أسباب سقوط الأندلس ونتائجه المُروعة
كل ما تريد معرفته عن سقوط الأندلس، ونتائجه
أولاً، العوامل التي أدت إلى فتح الأندلس
ولكي نفهم أسباب ونتائج سقوط الأندلس بوضوح، لابد أن نتعرف على أهم عاملين من العوامل التي أدت إلى فتح الأندلس، وأحد العوامل هو كثرة النزاعات والفرقة التي كانت تعيشها مملكة القوط الصليبية التي كانت تحكم شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس لاحقاً)، مما تسبب بضعفها.
أما العامل الثاني فقد كان توحد المسلمين وتجمعهم تحت راية واحدة بلا أي خلافات تذكر، حيث أن الذي فتح الأندلس هو قائد الجيش الأموي طارق بن زياد بتعليمات من والي شمال أفريقيا الأموي موسى بن نصير، بتوجيهات من خليفة المسلمين الوليد بن عبد الملك الأموي من مركز الخلافة في دمشق، ويوضح ذلك بأن الخلافة الإسلامية قبيل فتح الأندلس، كان لها خليفة واحد يحكم من وسط أسيا إلى أقصى غرب شمال أفريقيا، ومن خليج عدن حتى بحر قزوين، وهذا كان مصدر القوة الحقيقي الذي به تم فتح كامل الأندلس التي يبلغ مساحتها 600 ألف كيلو متر مربع، خلال 15 عام فقط، وكان ذلك في الفترة من عام 711م إلى عام 726م.
ثانياً، الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس
وكأن الزمان يعيد نفسه، مع تبادل الأدوار بين طرفي الصراع الإسلامي والصليبي، وسنوضحها كما يلي:
-قوة الصليبيين:
- أعاد الصليبيين ترتيب صفوفهم، على مدار مئات السنين، ولديهم الحوافز القوية لإسترجاع أراضيهم بعد أن فقدوها، حيث أعادو تكوين ممالك جديدة وهي نبرة، وقشتالة، وأرجون، وليون، والباسك، والبرتغال، وأسسوها بدافع إسترداد بلاد الأندلس من المسلمين، بقوة وبلا كلل ولا ملل من ذلك.
- توحد الصليبيين، حيث توحدت كل من مملكة قشتالة وليون، بقيادة الملك الفونسو السادس.
- إلى أن تم لهم ما أرادو، وأخرجوا المسلمين من كامل أراضي بلاد الأندلس، ولكن بالتدريج.
-ضعف المسلمين:
ولنتعرف على مظاهر ضعف المسلمين، يجب أن نستعرض أولاً كيفية حكم المسلمين للأندلس من خلال فترات الحكم المختلفة والمتصارعة مع بعضها وهي موضحة في الجدول التالي، لنستكمل ذكر باقي عوامل ضعف المسلمين:
-الجهات المختلفة التي حكمت الأندلس:--الصراع بين العباسيين والأمويين:
إسم الجهة الحاكمة فترة الحكم بالتقويم الميلادي ملاحظات ولاة الأندلس التابعين لمركز الخلافة الأموية في دمشق 711 – 726 فترة فتح كامل الأندلس ولاة الأندلس التابعين لمركز الخلافة الأموية في دمشق 726 – 756 فترة ما بعد إستكمال فتح الأندلس، وحتى سقوط الخلافة الأموية في دمشق الإمارة الأموية في الأندلس 756 – 929 أسسها عبد الرحمن الداخل بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق وقيام الخلافة العباسية على أنقاضها الخلافة الأموية في الأندلس (خلافة قرطبة) 929 – 1031 أسسها عبد الرحمن بن محمد (عبد الرحمن الناصر لدين الله) عصر ملوك الطوائف 1031 – 1085 إنقسمت الأندلس إلى 20 مملكة، تتصارع فيما بينها، وتعتبر أسوأ مراحل الحكم الإسلامي في الأندلس عصر المرابطون 1085 – 1147 قَدمو من المغرب للدفاع عن المسلمين، وأوقفو الزحف الصليبي في البداية، ولكنهم سقطو نتيجة صراعهم مع الموحدين عصر الموحدون 1147 – 1238 بعد إنتزاع الحكم من المرابطون، تم إيقاف زحف الصليبيين فترة حكمهم،ولكنهم فقدو السيطرة بالكامل في الثلث الأخير من حكمهم مملكة بني الأحمر 1238 – 1492 أخر ممالك المسلمين، وكانت في مدينة غرناطة فقط، وظل حصار الصليبيين لها طول فترة حكمها إلى أن سقطت، وسقطت الأندلس معها كامل فترة حكم المسلمين 781 عام حوالي 805 عام هجري
- تصادف عندما تم فتح الأندلس، أن يحتدم الصراع بين الأمويين والعباسيين في مركز الخلافة دمشق، حتى تم القضاء على الدولة الأموية، وإنشاء الدولة العباسية على أنقاضها، وما صاحب ذلك من فرقة ونزاعات، وإستمر الحكم العباسي من عام 750م – 1258م، حيث إستمرت لمدة 524 عام.
