كثير منا يحمل على كتفيه ومن دون أن يشعر عملاقا هائلا في الضخامة عظيما في الطاقة يجبرك على الطاعة متى ما استيقظ ، انه عملاق الغضب ، انه الرجل الأحمر ، فكيف تتحكم فيه ؟ أو على الأقل كيف تجعله في سباته ؟
للأذكياء فقط :
- ما هي أسرع الطرق لهدم كل ما بنيته ؟
- ما هو أفضل أسلوب لقطع علاقة استمرت سنين ؟
- أسرع طريقة للطلاق أو للضرب بالأطراف الخمسة أو للقتل ؟
- ما هي أفضل طريقة لتغيير لون وجهك إلى الأحمر بدون الماكياج ؟ وأفضل طريقة لرفع ضغط الدم وتنفيخ الأوردة وتسريع التنفس ودقات القلب والاقتراب من حافة القبر ؟
- وأفضل طريقة للتحول إلى من الإنسان العادي إلى الرجل العملاق : Hulk ؟ الرجل الأخضر أو الأحمر ؟
انه الغضب ، فما أسرع ما يتحول الإنسان من الرجل العادي إلى الرجل الأحمر ! فكيف نتقي هذا الكائن الغريب ؟ انه حديثنا في هذه الحلقة ..
من أين يأتي الغضب ؟؟ إنها اللوزة !
إن الفص الأمامي للمخ (الجبهة) : (Frontal Lobe) مسؤول عن عمليات التفكير المنظم والتخطيط واتخاذ القرارات عن وعي وإدراك ، في حين أن هناك نظام آخر يتحكم بالانفعالات كالغضب والحرج والحزن والخوف والدهشة والسعادة والحب وغيرها ، أي من مثل حكومة الطوارئ التي تتدخل عند التغيرات المفاجأة والأزمات ، هذا النظام يعرف بالنظام اللمبي (Limbic System) ومركز تحكم هذا النظام يكمن في لوزة صغيرة بحجم أصغر من حبة البندق تسمى Amygdala كما تظهر في المصورة المأخوذة من كتاب الذكاء الوجداني
يقول الدكتور عثمان الخضر مؤلف كتاب الذكاء الوجداني أن الفص الأمامي للمخ يقوم بدوره الاعتيادي في التفكير والتخطيط للتحرك القادم بتعقل وروية ولكن عندما يتعرض الإنسان لمواقف فجائية طارئة من تهديد للنفس أو انتصار عظيم للذات فإن النظام اللمبي يتولى القيادة ويستلم زمام الأمور من الفص الأمامي ، وتقوم اللوزة بسرقة جزء من طاقة الفص الأمامي وتحوله إلى حواس الإنسان وأطرافه ، فتبدر من الإنسان تصرفات حينها ينقصها التعقل السليم ، كما هو الأمر في حال الغضب
هل تستطيع أن تتحكم بالغضب ؟
ليس كل أنوع الغضب سيئة ومكروهة ، فهناك من الغضب ما هو مشروع ومطلوب كالغضب لحرمات الله إذا انتهكت ، ولكن أغلب أسباب الغضب كما يقول بنيامين فرانكلين "أسباب تافهة" ، فكيف تتحكم بنفسك ولا تتحول إلى الرجل الأحمر ؟
ولكن ثمة سؤال مهم يتبادر أولا : هل بإمكاني أن أتحكم بغضبي ؟ الجواب بملء الفم : (نعم) تستطيع أن تتحكم بنفسك قبل الغضب بل وأثنائه ،
فربُّنا يمدح الصالحين بقوله ( والكاظمين الغيظ .. ) أي أكظم غيظك فتكن من الصالحين
ويقول الرسول صلى الله عليه واله و سلم ( ليس الشديد بالصرعة – أي بالعنف ، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) ، ذلك لأنه بمقدورك أن تملك نفسك عند الغضب وتكظم غيظك ، فإن لم يكن بإمكان الإنسان أن يكظم غيظه لما جاءت الآية والحديث أصلا!
