كان هناك رجل يعمل استاذاً في احدي الجامعات، وقد عرف عن هذا الرجل التقوي والورع، وذات يوم انتقل هذا الرجل الي احدي الدول الاوروبية وهي بريطانيا، وهناك شعر بالتعب الشديد فذهب الي احدي المستشفيات وهناك اجمع الاطباء انه يعاني من مرض خطير في قلبه ويحتاج الي اجراء عملية جراحية خطيرة قد تودي بحياته، فما كان من هذا الرجل إلا ان قال للاطباء انه سوف يعود الي وطنه يسلم علي اهله واولاده ويرد الامانات الي اصحابها ثم يعود لإجراء العملية، حذره الاطباء من التأخر لأن حالته سوف تزداد سوءاً .
وبالفعل عاد الرجل الي وطنه وجلس مع اولاده وحاول أن يصبرهم علي فراقه واخبرهم أنه ربما لا يعود اليهم مرةة اخري، وسلم علي اهله واقاربه واصدقاءه واستعد للقاء الله عز وجل، ويحكي هذا الرجل قصته قائلاً : ذهبت الي احد اصدقائي في مكتبه حتي اسلم عليه، وكان عند مكتبه جزار فنظرت وانا جالس في المكتب، وجدت امرأة عجوز تحمل في يدها كيس صغير تجمع فيه ما يتساقط علي الارض من العظام واللحم والشحم الذي يتبقي من تقطيع هذا الجزار للدبائح .
لم استطع ان امنع فضولي، اسرعت الي هذه المرأة العجوز فقد استغربت كثيراً من فعلها وسألتها عن سبب قيامها بذلك، فقالت لي يا اخي ان لدي خمس فتيات صغيرات لا احد يعيلهم، ومنذ عام كامل لم اتذوق انا وبناتي طعم اللحم، فأحببت ان يشموا حتي رائحته وإن لم يأكلو منه او يشربوا من مرقه .
اخذ الرجل يبكي في حرقة من حال هذه المرأة المسكينة، ثم اعطي للجزار مبلغ كبير من المال قائلاً : يا فلان كل أسبوع تأتيك هذه المرأة فتعطيها من اللحم على حسابي، قالت المراة : لالا انا لا اريد شيئاً، فصمم الرجل علي اخذها ما تحتاج من اللحم ودفع لهذا الجزار سنة كاملة مقدمة ثمناً للحم الذي تأخذه هذه المراة كل اسبوع، فقالت المرأة : انا لا احتاج سوي كيلو واحد فقط في الشهر، فقال الرجل : بل اجعلها كيلوين، اخذت المرأة تبكي وهي تدعو له .
انتهي الموقف وعاد الرجل الي بريطانيا لاجراء العملية الجراحية، تعجب الطبيب كثيراً عندما كشف عليه وسأله : أين تعالجت؟ فسأله الرجل : ماذا تقصد ؟ قال الطبيب : اخبرني عن المشفي الذي ذهبت إليه، قال الرجل : والله ما ذهبت إلى أي مستشفى سلمت على أولادي ورجعت، ازدادت دهشة الطبيب واخذ ينكر كلام الرجل قائلاً : مستحيل، ان قلبك سليم تماماً ليس به اي شئ، فإما يكون الرجل لست أنت أو إنك ذهبت إلى مستشفى آخر !!… فأرجوك أن تعطيني دوائك فما الذي أخذت، بكي الرجل وهو يجيب الطبيب : والله لم اخذ شيئاً سوي دعاء امرأة عجوز .
( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) .