- وفي الوقت نفسه قام عبد الرحمن الداخل الأموي، والذي هرب من العباسيين من دمشق متوجهاً إلى المغرب، حيث يوجد أخواله، وأسس تحالفات وجمع الولاء له على أمل أن يعيد الخلافة الأموية، وبالفعل فقد كون جيش من البربر يقدر بثلاثة ألاف مقاتل، وتوجه إلى الأندلس، وإستقر في مدينة قرطبة، حيث أعلن عن قيام الإمارة الأموية في الأندلس بتاريخ 18 مايو عام 756م، التي تحولت إلى الخلافة الأموية فيما بعد، والتي إستمرت حتى عام 1031م، لمدة 275 عام.
- مما تقدم يتضح حجم الفرقة والإنقسام في صفوف المسلمين، حيث ظل الصراع بين الخلافة العباسية في الشرق الإسلامي والخلافة الأموية في الغرب الإسلامي في كل من المغرب، وبلاد الأندلس، مما أضعف المسلمين بصفة عامة وأضعفهم في بلاد الأندلس بصفة خاصة، وبدلاً من دعم الخلافة العباسية للمسلمين في الأندلس، عملت على إضعافهم وتآمرت عليهم.
-إستقواء بعض الممالك الإسلامية بالصليبيين:
وتفشت ظاهرة الصراع بين الممالك الإسلامية المختلفة في عصر الطوائف، ولم تقتصر هذه الظاهرة على الصراع، ولكنها دخلت في الخيانة، حيث كان بعضها يستعين بالممالك الصليبية للإستقواء على مملكة مسلمة أخرى، وعلى سبيل المثال، إحتدم الصراع بين دولة بني ذي النون في طليطلة، مع إبن هود ملك سرقسطة، والعجيب المؤسف هو لجوء كل منهما إلى الممالك الصليبية لإستقواء كل منهما على الأخر.
-الصراع بين القبائل العربية:
الصراع الدامي بين القبائل المضرية العدنانية والقبائل اليمانية القحطانية، مما إستنفذ كثير من طاقات المسلمين، وإستغله الصليبيين في توسعاتهم، وكان ذلك من أوائل عوامل ضعف المسلمين.
-الصراع بين العرب والبربر:
بالرغم من أن دخول البربر في الإسلام كان عنصر قوة في بداية عهدهم بالإسلام، حيث كان لهم الفضل في فتح الأندلس مع المسلمين العرب، إلا أن النزاعات ما لبثت أن إشتعلت بين البربر والعرب، ولم تهدأ طول فترة حكم المسلمين للأندلس، مما كان له أكبر الأثر في إضعاف المسلمين.
-إنحراف بوصلة المسلمين عن الهدف الأساسي لدينهم:
- لقد كان حرص الولاة والأمراء والخلفاء على حكمهم وحكم أولادهم من بعدهم، وسعي من حولهم لإنتزاع الحكم منهم، جعلهم يستخدمون كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية، من سجن وقتل وفتن ودسائس وخيانات وترهيب لتثبيت حكمهم على حساب القيم الإسلامية الصحيحة وغياب العدل، مما أضعف روح الدين الإسلامي عند المسلمين، وبالتالي ضعفهم.
- إن الهدف الأساس للجهاد هو صد العدوان، وإتاحة الفرصة للناس للتعرف على الدين الإسلامي السمح، بدون عدوان أو تَغوّل على الأخرين، ولكنهم توسعو في أخذ السبايا والعبيد والممتلكات، تحت إسم جهاد الطلب، مما جعل الصليبيين يحاولون كل الوقت للتخلص من المسلمين، بدلاً من أن يذوبو فيهم.
