصوير أجمل اللحظات مع ابنه.
الثناء حيث هناك ما يبرره
عندما تعود الابنة والسعادة تغمرها لأنها حصلت على الساعة الرياضية التي كانت ترغب فيها منذ أشهر، ولكنها انتظرت موسم الحسومات، وهي مسرورة لأنها حازت صفقة جيدة، على الأم مدحها على صبرها، وانتظارها اللحظة المناسبة. فلموافقة الوالدين ومباركتهما وقع إيجابي على المراهق، وإن كان لا يعترف لفظيًا بذلك، والتعزيز الإيجابي يمكن أن يكون حافزًا قويًا لسلوك إيجابي في المستقبل.
إظهار الاهتمام بما اشتراه المراهق والتعلم منه
تسوّق أحدث التقنيات قد تكون منطقة غير مألوفة بالنسبة إلى الأهل، ولكن المراهق يمكنه أن يعرّفهم إليها، مثلاً يمكنه أن يتحدث مع والده عن تفاصيل الأي فون الذي يشتريه. كما يمكن المراهق أن يبرع في مساعدة والده أو والدته في إيجاد المنتجات الرائعة الجديدة والمطاعم والمتاجر وتجار التجزئة على الانترنت، الذين يقدمون حسومات رائعة.
استعمال النقود كدرس، وليس رسالة
عند مناقشة المراهقين حول كيفية إنفاق النقود، على الأهل الابتعاد عن العبارات المستفزة التي تستحضر شعور المراهق بالخجل وعدم الكفاءة.
فبدل لومه بشكل قاس على شرائه هاتفًا بسعر مضاعف، وأنه أنفق الكثير، وعليه الاقتصاد في إنفاقه لأن النقود هي الأساس في الحياة، عليهم أن يحذّروه من التسرّع في الشراء، وأنه إذا أخطأ هذه المرّة في تقدير المسألة، فإن هذا درس كافٍ له ليتأنى في مشترياته المرة المقبلة، فهذا يحدث مع الجميع ولا سيما الراشدين.
متى تتحوّل الرغبة في التسوق إلى إدمان؟
إدمان التسوّق من المشكلات الكبرى التي تعانيها المجتمعات المعاصرة، نظرًا إلى الإغراءات الموجودة في الأسواق، إضافة إلى دور الإعلام في الإعلان عن كل ما يفتح الشهيّة على التسوّق.
ولكن لا بد من التنبيه إلى أن هناك فارقًا بين الرغبة في التسوّق وإدمانه. فمن الطبيعي أن يتسوّق الواحد منا لمناسبة سعيدة أو حتى مرة في الشهر ليشعر بالتجدد، مثل شراء الملابس تبعًا للموضة الموسمية. فالتسوق هنا يكون للاحتفال وتدليل الذات إذا صحّ التعبير.
أما في حالة الإدمان، فإن صفات مدمن التسوّق بصورة عامة تكون كالآتي:
  • الشعور بقوة جامحة تحثّه على الخروج وشراء أشياء، في غالب الأحيان لا يكون في حاجة إليها في الواقع، وقد لا يستعملها أبدًا.
  • لا يستطيع كبح جماح رغبته الملحّة في التسوّق، ويزيد توتّره وقلقه إذا لم يحقق رغبته، فيما يشعر بالسعادة العارمة إذا حقّقها.
  • يشتري من الشيء نفسه كمية، مثلاً يشتري القميص نفسه بألوان مختلفة، ويجد تبريرات لا منطقية له.

كيف يمكن التعامل مع المراهق المدمن؟
من الضروري التمييز بين عادة التسوّق وإدمانه. لذا يجب مراقبة سلوك المراهق للتحقّق مما إذا كان مجرّد عادة أو إدمانًا.
