آلهة الحيثيين وأساطيرها
لم يتخلّف الحيثيّون عن عادات الأقوام الأخرى في زمانهم، إذ كانوا يقتبسون من مجْمع آلهة غيرهم من الشعوب التي يلاقونها، كما في حالة عشتار من بلاد الرافدين، المُحتفى بها في معبدها المعروف في عين دارة. تشير الكتابات الحيثية باستمرار إلى «الألف إله» لبلاد الحثيين، ويظهر عدد هائلٌ منهم في النقوش، إلا أنهم اليوم يبقون مجرد أسماء.
تُعزى هذه التعددية إلى مقاومة الحيثيين للتوفيق بين الأديان. كما يذكر بروفيسور الدراسات الحيثيّة في جامعة ميشيغان، غاري بيكمان: «حافظت الكثير من البلدات الحيثية على مجموعات فردية من آلهة الرعد، رافضة الاعتراف بتجسيد الآلهة المحلية لرمز وطني واحد». يمكن بسهولةٍ اعتبار التعدديّة في الآلهة بمثابةِ بقيّة من خصائص الانكفاء المحلّي على المستويين السياسي والاجتماعي ضمن الإمبراطورية الحيثيّة، والتي لا يمكن إعادة تمثيلها.
على سبيل المثال، آمن الحيثيّون أنّ موقع العبادة في نيريك -الذي يقع شمال العاصمة هاتوشا- كان مكاناً مقدساً لإله العواصف الذي كان ابن وروسيمو، وهي إلهة الشمس آرينا. كان إله الطقس مرتبطاً بجبل زاليانو بالقرب من نيريك، وقد كان مسؤولاً عن هطول الأمطار على الأراضي الزراعية في المدينة. كان للإله تارهونا ابنٌ، تيليبينو، وابنة، إينارا. تُعتبر إينارا آلهةً حاميةً ترتبط بمهرجان الربيع.
كان من ضمن أساطير الحيثيين الدينية أسطورة «قتل التنين». كانت هذه الأسطورة تُتلا خلال تأدية طقوس السنة الجديدة، والتي اعتُبر أداؤها ضرورياً لضمان نجاح الموسم الزراعي في السنة المقبلة. تدورُ أحداث الأسطورة حول ثعبان (أو تنّين) يرمز إلى «قوى الشر» والذي يهزم إله العواصف في القتال. تأتي الإلهة إينارا بخطة مُحكَمةٍ لخداع التنين وقتله، وتوظف إنساناً -يوباشيا- لمساعدتها في تنفيذ خطتها. يتردّد يوباشيا في المساعدة لتنفيذ هكذا خطة دون مقابل. ما يدفع إينارا للنوم معه في سبيل تنفيذ الخطة. بعد ذلك، تدعو إينارا التنين إلى وليمة، وتدفعه إلى حالةٍ من السُكْر الشديد؛ ساعتها يشدّ يوباشيا وثاق التنين، ويدخلُ إله العواصف ويذبح التنّين بنفسه.
غالباً ما قام الحيثيّون بتكييف واقتباس أساطير متعلقة بآلهة أقوام آخرين. كانت الآلهة عشتار من بلاد ما بين النهرين واحدةً من الآلهة التي تبنّاها الحيثيّون ودمجوها في مجْمع آلهتهم، وأقاموا ارتباطاتٍ بينها وآلهة مشابهة مع إدخالِ تعديلات على أساطيرهم الأصلية. بما أنّ الأساطير لعبت دوراً أساسياً في عبادات الحيثيين، فإنّه من الضروري فهمُ قوّة عشتار وتاريخها في تطوّر الطقوس والتعويذات التي تستحضرها.
بإضافة خصائص آلهة أخرى إلى شخصيتها، نمت قوة عشتار باضطرادٍ، كما زادت شعبيتها. كانت من إحدى الوسائل المبتكرة لاستخدام عشتار في طقوس التطهير اللايتوراهي، حيث استُغلّت صِلاتُها بالعالم السفلي، وقُدِّمت كآلهةٍ مُدافِعةٍ، لا كضحيّة كما هو عليه حالها في أساطير بلاد الرافدين.