الأَصْحَاحُ السَّادِسُ
الصدقة :
"احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذى فى السماوات فمتى صنعت صدقة، فلا تصوّت قدامك بالبوق، كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الأزقة، لكى يُمَجَّدُوا من الناس. الحق أقول لكم، إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صنعت صدقة، فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك لكى تكون صدقتك فى الخفاء، فأبوك الذى يرى فى الخفاء، هو يجازيك علانية."
يتكلم المسيح هنا عن أركان العبادة الأساسية، وهى الصدقة والصلاة والصوم. ولعله يبدأ بالصدقة امتدادا لكلامه السابق عن تقديم المحبة وعمل الخير مع الكل، حتى الأعداء.
ويضع شرطا أساسيا لقبول الصدقة، وهى أن تكون من أجل الله، وليس بغرض أن ينظرنا الناس ويمجدوننا، لأنه إن نلنا مديح الناس، فليس لنا أجر عند الله. وقد كان المراؤون قديما لا يتصدقون بسبب محبتهم لله والمحتاجين، بل يتصدقون لمجدهم الشخصى، فيضربون الأبواق لكى يجتمع الناس وينظروا عظمة عطائهم فيمجدونهم.
"أبيكم الذى فى السماوات":
يقصد الله الذى يسمو على أفكار المرائين الأرضية الزائلة، والذى نستعد لنكون معه فى الحياة الأبدية، وننال مكافأة حياتنا البارة على الأرض بالميراث السماوى الأبدى.
"المراؤون":
من يُظهرون غير ما يُبطنون، فمظهرهم عمل الرحمة، وحقيقتهم الكبرياء وطلب مديح الناس؛ ويقصد هنا الكتبة والفرّيسيّين.
"فى المجامع وفى الأزقة":
حيث يكثر الناس ليقدموا مديحا أكبر لهم
الشمال:
ترمز إلى العطاء لكسب مديح الناس.
اليمين:
ترمز للبركة وطاعة الوصية، أى العطاء لأجل الله. ويقصد أيضا أن يكون العطاء فى الخفاء، حتى يكون مخفيا عن أقرب الناس لنا، مثل قرب اليد من الأخرى، حينئذ تكون الصدقة لأجل الله فقط، فننال المكافأة الأبدية، التى تكون أمام كل الخليقة، بل وأيضا يباركنا الله فى حياتنا الأرضية أمام الكل.
وليس معنى هذا أن لا يعطى الإنسان إذا كان هناك من ينظره، فلا نمنع العطاء بسبب عدم أمكانية إخفائه، ولكن ليكن لنا روح الخفاء، وعدم الانشغال برأى الناس.
اهتم بالمحتاجين الذين لا يستطيعون
أن يطلبوا علانية، فهؤلاء المستورين قد يكونوا أحوج من الكل، واشكر الله الذى سمح لك أن تعطيه فى شكل هؤلاء المحتاجين.