فأولى الخطوات أن يدرك المراهق أن لديه مشكلة، والتحدّث إليه ومناقشته في ما يقوم به لتنبيهه، ومن ثم محاولة معرفة ما إذا كان يقوم بذلك ليردم فراغًا يعانيه أو للتخفيف من توتره أو لمجاراة أصدقائه، والعمل على تعزيز ثقته بنفسه وتقدير الذات، كما يمكن الطلب من شخص راشد محايد يثق به التحدّث إليه، مثل خالته أو عمّته.
أما إذا كان المراهق تنطبق عليه صفات الإدمان فعندها يجدر بالأهل استشارة اختصاصي نفسي.
أحياناً يميل المراهق إلى تسوّق أزياء أسلوبها لا يعجب أهله. لماذا؟
في البداية، على الأهل أن يدركوا أن نمط أو خط الأزياء هو مسألة شخصية، وعليهم أن يتذكروا تاريخهم الشخصي حين كانوا في سن أبنائهم المراهقين، هل كانوا يرتدون أزياء تناسب ذوق أهلهم؟ ألم يكونوا يتبعون خطوط موضة جيلهم آنذاك؟ ألم يكونوا يشعرون بالغيظ حين كان أهلهم يبدون امتعاضهم من الأزياء التي كانوا يشترونها! فالمراهق يرغب في أزياء قد لا تعجب أهله لهذه الأسباب:
  • لأنه ربما قرّر في لا وعيه بناء هوّيته في الإطار العائلي والسياق الاجتماعي الذي تطوّر فيه. ولأنه في حاجة إلى أن يتميز عن والديه، فإنه يبني شخصيته وهوّيته، وهي مرحلة لا بد منها، ولكن غالبًا ما ينتهي الكثير من الأبناء إلى تحديد هوياتهم التي تشبه إلى حد كبير النموذج التربوي الذي ترعرعوا فيه.
    واعتماد مظهر مغاير للأهل يكون رسالة من المراهق إلى أهله باعتباره كيانًا مستقلاً عنهم.
  • لأنه يريد أن يعبّر عن انتمائه الى شلة الأصدقاء الذين ربما قرّروا أن يتميّزوا بأزيائهم تيمنًا بفرقة موسيقة بعينها أو فريق رياضي، وأحيانًا تعتمد شلّة الأصدقاء زيًا لماركة معينة ليتميزوا عن غيرهم.
    والمراهق سيتخلى عن الموضة التي اتبعها وزملاءه بعد فترة وجيزة، وسوف يعتمد مظهرًا مختلفًا يعكس شخصيته الحقيقية. لذا على الأهل ألا يقلقوا طالما أنها مجرد موضة يتبعها لفترة ولن يتأثر سلوكه في العائلة والمجتمع في شكل سلبي.

لماذا يُنفق المراهق أحيانًا أكثر من قدرة أهله المادية؟
في غالب الحالات، لا يدرك المراهقون المتعطشون للتسوّق رواتب أهلهم الفعلية، بل يظنون أن أموال أهلهم هي غالبًا نقود مضاعفة من غير حدود.
وهذه إشكالية أساسية في تطور المراهق، لذا فإن مصروف الجيب وسيلة جيدة لجعله يتحمّل المسؤولية، فإذا كان المصروف اليومي ليس كافيًا ليقتصد منه، فإنه على الأقل يساهم في نمو وعيه لقيمة الأشياء، مثلاً تحتاج إلى أربعة أشهر من مصروف الجيب لتحصل على «أي باد»، فهذا يجعله يفكر جيدًا في المال. كما للأهل دور أساسي في عميلة الإنفاق الناجمة عن التسوّق. إذ من المفضل وإن كان الأهل قادرين ماديًا أن يحثّوا ابنهم المراهق على التفكير في مشترياته.
هل هو في حاجة إليها فعلاً، أم أنه يرغب في هذا الشيء لأن أصدقاءه اشتروه، أم لأنه أحدث؟ مثلاً هل يرغب في هاتف جديد لأن هاتفه القديم لم يعد صالحًا، أم لأن الهاتف الجديد فيه تطبيقات جديدة، وهل فعلاً سيستفيد منها، أم أنه يريد فقط أن يكون متابعًا للتكنولوجيا والموضة!