معنى البداء في القرآن
قال أبو عبد الله : قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل ، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى - عليهم السلام - والأصل في البداء هو الظهور قال الله تعالى : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) يعني به : ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم ،وقال : ( وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ) يعني : ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك ، وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبدا له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام قائمة مقامه ، فالمعنى فيقول الإمامية بدا لله في كذا - أي : ظهر له فيه ومعنى ظهر فيه - أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه وجميع أفعاله تعالى الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن فهي معلومة له فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ، ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله ، فلا يستعمل فيه لفظ البداء .
وقول أبي عبد الله - عليه السلام : ( ما بدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل ) ، فإنما أراد به ما ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه وقد كان مخوفا عليه من ذلك مظنونا به ، فلطف له في دفعه عنه .
وقد جاء الخبر بذلك عن الصادق - عليه السلام - فروي عنه أنه قال : ( كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه ) وقد يكون الشئ مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه .
قال الله تعالى : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ) . فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب )
وقوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع بالفسوق . وقال تعالى [ فيما خبر به ] عن نوح في خطابه لقومه : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ) إلى آخر الآيات . فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم الاستغفار فلما لم يفعلوه قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب ، فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ولا من تعقب الرأي ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا .
وقد قال بعض أصحابنا : إن لفظ البداء أطلق في أصل اللغة على تعقب الرأي [ والانتقال من عزيمة إلى عزيمة ] وإنما أطلق على الله تعالى على وجه الاستعارة كما يطلق عليه الغضب والرضا مجازا غير حقيقة ، وإن هذاالقول لم يضر بالمذهب ، إذ المجاز من القول يطلق على الله تعالى فيما ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بينا ، والذي اعتمدناه في معنى البداء أنه الظهور على ما قدمت القول في معناه ، فهو خاص فيما يظهر منالفعل الذي كان وقوعه يبعد في النظر دون المعتاد ، إذ لو كان في كل واقع من أفعال الله تعالى لكان الله تعالى موصوفا بالبداء في كل أفعاله ، وذلك باطل بالاتفاق .