قصة أذية فاطمة الزهراء من نساء قُريش
*
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) يَرْفَعُهُ إِلَى سَلْمَانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ أَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَى يَدَيْهِ ،
إِذَا دَخَلَتْ فَاطِمَةُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) وَهِيَ تَبْكِي .
فَوَضَعَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا وَقَالَ :
مَا يُبْكِيكِ لَا أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكِ يَا حُورِيَّةُ ؟!
قَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) :
مَرَرْتُ عَلَى مَلَإٍ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَهُنَّ مُخَضَّبَاتٌ ، فَلَمَّا نَظَرْنَ إِلَيَّ وَقَعُوا فِيَّ وَفِي ابْنِ عَمِّي .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا : وَمَا سَمِعْتِي مِنْهُنَّ ؟
قَالَتْ : قُلْنَ كَانَ قَدْ عَزَّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقِيرِ قُرَيْشٍ وَأَقَلِّهِمْ مَالًا .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا :
وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةِ ، مَا زَوَّجْتُكِ وَلَكِنَّ اللَّهَ زَوَّجَكِ مِنْ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فَكَانَ بَدْوُهُ مِنْهُ ، وَذَلِكِ أَنَّهُ خَطَبَكِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعِنْدَ ذَلِكِ جَعَلْتُ أَمْرَكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْسَكْتُ عَنِ النَّاسِ ، فَبَيْنَا صَلَّيْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ الْفَجْرِ إِذْ سَمِعْتُ حَفِيفَ الْمَلَائِكَةِ وَإِذَا بِحَبِيبِي جَبْرَئِيلَ وَمَعَهُ سَبْعُونَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُتَوَّجِينَ مُقَرَّطِينَ مُدَمْلِجِينَ ، فَقُلْتُ مَا هَذِهِ الْقَعْقَعَةُ مِنَ السَّمَاءِ يَا أَخِي جَبْرَئِيلُ ؟
فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا مِنَ الرِّجَالِ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمِنَ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) ، فَزَوَّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ .
فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَتَبَسَّمَتْ بَعْدَ بُكَائِهَا وَقَالَتْ :
رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا : أَلَا أَزِيدُكِ يَا فَاطِمَةُ فِي عَلِيٍّ رَغْبَةً ؟
قَالَتْ : بَلَى .
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا :
لَا يَرِدُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رُكْبَانٌ أَكْرَمُ مِنَّا أَرْبَعَةٌ ، أَخِي صَالِحٌ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى نَاقَتِهِ وَعَمِّي حَمْزَةُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى نَاقَتِيَ الْعَضْبَاءِ وَأَنَا عَلَى الْبُرَاقِ وَبَعْلُكِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ .
فَقَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) : صِفْ لِيَ النَّاقَةَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَتْ ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا : نَاقَةٌ خُلِقَتْ مِنْ نُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مُدَبَّجَةُ الْجَنْبَيْنِ صَفْرَاءُ حَمْرَاءُ الرَّأْسِ سَوْدَاءُ الْحَدَقِ ، قَوَائِمُهَا مِنَ الذَّهَبِ خِطَامُهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ ، عَيْنَاهَا مِنَ الْيَاقُوتِ وَبَطْنُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ ، عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يُرَى بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، خُلِقَتْ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ تِلْكِ النَّاقَةُ مِنْ نُوقِ اللَّهِ ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ رُكْناً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالرُّكْنِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْوَاعِ التَّسْبِيحِ ، لَا يَمُرُّ عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَنْ هَذَا الْعَبْدُ مَا أَكْرَمَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟! أَتَرَاهُ نَبِيّاً مُرْسَلًا أَوْ مَلَكاً مُقَرَّباً أَوْ حَامِلَ عَرْشٍ أَوْ حَامِلَ كُرْسِيٍّ ؟! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ :
﴿أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ هَذَا بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ، هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ﴾ .
فَيَبْدُرُونَ رِجَالًا رِجَالًا فَيَقُولُونَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، حَدَّثُونَا فَلَمْ نُصَدِّقْ وَنَصَحُونَا فَلَمْ نَقْبَلْ .
وَالَّذِينَ يُحِبُّونَهُ تَعَلَّقُوا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى كَذَلِكِ يَنْجُونَ فِي الْآخِرَةِ .
يَا فَاطِمَةُ ، أَلَا أَزِيدُكِ فِي عَلِيٍّ رَغْبَةً ؟
قَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) : زِدْنِي يَا أَبَتَاهْ .
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا : إِنَّ عَلِيّاً أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَارُونَ لِأَنَّ هَارُونَ أَغْضَبَ مُوسَى وَعَلِيٌّ لَمْ يُغْضِبْنِي قَطُّ ، وَالَّذِي بَعَثَ أَبَاكِ بِالْحَقِّ نَبِيّاً مَا غَضِبْتُ عَلَيْهِ يَوْماً قَطُّ وَمَا نَظَرْتُ فِي وَجْهِ عَلِيٍّ إِلَّا ذَهَبَ الْغَضَبُ عَنِّي ، يَا فَاطِمَةُ أَ لَا أَزِيدُكِ فِي عَلِيٍّ رَغْبَةً ؟
قَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) : زِدْنِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ .
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَهَا :
هَبَطَ عَلَيَّ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ عَلِيّاً مِنَ السَّلَامِ السَّلَامَ .
فَقَامَتْ وَقَالَتْ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا) :
رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِكَ يَا أَبَتَاهْ نَبِيّاً وَبِابْنِ عَمِّي بَعْلًا وَوَلِيّاً .
*
المصدر : (البحار : ج43، ص150، عن كتاب الروضة الفضائل لابن شاذان .)