تقع بلاد الغور في دولة أفغانستان الحالية بين مدينتي هراة وغَزنة، وفي هذه المنطقة نشأت الدولة الغورية وقوي أمرها على حساب الدولة الغزنوية، واتخذت من فيروزكوه عاصمة لها.
كان الغور منذ بداية ظهورهم يشكلون خطرًا كبيرًا على الدولة الغزنوية حيث أنهم دأبوا على شن الغارات على رعاياها، ولما كثرت غاراتهم أعد لهم السلطان محمود الغزنوي سلطان الدولة الغزنوية جيشًا كبيرًا وهزمهم في معركة عنيفة في سنة 401هـ= 1010م، وبهذه الهزيمة انضمت إمارة الغور إلى الدولة الغزنوية واعتنق أهلها الإسلام.

ارتفع شأن الغوريين في الدولة الغزنوية حتى أنهم تطلعوا إلى الاستقلال عنها، وأخذوا يتحينون الفرصة المناسبة حتى تمكنوا من الانفصال فعلًا، بل وتجاوزوا أراضيهم إلى أراضي البلاد الغزنوية، فعندما انشغلت الدولة الغزنوية بحروبها مع السلاجقة استغل ذلك أمير الغور محمد بن الحسين وسار إلى غزنة عاصمة الغزنويين بغية الاستيلاء عليها في سنة 543هـ= 1148م، لكنه قتل على يد السلطان الغزنوي حينذاك بهرام شاه.

استنكر الغور قتل السلطان الغزنوي لأميرهم وعولوا على الانتقام من بهرام شاه، وأعد سوري بن الحسين الأمير الجديد للغور العدة لذلك، وسار بجيشه إلى غزنة واستولى عليها، ولكن بهرام شاه الغزنوي عاد واستردها مرة أخرى وقبض على سوري بن الحسين وقتله، وكان ذلك في سنة 544هـ= 1149م.

بعد قتل سوري بن الحسين تولى إمارة الغور أخيه علاء الدين بن الحسين الذي عول على الانتقام من السلطان الغزنوي، وفي سنة 550هـ= 1155م سار على رأس جيش كبير إلى غَزنة، واستولى عليها بعد فرار السلطان الغزنوي منها.

بعد ذلك أقر علاء الدين الغوري الأمور في غَزنة وتطلع إلى توسيع رقعة الدولة الغورية التي قويت في عهده، وظل في حكمها حتى وفاته سنة 556هـ= 1160م، وملك بعده ابن أخيه غياث الدين، وكان عضده الأقوى أخوه شهاب الدين الغوري المشهور وقد حسنت سيرتهما وقويت شوكتهما وجموعهما فملكا بلاد الغور والأفغان والهند وعلى يدهما انقرض ملك الدولة الغزنوية سنة 582هـ= 1186م، وبدأ بذلك حكم الدولة الغورية في الهند ( 582هـ= 1186م/ 689ه= 1290م).

امتد ملك غياث الدين وأخيه شهاب الدين على معظم بلاد الهند وتيسر لهما فتح الكثير منها وتدويخ ملوكها وقد بلغا منها مالم يبلغه أحد قبلهما من ملوك المسلمين، وبعد موت غياث الدين في سنة 599هـ= 1203م أصبح شهاب الدين ملكًا على الدولة الغورية في الهند، وقد لعب شهاب الدين دورًا كبيرًا وكانت له حروب وفتوحات في بلاد الهند مكنت لحكم الإسلام فيها.

ظل السلطان شهاب الدين هو وقواده يغزون ويواصلون فتح البلاد واخضاعها في الهند، ثم عهد شهاب الدين إلى مملوكه قطب الدين أيبك بحكم البلاد الهندية التابعة للغور نيابة عنه وعاد إلى غَزنة، وفي سنة 602هـ= 1206م توفي السلطان شهاب الدين فاستقل قطب الدين أيبك بأمور الحكم في الهند، ولكن لم تمتد أيامه في السلطنة كثيرًا حيث تولى سنة 602هـ، وتوفي في سنة 607هـ، وقد تمكن بفضل قوته وكفاءته من بسط سيطرته على الدولة.

بعد وفاة قطب الدين تولى المملكة بعده ابنه آرام شاه، ولما سمع بتوليته شمس الدين ألتمش وزير قطب الدين سار إليه وأخذ منه الملك ودعا الناس إلى بيعته فبايعوه جميعًا، وعقب توليته انشغل بالحروب والغزوات وفتح بعض المدن والقلاع، كما نجح في إخضاع البلاد التي ثارت عليه، ثم توفي في سنة 633هـ= 1235م.

بعد وفاة شمس الدين ألتمش بويع لابنه ركن الدين الذي افتتح حكمه بقتل أخيه، فأنكرت ذلك عليه شقيقته رضية واستثارت الناس فثاروا عليه وقتلوه في سنة 634هـ، وأجمع رجال الدولة بعد قتل ركن الدين على تولية أخته رضية، فتولت الملك واستقلت فيه أربع سنين، ولكنها كانت تركب كما يركب الرجال ولا تستر وجهها، ثم إنها اتّهمت بعبد لها من الحبشة، فاتفق الناس على خلعها فخلعت وتولى بعدها أخوها معز الدين.

استقل معز الدين بالملك حتى قُتل على يد الأمراء في سنة 639هـ، وتولى بعده مسعود بن ركن الدين، ولكنه مال إلى التعدي فخلعه الناس في سنة 644هـ وتولى بعده عمه ناصر الدين الذي ستقام له الأمر عشرين سنة، ولـما توفي في سنة 664هـ= 1266م، انتقل الملك إلى وزيره غياث الدين بلبن الذي كان له فضل كبير أيام الناصر في إدارة الحكم وقمع الغارات والثورات، وكان من خيار السلاطين سيرة في رعيته، ومات سنة 686هـ.

كان قد أوصى غياث الدين بلبن قبل وفاته بولاية العهد لحفيده كي خسرو، ولكن وزير السلطان غياث الدين كان يكره كي خسرو، ولذلك دبر له حيلة وأبعده عن العرش وبايع ابن عمه معز الدين كيقباد الذي كان منصرفًا إلى اللهو والشراب وظل غارقًا في لهوه وشرابه حتى مرض بسبب ذلك، فاستغل نائبه جلال الدين فيروز الخَلجِي فرصة مرضه وانقلب عليه واستخلص الحكم لنفسه، وكان ذلك في سنة 689هـ= 1290م، وبذلك انقرضت الدولة الغورية في الهند وانتقل الملك إلى أسرة الخَلجِي الأفغانية[1].


[1] انظر: ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، أكاديمية المملكة المغربية، أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417هـ، 3/ 119- 127، وعبد الحي الحسني: الهند في العهد الإسلامي، دار عرافات، الهند، 1422هـ= 2001م، ص157- 171، وعصام الدين عبد الرؤوف الفقي: بلاد الهند في العصر الإسلامي، عالم الكتب القاهرة، 1980، ص32- 48.
قصة الإسلام