نسبه وقبيلته
هو رجاء بن حيوة بن جندل بن الأحنف بن السمط بن امرئ القيس بن كندة، ولد في مدينة بيسان الغور، وعاش في فلسطين وسكنها، ودخل الكوفة والأندلس، وكان يصاحب الخلفاء لنصحهم فلما مات عمر بن عبد العزيز أبى أن يصاحب أحدًا من الخلفاء، ولما قدم يزيد بن عبد الملك بيت المقدس فسأل رجاء بن حيوة أن يصحبه فأبى واستعفاه فقال له عقبة بن وساج: إن الله ينفع بمكانك فقال: إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا فقال له عقبة: إن هؤلاء القوم قل ما باعدهم رجل بعد مقاربة إلا ركبوه قال: إني أرجو أن يكفيهم الذي أدعوهم له.
تعلم علي يدي أمهات المؤمنين، وكان رجاء يقول: طفنا في نساء رسول الله فسألناهن هل رأيتن رسول الله يصلي هاتين ركعتين قبل المغرب حين يؤذن المؤذن فقلن لا غير أم سلمة قالت صلاها عندي حين أذن بلال للمغرب فقلت يا نبي الله ما هذه الصلاة هل حدث شيء قال: "لا ولكن كنت أصليهما ركعتين قبل العصر فنسيتهما فصليتهما الآن". وأخذ عن عدد من الصحابة، وروى عن معاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عمر، وأبي أمامة الباهلي، وجابر بن عبد الله، وقبيصة بن ذؤيب وغيرهم من أصحاب رسول الله . وتعلم على يديه خلق كثير، وروى له مسلم والأربعة.
كان أحد الأئمة التابعين، وضعه أصحاب السير في الطبقة الثانية من التابعين وأورده صاحب تهذيب التقريب في الطبقة الثالثة.
أهم ملامح شخصيته
علمه وفقهه
تعلم رجاء بن حيوة على يد ثلة من الصحابة الأخيار، وعلى يد أمهات المؤمنين، فبلغ من العلم مكانة كبيرة دفعت مكحول - أحد أئمة التابعين - عندما تعرض له مسألة يقول سلوا شيخنا يريد رجاء بن حيوة، ومن مواقفه التي تدل على عمق فقهه وفهمه ما ذكره القرطبي في تفسيره عن إدريس بن يحيى قال: كان الوليد بن عبد الملك يأمر جواسيس يتجسسون الخلق يأتونه بالأخبار قال: فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد فرفع ذلك إليه فقال: يا رجاء! أذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير! فقال: ما كان ذلك يا أمير المؤمنين فقال له الوليد: قل: آالله الذي لا إله إلا هو قال: الله الذي لا إله إلا هو فأمر الوليد بالجاسوس فضربه سبعين سوطًا فكان يلقى رجاء فيقول: يا رجاء بك يستقى المطر وسبعون سوطا في ظهري! فيقول رجاء: سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم. فهو هنا قد أخذ بحكم الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم على نفسه أو على أن يدله على رجل أو مال رجل وهذا يد ل على مدى علمه وفقهه. ولما دخل في نفس هشام بن عبد الملك شيئًا من قتله غيلان وصالح (وكانا يتكلمان في القدر) فقال له رجاء: لقتلهما أحب إلي من قتل ألفين من الروم، وذلك لأن ضررهما على الأمة كبير، وذلك يدل على غزارة فقهه وعلمه.
إنكاره للبدع
ورد في كتاب [الباعث علي إنكار البدع] عن رجاء بن جميل قال شهدت رجاء بن حيوة في جنازة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الملك بعسقلان فسمع رجلاًًًًً يقول: استغفروا له غفر الله لكم فقال رجاء: اسكت دق الله عنقك، وجاء عن النبي r أنه كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمت ورؤى عليه الكآبة وأكثر حديث النفس.
