يبدو أن العديد من المحللين في مجال بناء السلام يتوقعون أن الحروب العنيفة في المستقبل سوف تتخذ على الأرجح شكل حروب الموارد، والتي يمكن فهمها على أنها تلك الصراعات التي تدور أساسًا من أجل الوصول إلى الموارد النادرة مثل الأرض أو المعادن النادرة أو المياه أو النفط والغاز… إلخ.
السبب الكامن وراء هذا الافتراض هو أنه مع استمرار ارتفاع عدد سكان العالم، واستمرار نمو الطلب على الموارد، هناك احتمال كبير لاندلاع الصراعات على الموارد الطبيعية لأن الموارد هنا ثابتة بل تنقص وتزداد سوءًا مع مرور الوقت.
وذلك بسبب إفساد الإنسان للبيئة سواء كان ذلك للجو عن طريق حرائق المصانع أو الماء عن طريق تصريف المجاري والمخلفات. إلخ. ويرى مؤيدو هذا الرأي بأن ندرة الموارد قد تكون السبب الكامن وراء العنف لأنه بمثابة مؤشر على ضعف الاستمرار.
هل ندرة الموارد هي السبب حقًا في إندلاع الصراعات ؟
يرى آخرون بأن وفرة الموارد وليس ندرة الموارد، قد تكون سببًا للصراعات أيضًا. فكلما زاد عدد الموارد، زاد التنافس على الوصول إلى مورد معين والتحكم فيه. بتعبير أدق كلما ارتفع العائد الاقتصادي زاد التنافس وزاد احتمال اندلاع صراع عنيف.
ومن المثير للاهتمام أيضًا، أن ندرة الموارد أو وفرتها تدفع المجتمع مباشرة إلى طريق الصراع العنيف. يمكن لموارد مثل المياه والأرض وغيرها أن تكون أسبابًا مهمة، لكن بالإضافة لمزيج معقد من العوامل السياسية والثقافية والاقتصادية التي تولد العنف في النهاية.
تعد الظروف المؤسسية للمجتمعات المعنية وهيكل السلطة السياسية ونوعها، وكذلك الآليات العالمية التي تلعبها والسياق التاريخي، مهمة بنفس القدر، إن لم يكن أكثر من التوافر الفعلي للموارد، وذلك بسبب أن الآثار السلبية التي تخلفها الحروب والنزاعات قد تزيد خطورتها عن قيمة المورد المتنازع عليه.
باختصار، إن ندرة الموارد أو وفرة الموارد قد تلعب دورًا في تمكين اندلاع النزاع العنيف المحتمل، اعتمادًا على الظروف التاريخية والسياقية الخاصة للحالة. ومن ثم، فإن التعريف الأكثر صرامة لحروب الموارد هو تلك الصراعات العنيفة التي يكون فيها الوصول إلى الموارد الشحيحة أو الوفيرة والسيطرة عليها ذا أهمية خاصة.
في حين أن حروب الموارد ليست بالضرورة ظاهرة جديدة وهناك العديد من الأمثلة التاريخية لهذه، إلا أن هناك العديد من المؤسسات التي تتوقع زيادة المنافسة على الحصول على موارد الطاقة.
منع الصراع وبناء السلام
إذا كان التنبؤ بأن حروب الموارد من المحتمل أن تصبح أكثر شيوعًا في المستقبل هو الصحيح، فينبغي اتخاذ خطوات الآن لمنع اندلاع هذه الصراعات في المقام الأول. ومع ذلك، فإن السؤال هو: ما هي الخطوات التي يمكن أن يتخذها الآن مجتمع بناء السلام للمساعدة في منع اندلاع هذه الأنواع من الصراعات في المقام الأول، وإذا حدثت! فما الذي يمكن عمله في مرحلة ما بعد الصراع للمساعدة في منع تكرار حدوثها ؟
ما المقصود بمصطلح بناء السلام ؟
وفقًا لتعريف يوهان غالتونغ، فإن بناء السلام هو إنشاء وتعزيز المؤسسات والهياكل التي لا تزيل أسباب الحرب أو تقللها بشكل كبير فحسب، بل تخلق الظروف التي يكون فيها السلام هو النتيجة الأكثر ترجيحًا.
