أيّ القولَيْنِ أصحُّ :
- والله الهادي الى سواء السبيل .
- والله الهادي لسواء السبيل ؟
الجَوابُ
تجوزُ ثلاثةُ أوجُه:
1 - التعدية بدون حرف الجر [ والله الهادي سَواءَ السبيل ]، والدّليل عليه قولُه تعالى:
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ}الأعراف148.
2 - التعدية باللام [ والله الهادي لِسَواءِ السّبيل ]، والدّليلُ عليه قولُه تعالى:
[فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] البقرة،213
[هذه الآية جمعت بين التعدية باللاّم والتّعدية بإلى]
3 - التعدية بإلى [ والله الهادي إلى سواءِ السّبيل ]، والدّليلُ عليه قولُه تعالى:
يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة142
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}النساء175
وقال الشّاعر الـجُمَيْحُ بن سُدَيْدٍ التغلبـي:
مُسْحَنْفِرٌ يَهْدِي إِلـى ماء رِوَى \\// طامِي الـجِمام لَـمْ تَمَخَّجْه الدِّلاَ
وقد استعمل العلماء وجهينِ من هذه الأوجه في مصنَّفاتِهِم، انظر مثلاً :
واللهُ الهادي إلى الصَّوَابِ [المُغرِب في ترتيب المعرب، للمُطرِّزي]
والله الهادي للصواب [نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري]
والله الهادي إلى غوامض الأمور [الفصول والغايات للمعري]
والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل [ما دلّ عليه القرآن... للألوسي]
و المُلاحَظُ أنّ الفعلَ "هَدى" يتعدّى بنفسِه ثمّ بحرفِ الجرّ [اللاّم و إلى]
و لا شكَّ أنّ الوجوه اللّفظيَّةَ الثّلاثةَ تدلّ على وجوهٍ معنويّةٍ مختلفةٍ أيضاً
فالفعلُ هَدى هُدًى وهَدْياً وهِدايةً وهِـدْيةً وهَداه للدِّين، أي أرشدَه إليه وقد كانَ بعيدا عنه فبيّنَ له علاماتِ الطّريقِ إلى الدّين
أمّا هداه في الدّين فهو ليسَ بعيداً عن الدّين، بل هو في صميمِ الدّين، ولكنّ الله بيّنَ له أوجه الحقّ والصّوابِ وأخصرَ الطّرقِ للوصولِ إليها،
وأمّا هَدى بلا مفعولٍ ثانٍ يُفيد المهديَّ إليه، نحو قولِه تعالى: « وأَما ثَمُودُ فهَدَيْناهُم » فمعناه بَيَّنَّا لهم طَرِيقَ الهُدى، وطريق الضلالة فآثرُوا الضلالةَ على الهُدَى ، ولكنّ البَيانَ للهُدى جاءَ مُطْلَقاً بِلا قيدٍ من حرفِ جرّ.
وقد رَوى اللّغويّونَ [كالليث وأبي عَمْرو بنِ العَلاء] بعضَ لغاتِ العربِ يُستعملُ فيها الفعلُ "هَدى" بمعنى بيَّنَ: هَدَيْتُ لك في معنى بَيَّنْتُ لك، وقوله تعالى: « أَوَلم يَهْدِ لهم » : أَوَلم يُبَيِّنْ لهم
وفي الحديث الصّحيح الذي رواه مُسلم: عن أبي بردَة عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: قل اللهم اهدني وسددني، واذكُر بالهُدى هدايَتَكَ الطريقَ والسدادَ سدادَ السهمِ . والمعنى إِذا سأَلتَ الله الهُدَى فأَخْطِر بقَلْبك هِدايةَ الطَّريق وسَلِ الله الاستقامة فيه كما تتَحَرَّاه في سُلوك الطريق لأَنَّ سالكَ الفَلاة يَلزم الجادّةَ ولا يُفارِقُها خوفاً من الضلال وكذلك الرَّامِي إِذا رَمَى شيئاً سَدَّد السَّهم نحوه ليُصِيبه
وهُنا يَظهرُ أنّ بيانَ الهُدى جاءَ مُطْلَقاً أيضاً
وقوله عز و جل: "الذي أَعْطَى كلَّ شيء خَلْقَه ثم هَدَى" معناه: خَلَق كلَّ شيء على الهيئة التي هي أَصْلَحُ الخَلْقِ له ثم هداه لمَعِيشته
وقولُنا: هدى للحقّ يهدي له، نحو قولِه تعالى: "قُلِ اللهُ يَهْدِي للحقِّ" يقال هَدَيْتُ للحَقِّ وهَدَيْت إِلى الحق بمعنًى واحد لأَنَّ هَدَيْت يَتَعدَّى إِلى المَهْدِيّين ويتعدّى إلى الحقِّ بحرف جر، والمعنى: قل الله يهدي مَن يشاء للحق
فالخلافُ بينَ العبارات : هداه الطّريقَ ، وهداه للطّريقِ وهداه إلى الطّريقِ ، خلافٌ بينَ دلالاتِ حروف الجرّ ، فالتّعديةُ بِلا حرفِ جرّ للهدايةِ مُطلَقاً، وأمّا اللاّمُ في [هداه للحقّ] فَفيها معنى التّبيين والتّبليغ، مع وجود معنى الوصلِ أي وَصْل الهادي للمَهديّ بطريقِ الهُدى، وأمّا "إلى" في [هداه إلى الحقّ]، فتُفيد التّبيين والتّبليغَ أيضاً ولكن مع وجودِ معنى الفَصْل، لوجودِ المسافةِ.