استراتيجيات التحكم بالغضب :
. 1 (إستراتيجية الثواني الست)
إن المشكلة الكبرى التي تواجه أي إنسان غاضب هي سرعة التحول من الإنسان العادي إلى الإنسان الأحمر ، فمجرد ما يحدث حدث ما يستفزك فإنك وفي جزء من الثانية توقظ المارد الأحمر النائم فيبدأ هو في التصرف بما يحلو له ، إن من الاستراتيجيات الجيدة لعدم إيقاظ المارد الأحمر هي أن تجعل هناك فترة زمنية من 6 ثواني على الأقل بين الفعل ورد الفعل .
مباشرة عندما تستشعر أن شيئا ما استفزك : امنح لنفسك 6 ثواني عدد فيها أسماء 6 بلدان أو 6 أطعمة أو 6 حيوانات أتمنى أن تكون (أليفة) !! ، وهكذا ستفاجأ حينها أنك لازلت محتفظا بكل قواك العقلية ومستعد للتصرف السليم
2 . (إستراتيجية التسلسل)
إن التسلسل الظاهري للغضب هو أنه يحدث فعل ما يعقبه مباشرة ردة الفعل ، ولكن الحقيقة تقول أن التسلسل أكثر تعقدا ، وهو كالآتي :
يحدث الفعل : كأن جاء شخص في الطابور من الخلف ووقف أمامك ، أو أَسقطت كرة القدم من ابنك الشاي الساخن على ثيابك
يحدث هناك تفسير تلقائي للحدث : إن هذا خطأ أو أن هذه جريمة تجب معاقبتها ..
يبدأ الانفعال وينتج منه سلوك معين : تبدأ بالتصرف إزاء ذلك التفسير
وغالبا تتحرك هذه السلسة في ظرف من الثانية فيبدأ الإنسان في التصرف ، ولكن الإنسان الناجح هو من يتحكم في التفسير التلقائي ويوجهه إلى الصواب ، إن القيم والمبادئ الراسخة تلعب دورا أساسيا في التحكم في التفسير التلقائي حيث لا وجود مؤثر هنا للعقل والمنطق ، وحتى تتحكم بالتفسير التلقائي
تعوّد أن تسأل نفسك دوما هذه الأسئلة فور حدوث الفعل :
- هل الفعل كان متعمداً ؟؟ هل يحدث لأول مرة ؟
- وان كان متعمداً .. فهل كان بالقدر الذي يستوجب الغضب ؟
- وان كان بالقدر الذي يستوجب الغضب حقا ؟ فما هي الخسائر الجديدة التي سأخسرها إن أظهرت غضبي ؟
- وما هي الفوائد التي سأجنيها إن أمسكت نفسي عن الغضب ؟ ماذا سأجد عند رب العالمين ؟
- وان استوجب الغضب حقا ؟ فما هو القدر اللازم من الغضب الذي يتوجب علي إظهاره ؟
- وهل يجب أن أظهره الآن ؟ أم أني أستطيع أن أؤجله ؟
إن جعلت لهذه الاعتبارات شأنا في نفسك عند حدوث الفعل المزعج فانك حتما ستقود نفسك وستتحكم بغضبك وتدير انفعالاتك ، فهناك فرق كبير بين من تحركه انفعالاته ومن يحرك انفعالاته ، تعوّد على مثل هذه الاعتبارات وأهلاً بك في نادي (الكاظمين الغيظ)
يشير العلم أن الإنسان الغاضب يكون مشحونا بطاقة هائلة ، وأن هذه الطاقة إن اقتربت من الأرض فإنها يمكن أن تفرغ في الأرض ، تماما مثل مانعة الصواعق التي توضع في أعلى الأبنية وتفرّغ الطاقة على سطح الأرض ، فإذا علمت ذلك فماذا ستقول في هذا الحديث الصحيح : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) ستقول سبحان الله !
أخيرا : ما رأيكم في هذا الحديث وهو حديث حسن : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء ) .. أهلا بالجنة وبالحور ، وبما أن نعيما ينتظر الكاظم ، فإنها الجنة تنتظره ، فقد تقول في نفسك : الحمد لله الذي سخر لي موقفا واختبارا وسخرا لي الجنة جزاءً وثواباً