عند مغادرة البيوت العتيقة نأخذ معنا كل الأشياء
إلا الأمكنة / فحقائبنا لاتتسع للجدران... ولا لـــ الأمكنة
اليوم وأنا أحزم حقائبي لمغادرة البيت القديم / كان ضجيج
ما يعلو في داخلي فاختلطت بي وجوه وأصوات كل الذين
كانوا يوما هنا .. ورحلوا!
وكأن السنوات كلها إستيقظت بي لتودعني!
وللسنوات صوت كلما مر العمر بنا إزداد قوة !
فهل سمع أحدكم يوما نبرة صوت السنوات وهي تناديه؟
وهل نادت عليكم البيوت العتيقة يوما وأنتم تديرون لها ظهوركم مودعين؟
هل سمعتم صوت بكائها؟ ولمحتم الجدران تلوح لكم مودعة؟
هل خيل إليكم ان روح ما تُبث في الجماد فينظر إليكم بحزن مودع ؟
فبعض الأمكنة تتحول عند الرحيل إلى أب وأم وأخوة !
بعض الأمكنة تتحول عند الرحيل إلى طفل مدلل
يتشبث بثوبك وقدميك وقلبك
فتصبح خطوة المغادرة أثقل من جبل !
كيف لاتبكي لفراقنا الجدران ؟
وفي الجدران خبأنا العمر كله إلا قليلا
فنحن حين نغادر القديم
لانغادر مجموعة من الطوب ُصفت بيد بناء محترف
نحن نغادر جزءا من عمر !!
فجدران البيت العتيق / ككتاب العمر !
هنا سأترك طفلة بضفائرها
طفلة كانت تتسمى بإسمي و تشبهني كثيرا
وهنا سأترك لعبتي التي دفنتها في الرمل منذ سنوات
خشية ان تهديها والدتي ذات عقاب لإبنة الجيران
وهنا سأترك بيوت الرمل التي لم تكن مجرد ماء ولا طين
كانت نماذج مصغرة لأحلامي !
فمن الطين صنعت منزلي
ومن الطين صنعت فارسي
ومن الطين صنعت أطفالي
ما أصعب توديع الامكنة
فالأمكنة تمرض خلف أصحابها وربما تموت
لهذا يخفت النور بها بعد رحيلهم كثيرا !
فالأمكنة تبكي / ولكن !!
لايسمع بكاء الأمكنة إلا انسان سترت الأمكنة بكاء قلبه يوما
ولايشعر بوهن الأمكنة عند الفراق
إلا إنسان سندته عند وهنه جدرانها!
فان قررتم يوما مغادرة البيوت العتيقة
فلا تؤذوا مشاعرها !
واستتروا من الزوايا وأنتم ترتبون حقائبكم
استتروا من الجدران وأنتم تجمعون آخر البقايا
استتروا من الأبواب وأنتم تتجهون / نحو باب الخروج !
فللبيوت أعين وقلوب !