.
قصائد من العالم الرابع
……..
أكتبُ
كما لو كنتُ شخصًا حافى القدمين
يعملُ فى أرضٍ ثلجية
ويستخدمُ قلمًا استلَّه من كوْمةِ وقودٍ خشبىّ
جمعَها من غابةٍ بيَد عارية
بينما كان يأكلُ من عشبِ الأرض
..
الولدُ الطوباوىُّ
الطيبُ المعروفُ برعونته
، والعنيدُ بفظاظةٍ إذا لزم الأمر،
عايرنى أمس بأننى مسلمة
وبكونى مواطنة من العالم الثالث
رغم أنه هو نفسه مسلمٌ بالإرْث
وليس اعتقادًا شخصيًا اختاره أم لم يختره
ومواطن ، مثلى ، من نفْس العالم !
.
لكن ما ذنبى
– أنا الشاعرةُ المهروسةُ ما بين راديكاليةِ الجلابيبِ وديكتاتوريةِ الأڤرولات –
إن كنتُ من أسرةٍ مسلمةٍ تحرِّمُ الإبداع
ولا تعترفُ بالفصلِ بين الدينِ والدولة ؟
.
أنا مالى
إن كانت قطةُ سُلَّمِنا السوداء
تعتقد أن كلماتٍ من قبيلِ ( علمانية – مدنية – ليبرالية )
تهوى بمن ينطقُ بها فى النارِ سبعين خريفا ؟
أو أن كلبَ شارعِنا الخلفى
ينامُ فى ركنه الآن معادِيًا الحداثة
رغم أنه لا يستطيع فهم مغزاها ؟!
أو أننى
، أنا نفسى ،
أكتبُ الشعر وأنشره من وراء أهلى وعشيرتى ؟
أو أن أهلى وعشيرتى
، أولئك الذين يدمنون الإنترنت
ويشترون البضائع المستوردة على اختلاف بلدانها
ويحاربون العولمة الرأسمالية بضراوة ،
يساهمون فعليًا
، باسم الواقعية ،
فى رفْع دناستها الملطخة بالوسخ
على عمائمهم الطاهرة
إلى عنان السماء !
.
ربما سألكم هذا الولدُ بأناقةِ نجم سينيما
وهو يبتسمُ بمنتهى التعجرف :
” ما الداعى لكل ثرثرتها تلك ؟
إنها تبالغُ بسذاجةٍ تبعثُ على الضحك
انظروا إلى خصلةِ شعرِها الفالتةِ من تحت حجابِها
لتفهموا ببساطةٍ ما عنيتُه
كما أن هذا كلام قديم لم يعُد له وجودٌ الآن ! “
.
وبخبطة على الطاولة بكلتا يدَىَّ أجيب :
أنا لا أبالغُ
أسمعتَ ما قلتُ ؟
أنا لا أبالغ !
ثم إننى جربتُ (لبْخَة) الليبراليةِ الجديدةِ فى السوق
فلم تفلح فى تَدْبيلِ أىٍّ من جروحى على الإطلاق
ولم تُثْنِ أخى الكبيرَ عن معاقبتى وأنا طفلة
حين ضبطنى قبل صلاةِ الفجر
متلبسةً بقراءةِ (زقاق المدق)
ولا عن مصالحته القسرية لى
بتشغيلِ شرائط لحسين يعقوب ووجدى غنيم وكشك
على مدى أسبوعٍ كامل
فى محاولةٍ مخلصةٍ منه لكى تعودَ أسرتُنا الطيبةُ إلى الإسلام
كما كان فى عهد الرسول !
.
لذلك من الضرورى ، أصدقائى القراء
، رغم كل شىء ،
أن تقولوا لهذا الولدِ بمنتهى الصرامة :
عليك أن تفكرَ فى كلامِ هذه البنت بكل جدية
لتعرفَ فى أى تراچيديا عاشت ،
لتضيفوا أيضا :
أننى لسببٍ لا أعرفه
كنت أفاجَأ بابن تيمية نائما فى فراشى
وملتحفا بغطائى فى عاديةٍ مستفزة
، كلما اسيقظتُ فى الصباحِ للذهابِ إلى مدرستى الثانوية ،
ولما حاولتُ ذات ليلةٍ أن أعرفَ السبب
اكتشفتُ أن أختى الطبيبةَ المنتقبة
، والتى كانت تعطلنى دائما عن قراءة الكتب لأسباب غريبة وغير مفهومة ،
نيَّمت الفقيهَ على ذراعى بدلا من كافكا
قبل أن يعودَ أخى فى الليل
ويأمرَ أمى بحرمانِها من مصروفِها الشهرى كنائبٍ له
فى واجبِ رقابتِه المقدس
.
فهِّموا هذا الولدَ إذن
أننى لستُ المسئولةَ عن أن دماغَ الرأسماليةِ الهرمة
لا يتعارضُ مطلقا مع رأسِ أخى المتشدد
ولا عن أن ملامحَ أختى التى تأتينى للآن فى منامى
، بالرغمِ من مرورِ كل تلك السنوات ،
لازالت تشْبِه ملامحَها الكومبرادورية
ولا أن القُبلةَ التى خجلتُ أن أطيِّرَها إلى شفتيْه على كَف الأثيرِ فبكيْتُ
ستكونُ سببًا
فى كتابةِ مثل هذه القصيدة الليلة .
منقوول