البنية شيء والنّظامُ شيء آخَر
فأمّا البنية Structure - أو البناء - فهي الهيئة المتماسكة التي تظهر عليها العناصرُ
وهي شبكة العلاقات التي تشدّ العناصرَ بعضَها إلى بعض
وأمّا النّظامُ Système فهو الهيكلُ العامُّ الذي تندرجُ تحتَ كلّياتِه الجزئياتُ
أو العناصر أو الظّواهِرُ اللّغويّة
وهو النّسَق الذي يضبطُ حركةَ الظّواهرِ وعلاقاتِ بعضِها ببعض،
والسببُ في أنّ النّظامَ ضابطٌ للجزئيّات هو أنّه مؤلَّف من قواعد تعصم الظّواهرَ
من التّشتّت أو التناثر أو الشّذوذ؛ كأن نقولَ : اللغة نظام من الدّوالّ والمدلولات،
أي من العلامات اللغوية
فالبنية غير النّظام
يعود مفهوم النظام الى بدايات عصر النهضة الاوروبية ويقصد منه معنى الترتيب L'order , أما مصطلح النظام System فقد ظهر على يد سوسور في كتابه المحاضرات ويقصد منه تلك القوانين والقواعد المنظمة للسان أمة ما . يشبه سوسور اللسان اللغوي مثل قطعة الشطرنج , حيث تحمل كل قطعة قيمة في حد ذاتها . تقوم من خلالها بلعب دور على ساحة الرقعة , ولا يسمح لها بلعب دور قطعة اخرى مثلا ( القلعة والملك ), اذ ان الادوار والوظائف تختلف من عنصر لاخر . والذي ينظم تلك اللعبة هو مجموعة القوانين والقواعد المتفق عليها بين اللاعبين , انك حتى لو غيرت شكل ومادة القطعة الواحدة , وعوضت قطع الشطرنج بأحجار صخرية مختلفة الشكل والحج , فان ذلك لا يؤثر على القيمة و الوظيفة والدور الذي تقوم به القطعة داخل الرقعة , هذه الوظيفة وذلك الدور يخضعان ويحترمان القوانين والقواعد , والموضوع هنا يشبه القوانين المنظمة لمؤسسة ما , فالدستور المنظم للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقيةالخ لمجتمع ما , يمارس عمليا من خلال مؤسسات الدولة الشرعية كالبرلمان والحكومة والسلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية . ان ما يتحكم في المؤسسات وموظفيها , وما ينظم علاقات افراد المجتمع ومؤسساته هو ذلك الدستور , انه النظام العام المنظم لحياة دولة ومجتمع و أمة . هذا النظام موجود ويطبق ويحترم ويعد به حتى ولو كان كل افراد المجتمع نائمين موظفين ومؤسسات . هذا النظام موجود في ذهن الجماعة التي خلقته واوجدته, لكنه موجود فقط بشكل جزئي عند الافراد , اي ان مجموع المعرفة الجماعية للدستور هي ما يشكل النظام . بعبارة علمية اخرى , ان النظام هو مجموعة القوانين والقواعد المنظمة لمجموعة من العناصر التي تدخل في علاقات عضوية فيما بينها.
أما مصطلح البنية فمصدره علم الرياضيات والمنطق , وأفضل من قدم تعريفا علميا للبنية هم علماء الرياضيات الروس , و عرفوها بمصطلح اخر هو التركيبة , ان البنية هي مجموعة من العناصر المتفاعلة في اطار مجموعة من العلاقات . ومعنى هذا أن البنية هي قاعدة النظام . وبدون بنية لن يوجد نظام مهما كان نوعه , فشرط النظام وجود قوانين وقواعد تنظم عناصر البنية وعلاقاتها , وهذا معناه ان الواحد منها مرتبط بالثاني .
اما النسق فصنوه النظام , فكل نسق نظام وليس كل نظام نسق, والحد الفاصل بينها هو مفهوم الانفتاح ومفهوم الانغلاق , فالنسق نظام مفتوح والنظام نسق مغلق , تجد شرح كل هذا في النظرية اللسانية عند سوسور وفي مفهوم النسق عند المدرسة النسقية التي ظهرت في الخمسينيات من القرن الماضي