بينما يتم تعريف بناء السلام من جامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة (SAIS) على أنه عملية تُيسر إقامة سلام دائم وتحاول منع تكرار العنف من خلال معالجة الأسباب الجذرية والآثار المترتبة على الصراع، من خلال المصالحة وبناء المؤسسات والتحول السياسي والاقتصادي.
ضمن هذان التعريفان لبناء السلام، يمكن اعتبار منع نشوب الصراعات مكونًا من عناصر بناء السلام، لأنه يمثل تلك الأنشطة التي تم اتخاذها لمنع نشوب النزاع.
كيف نقوم بمنع نشوب الصراعات؟ وما هو دور الابتكارات هنا ؟
من المهم أن نلاحظ أن منع نشوب الصراعات المحدد بهذه الطريقة له عاملان رئيسيان :
أولًا: يجب أن يكون هناك نوع من الوعي أو التحذير بأن الصراع اللاعنفي من المحتمل أن يصبح عنيفًا.
ثانيًا: يجب أن يتبع هذا التحذير أنشطة محددة تهدف إلى منع حدوث ذلك. وبالتالي، يتألف منع نشوب الصراعات من كل من الإنذار والاستجابة.
لقد تم القيام بالكثير من الأعمال بشأن الجانب التحذيري لمنع نشوب الصراعات. على سبيل المثال، تم إنشاء أنظمة الإنذار المبكر بأكملها، والتي تستند في بعض الأحيان إلى منهجيات معقدة للغاية، ويُعرّف أحدث أنواع أنظمة الإنذار المبكر على أنه الجيل الرابع (4G) الذي يمكن فهمه على أنه نظام يتركز على جمع المعلومات حول الأشخاص وإنشاء الحلول.
على ماذا تعتمد أنظمة الجيل الرابع ؟
تعتمد أنظمة الجيل الرابع اعتمادًا كبيرًا على الربط الجماعي، حيث تدخل الجهات الفاعلة المحلية ملاحظاتها في منصة مشتركة يمكن الوصول إليها بعد ذلك من قِبل السكان الآخرين وغير المقيمين. ويتم بعد ذلك تعبئة الموارد المحلية والدولية وفقًا للمخاطر والحالة.
ويمكن لأي شخص المشاركة في النظام الأساسي، إما عن طريق الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني أو إدخال المعلومات مباشرة عبر الموقع الإلكتروني.
في حين أن الأمثلة المذكورة أعلاه لمختلف أنظمة الإنذار المبكر بشبكة 4G مهمة في الاعتبار من حيث الطرق المختلفة التي يمكن بها بناء هذه الأنظمة فعليًا والتركيز المختلف لأنشطة المراقبة الخاصة بها، والتي تتراوح من جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالانتخابات الجماعية التي يتم تقديمها عبر الرسائل النصية القصيرة إلى رصد الفيضانات والجفاف، فإنه من المهم أيضًا التفكير بعبارات أكثر تحديدًا في كيفية رصد ندرة الموارد بحد ذاتها.
نظرًا لأن المجتمع يتكون من العديد من الجهات الفاعلة المختلفة، فإن التعاون مع مجموعة أوسع من الجهات الفاعلة المحلية، ليس فقط من أجل جمع البيانات، ولكن أيضًا لتنفيذ الحلول، قد يؤدي في النهاية إلى تأثيرات واسعة وإيجابية وطويلة الأمد.
قد لا يكون الوصول إلى مورد واحد كافيًا لتحفيز الجماعات المحلية على النزاعات العنيفة، ولكن إلى جانب عوامل أخرى مثل السلطة الطبقية أو عزل مجموعة اجتماعية، سيؤدي في بعض الحالات لتوليد صراع عنيف. قد يكون تصميم أداة المراقبة هذه وتكييفها لتلبية الاحتياجات المحلية المحددة مفيدًا لرصد ليس فقط احتمال نشوب صراع عنيف بل وأيضًا لوضع الخطط اللازمة لتحقيق تنمية مستدامة أكثر شمولية.
الخلاصة
تلعب الموارد دورًا هامًا في حل النزاعات العنيفة بشكل دائم والذي يتحقق جزئيًا بهدف
منع اندلاع المزيد من العنف. لذلك ينبغي بناء السلام على هذا المنظور الواسع، حيث يمكن تحديد إجراءات وقائية محددة مثل بناء آليات إدارة الموارد الطبيعية في اتفاقيات السلام، وذلك لمنع أي سوء تفاهم في المستقبل.
محمد رضا - أراجيك