- الإنغماس في ملذات الدنيا والتوسع فيها على حساب الفضيلة والأخلاق، والإنزلاق في الماديات على حساب الروحانيات التي هي هدف الدين أساساً، مما جعلهم يحبون الدنيا على حساب الأخرة، وتقاعسو حتى عن مساعدة بعضهم، وهذه “طليطلة” التي حاصرها الملك الفونسو السادس لمدة 9 شهور، في عام 1085م، إلا أن سقطت وبلا رجعة، دون أن يحاول المسلمون مساعدة إخوانهم المحاصرين، وكان معهم وقت كافي لنصرتها ولكنهم لم يفعلو، فسقطت، كما سقطت باقي المدن المختلفة واحدة تلو الأخرى.
- لم يستطيعو أن يكونو قدوة حسنة للصليبيين، فبدلاً من أن ينشرو قيم العدل والرحمة والتسامح والمحبة، التي هي روح الدين الإسلامي، نشرو من خلال إقتتالهم مع بعضهم البعض، صورة مشوهة للإسلام، جعلتهم منبوذين وأساءت لهم كثيراً.
- بالرغم من ظهور بعض العلماء الأجلاء، وقيام نهضة علمية مشهود لها، إلّا أن الكثير من علماء ومشايخ المسلمين وقعو في فخ إرضاء الملوك والأمراء والحكام، بدلاً من تقديم النصيحة لهم وردهم عن إساءتهم لبعضهم البعض وللناس، مما أفقدهم قوة تأثيرهم الروحية في الدعوة إلى الله وعبادته حق العبادة، والتي هي الأساس الذي تحركو من أجله في فتح الأندلس.
- ولغياب البوصلة الصحيحة للجنود، فقد فقدو الروح المعنوية العالية، والبوصلة الصحيحة، مما أضعفهم وأضعف الجيوش الإسلامية، ففرق كبير بين حالهم بعد الفتح الإسلامي للأندلس، وحالهم في بداية الفتح، حيث إستطاع طارق بن زياد ب12 ألف مقاتل الإنتصار على ملك القوط، لُذريق ومعه مئة ألف مقاتل.
..لكل ما تقدم من أسباب سقطت الأندلس وسقط المسلمون معها.
ثالثاً، تسلسل سقوط كامل مدن ومناطق الأندلس
من أهم المعلومات التي يجب معرفتها عن سقوط الأندلس، هي أن الأندلس لم تسقط مرة واحدة، أو في فترة صغيرة، بل إستمر توالي سقوط مدن ومناطق الأندلس حوالي 800 عام، وخلال فترات متباعدة، كما أن الكثير لا يعلم أن بداية السقوط بدأت مبكراً، ومنذ السنين الأولى لفتح الأندلس، كما سيتضح ذلك من خلال معلومات الجدول التالي، الذي يرصد بعض الأحداث المتعلقة بسقوط الأندلس:رابعاً، نتائج سقوط الأندلس
التاريخ بالتقويم الميلادي المدن والمناطق التي سقطت، وبعض الأحداث ملاحظات 718 سقوط مساحة أرض حول منطقة صخرة بلاي، على الساحل الشمالي للأندلس في منتصف فترة فتح الأندلس 732 سقوط كامل جنوب فرنسا، بعد هزيمة المسلمين في معركة الشهداء فترة حكم الولاة التابعين لمركز الخلافة الأموية في دمشق 740 سقوط أجزاء جديدة شمال الأندلس فترة حكم الولاة التابعين لمركز الخلافة الأموية في دمشق، قبل سقوطها 750 نهاية الخلافة الأموية في دمشق، وبداية الخلافة العباسية الخلافة العباسية في الشرق ظلت على خلاف مع حكام الأندلس طول فترة حكمها الذي إستمر 524 عام، مما كان سبب في ضعف المسلمين 756 بداية الإمارة الأموية في الأندلس أسسها عبد الرحمن بن معاوية بن الداخل 795 سقوط برشلونة، وكامل الساحل الشمالي فترة الإمارة الأموية 850 قيام مملكة نبرة الصليبية في منطقة الشمال فترة الإمارة الأموية 929 قيام الخلافة الأموية في الأندلس(خلافة قرطبة) أسسها عبد الرحمن الناصر لدين الله 941 