نصحه لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
لو لم يكن لرجاء بن حيوة موقف غير موقفه الذي أشار به على سليمان بن عبد الملك بولاية عمر بن عبد العزيز لكفاه، فقد كان صادقًا في نصيحته له، يروى عن رجاء بن حيوة أنه قال: لما ثقل سليمان بن عبد الملك رآني عمر في الدار أخرج وأدخل وأتردد فدعاني فقال لي: يا رجاء، أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين أو تشير بي عليه إن استشارك فوالله ما أقوى على هذا الأمر فأنشدك الله إلا صرفت أمير المؤمنين عني فانتهرته وقلت: إنك لحريص على الخلافة لتطمع أن أشير عليه بك فاستحيا ودخلت فقال لي سليمان: يا رجاء من ترى لهذا الأمر وإلى من ترى أن أعهد؟ قلت: يا أمير المؤمنين، اتق الله فإنك قادم على الله، وسائلك عن هذا الأمر وما صنعت فيه قال: فمن ترى؟ فقلت: عمر بن عبد العزيز قال: كيف أصنع بعهد أمير المؤمنين عبد الملك إلى الوليد وإلي في ابني عاتكة أيهما بقي؟ قلت: تجعلهما من بعده قال: أصبت ووفقت جئني بصحيفة فأتيته بصحيفة فكتب عهد عمر ويزيد من بعده وختمها، ثم دعوت رجالاً فدخلوا عليه فقال لهم: إني قد عهدت عهدي في هذه الصحيفة ودفعتها إلى رجاء وأمرته أمري وهو في الصحيفة اشهدوا واختموا الصحيفة؛ فختموا عليها وخرجوا فلم يلبث سليمان أن مات؛ فكففت النساء عن الصياح وخرجت إلى الناس فقالوا: يا رجاء، كيف أمير المؤمنين؟ قلت: تعلمون منذ اشتكى أسكن منه الساعة قالوا: لله الحمد فقلت: ألستم تعلمون أن هذا عهد أمير المؤمنين وتشهدون عليه؟ قالوا: بلى قلت: أفترضون به؟ قال هشام: إن كان فيه رجل من ولد عبد الملك وإلا فلا، قلت: فإن فيه رجل من ولد عبد الملك قال: فنعم إذا، قال: فدخلت فمكثت ساعة ثم قلت: للنساء اصرخن، وخرجت فقرأت الكتاب والناس مجتمعون.
تقواه وورعه
عن العلاء بن روبة قال: كانت لي حاجة إلى رجاء بن حيوة فسألت عنه فقالوا: هو عند سليمان بن عبد الملك قال: فلقيته فقال: ولى أمير المؤمنين اليوم ابن موهب القضاء ولو خيرت بين أن ألي وبين أن أُحمل إلى حفرتي لاخترت أن أًحمل إلى حفرتي قلت: إن الناس يقولون إنك أنت الذي أشرت به قال: صدقوا إني نظرت للعامة ولم أنظر له. ومن ورعه أنه كان لا يُفتي خوفًا من الفتوى فقد أورد ابن خيثمة في مؤلفه العلم. كان رجاء ومحمد والقاسم شيئًا واحدًا لا يكادون يفتون في الشيء.
الموالاة لله والبغض في الله
عن عبيد بن أبي السائب حدثني أبي قال قال: لي رجاء بن حيوة إذا أتيت بلال بن سعد فقل له إن رجاء بعثني إليك وقد كره أن يقرأ عليك السلام ويقول اللهم إنه بلغني أنك تكلم قال ابن السمرقندي تكلمت بكلام من كلام المكذبين بمقادير الله فإن كان وقع ذلك في نفسك شيء وإن يك ذلك زيغا أو خطأ فراجع من قريب حتى يعلم المكذبون بمقادير الله أن قد فارقتهم وتركت ما هم عليه.
الحلم والأناة
أورد الغزالي في إحياء علوم الدين مما يدل علي حلم رجاء بن حيوة "أتى عبد الملك بن مروان بأسارى فيهم ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة ما ترى قال إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو فعفا عنهم".
من كلماته
يقول رجاء: الحلم أرفع من العقل لأن الله تسمى به.
وقال: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك الحسد والفرح.
وقال: يقال ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان وما أحسن الإيمان يزينه التقى وما أحسن التقى يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه الحلم وما أحسن الحلم يزينه الرفق.
وكان يقول: من لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه ومن لم يرض من صديقه إلا بإخلاصه له دام سخطه ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه
قالوا عنه
قال مطر الوراق: ما رأيت شاميًا أفقه منه.
وقال مكحول: رجاء سيد أهل الشام في أنفسهم.
وقال مسلمة الأمير: برجاء وبأمثاله ننصر.
وقال ابن سعيد: كان رجاء فاضلاً ثقة كثير العلم.
وقال أبو أسامة: كان بن عون إذا ذَكَرَ من يُعجبه ذكر رجاء بن حيوة.
وقال بن عون: لم أر مثل رجاء بالشام.
وسأل هشام بن عبد الملك فقال: من سيد فلسطين؟ قالوا: رجاء بن حيوة.
الوفاة
ورد في طبقات خليفة بن خياط أن "رجاء بن حيوة مات سنة اثنتي عشرة ومائة".
أهم مصادر الدراسة
تاريخ دمشق - نفح الطيب - مسند الشاميين - تذكرة الحفاظ - تفسير القرطبي - الدر المنثور - حلية الأولياء - الطبقات الكبرى - تاريخ بغداد - طبقات ابن خياط - الجرح والتعديل - لسان الميزان.
قصة الإسلام