قصة حب ولادة بنت المستكفي وابن زيدون
ابن زيدون، الذي ولد في قرطبة سنة 394، برع في الشعر، كما برع في النثر، اسمه أحمد بن عبد الله بن زيدون، وقد تعلم في جامعة قرطبة التي كانت أهم جامعات الأندلس، ولمع بين أقرانه كشاعر، وكان الشعر بداية تعرفه بولادة بنت المستكفي، فراشة العصر الأندلسي، وبرز وزيرًا؛ عندما انقطع إلى ابن جهور، من ملوك الطوائف بالأندلس، حتى اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد، فحبسه، ولكنه هرب واتصل بالمعتضد صاحب إشبيلية، فولاه وزارة وفوض إليه أمر مملكته، فأقام مبجلاً مقربًا إلى أن توفي في إشبيلية ذاتها في أيام المعتمد على الله بن المعتضد، عن عمر بلغ نحو الثمانية والستين عامًا، وهو يعاني المرض ووهن الشيخوخة. كانت الأميرة ولادة بنت المستكفي بشاعريتها وألقها وجمالها الذي لم يقف حجاب بينه وبين ناظريها، كل ذلك جعلها أميرة القلوب، فوقع في حبها الكثيرون، وكان أهمهم وأشهرهم: ابن زيدون، وكذلك أبو عبيد الله القلاسي وأبو عامر بن عبدوس؛ اللذان كانا من أشد منافسي ابن زيدون في حبها، وقد هاجمهما ابن زيدون بقصائد لاذعة، فانسحب ابن القلاسي، ولكن ابن عبدوس غالى في التودد إليها، وأرسل لها رسالة ليستميلها إليه، فلما علم بها ابن زيدون، كتب إليه رسالة على لسان ولادة، وهي الرسالة المعروفة بالرسالة الهزلية، التي سخر منه فيها، وجعله أضحوكة.
وعاش بن زيدون أيامًا سعيدة مع أميرة حبه «ولادة»، وقد أفصح لنا عن بعض تفاصيل علاقته بها، فقد جاء على لسانه قوله: كنت في أيام الشباب وغمرة التصابي هائمًا بغادة تدعى ولادة، فلما قدر اللقاء وساعد القضاء، كتبت إليّ تقول:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر..
وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر
وبتناقل الألسن والشفاه في ذاك الزمان الجميل شعرها هذا، تحولت أبياتها هذه إلى أجمل ما قيل من شعر في الحب ودعوة الحبيبة للحبيب.