سقوط بلدة الوليد في وسط الشمال فترة خلافة قرطبة 1000 سقوط مساحات جديدة في الشمال فترة خلافة قرطبة، مع زيادة قوة الصليبيين 1031 نهاية خلافة قرطبة، وبداية حكم ملوك الطوائف حيث تم تقسيم الأندلس إلى 20 مملكة صغيرة، وتتصارع مع بعضها البعض، وتعتبر أسوأ فترة حكم 1040 قيام ممالك قشتالة وأرغون الصليبيتين فترة ملوك الطوائف 1046 سقوط حوالي 30 % من بلاد الأندلس الشمالي فترة ملوك الطوائف 1085 سقوط مدريد وطليطلة، ومناطق أخرى من شمال الأندلس في نهاية فترة ملوك الطوائف 1085 نهاية فترة ملوك الطوائف، وبداية حكم المرابطون إستطاع المرابطون إيقاف الزحف الصليبي في بداية عهدهم، ولكنهم ضعفو بعد ذلك 1120 سقوط حوالي 50 % من بلاد الأندلس(كامل الشمال+نصف الغرب +جزء من الساحل الشرقي) فترة المرابطون 1141 قيام مملكة البرتغال الصليبية على الساحل الغربي للأندلس فترة المرابطون 1144 سقوط حوالي 70 % من بلاد الأندلس فترة المرابطون 1148 سقوط إشبيلية وسرقسطة فترة نهاية المرابطون وبداية الموحدون 1165 سقوط لشبونة فترة الموحدون 1172 نهاية فترة المرابطون، وبداية فترة حكم الموحدون كانت فترة حكم الموحدون قوية بحيث أوقفو الزحف الصليبي طوال فترة حكمهم تقريباً 1231 سقوط جزر مايوركا فترة الموحدون 1236 سقوط قرطبة فترة قرب نهاية الموحدون 1238 نهاية فترة الموحدون، وقيام فترة حكم بني الأحمر مملكة بنو الأحمر هي أخر ممالك الأندلس 1238 – 1261 سقوط فالنسيا، وحوالي 90% من بلاد الأندلس فترة بنو الأحمر 1300 سقوط جبل طارق، وحوالي 95 % من بلاد الأندلس فترة بنو الأحمر 1345 سقوط الجزيرة الخضراء فترة بنو الأحمر 1492 سقوط غرناطة، ومملكة غرناطة، وكامل بلاد الأندلس نهاية السقوط
من المؤكد أن سقوطًا كسقوط الأندلس سيترك خلفه أعظم النتائج وأسوأها، وهي:
- تم تشكيل محاكم التفتيش، للقضاء على أي مظهر إسلامي، مهما كان صغيراً.
- قام الملكين إزبيلا وفرناندو في عام 1502م بإصدار مرسوم ملكي ينص على كل مسلم إما أن يتنصر، وإما أن يغادر البلاد، وإلا سيلاحق من المحاكم، ويضطهد ويعذب، وتم منحهم ثلاثة شهور للتنفيذ.
- في عام 1567م أصدر الملك مرسوم ملكي ينص على منع إستخدام اللغة العربية، والملابس العربية أو التسمي بالأسماء العربية ومنع الحجاب، وأمر بهدم الحمامات العامة والخاصة، ومن يخالف يعدم.
- تم تسمية مسلمي إسبانيا بلقب الموريسكوس وأُستخدم ضدهم أسوأ أنواع التمييز العنصري، ثم تم طرد مئات الألاف منهم إلى خارج إسبانيا، بدون أن يأخذوا معهم أي شئ من ممتلكاتهم، بإتجاه المغرب وليبيا وتركيا والشام.
- تم إلغاء جميع المعاهدات والعهود التي كانت قد عُقدت بين المسلمين والنصارى.
- تم تحويل جميع المساجد إلى كنائس نصرانية.
- تنصر حوالي مليون مسلم تحت التهديد، ومع الزمن إنصهر أحفادهم في المسيحية، وإنقطع إتصالهم بالإسلام.
- تم حرق جميع الكتب التي أنتجتها الثقافة الإسلامية في الأندلس، ما عدا بعض كتب الطب، التي نقلت إلى جامعة “الكالادي إينارس”.
- لقد تركت النزاعات الداخلية للمسلمين في الأندلس، آثارها التي إمتدت حتى بعد سقوط الأندلس، مما أضعف المسلمين بعد ذلك وأضعف