بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تفخر الزوراء في موسى على
طور سيناء وتسمو في علاها
قف بها وقفة عبد وأطـل
وقفة العيس بها والثم ثراهـا
واذر دمع العين في ساحاتها
فلمن تدخر العين بكـاهـا
وابك فيها كاظم الغيظ الذي
مات مسموما بأيدي أشقياهـا
بأبي من طال ظلما حبـسه
وهو للأعداء لو شاء مـحـاها
************
السلام عليك يا حليف السّجدة الطويلة ومقر النهي والخير والفضل والندي، ومألف البلوى والصبر والمضطهد المعذب في قعر السجون ذي الساق المرضوض بالقيود والوارد على جده المصطفى بأرث مغصوب وسم مشروب الإمام الصابر موسى بن جعفر ورحمة الله وبركاته.
************
أريج من الاخلاق المحمديـة
قال مؤلف كتاب عمدة الطالب: كان موسى الكاظم – عليه السلام – عظيم الفضل رابط الجأش واسع العطاء وكان يضرب بجوده المثل ويقولون عجبا لمن جاءته صرّة موسى فشكا القلّة. وقال الشيخ المفيد في الارشاد: ولم ير في زمانه أسخي منه ولا أكرم نفسا وعشرة وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلهم وأفقههم واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته والتعظيم لحقه والتسليم لأمره.
ثم قال: وروي انه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين و النقود والأدقة والتمور فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو. أي كان – عليه السلام – يتخفي كآبائه– عليه السلام – في عطاياه الجزيلة.
************
وقال الحافظ الحلبي في كتاب المنقب: كان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ تحزن وبكي وبكى السامعون لتلاوته وكان أجل الناس شانا وأعلاهم في الدين مكانا وأفصحهم لسانا وأشجعهم جنانا قد خصه الله بشرف الولاية وحاز ارث النبوة وبوأ محل الخلافة سليل النبوة.
وروي أبوالفرج في مقاتل الطالبيين بسنده عن يحيى بن الحسن قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين إلى المائة الدينار وكانت صرار موسى مثلا.
وروي أنه عليه السلام مر برجل من أهل السواد دميم المنظر فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة ان عرضت، فقيل له يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟ فقال عليه السلام عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله يجمعنا وإياه خير الآباء آدم وأفضل الأديان الاسلام ولعل الدهر يرد من حاجتنا إليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه.
************
اعطف على الكرخ من بغداد وابك بها
كنزا لعلم رسول الله مخزونا
موسى بن جعفر سرّ الله والعلم المبيـن
في الدين مفروضا ومسنونا
باب الحوائج عند الله والسبب الموصول
بالله غوث المستغيثيـنا
الكاظم الغيظ عمن كان مقـتـرفـا
ذنبا ومن عم بالحسنى المسيئينا
************
يوم الخامس والعشرين من شهر رجب ذكري إستشهاد صبّار آل محمد الإمام الكاظم – عليه السلام –
ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار ان هارون العباسي كان يقول لموسى: خذ فدكا وهويمتنع فلما ألح عليه
قال: ما آخذها إلا بحدودها.
قال هارون: وما حدودها؟
قال: الحد الأول عدن.
فتغير وجه الرشيد قال: والحد الثاني؟
أجاب عليه السلام: سمرقند؟
فأربد وجه الرشيد وقال: والحد الثالث؟
قال: إفريقية؟
فاسود وجهه قال: والحد الرابع؟
قال: سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية؟
فقال هارون: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي.
فقال موسى: قد أعلمتك اني ان حددتها لم تردها فعند ذلك عزم على قتله واستكفى امره.
وروي الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن إسماعيل قال بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة هي: (انه لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.)
************
إن الفرق بين الإمام الكاظم – عليه السلام – وأمثال الطاغية هارون هوأن أئمة العترة يريدون الحكم لخدمة الخلق وهدايتهم والطواغيت يطمعون فيه لإستعباد الخلق واستنزافهم؛
يا ابن النبيين كم أظهرت معجزة
في السجن أزعجت فيها الرجس هارونا
وكم بك الله عافى مبتلى، ولكم
شافى مريضـا وأغنى فيك مسكينـا
لم يلهك السجن عن هدي وعن نسك
إذ لا تزال بذكر الله مفتونـا
وكم أسروا بزاد أطعمـوك به
سما فأخبرتهم عمـا يسرونـا
وللطبيب بسطت الكف تخبره
لما تمكن منها السـم تمكيـنا
بكت على نعشك الأعداء قاطبة
ما حال نعش له الأعداء باكـونـا
************
أسلمت مع موسى للإلـه
روي ان هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر– عليه السلام – جارية لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن، فقال – عليه السلام – لمبعوث الطاغية: قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون). لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها، فاستطار هارون غضبا لما جاءه جواب الإمام وقال لخادمه: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده وانصرف فمضي الخادم ورجع، وبعد حين بعث الطاغية الخادم إليه – عليه السلام – ليستفحص عن حال الجارية فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها، تقول: قدوس، سبحانك سبحانك.
فلما رجع الخادم بخبرها قال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره.
************
وقول هارون العباسي هذا – مستمعينا الأفاضل – يذكرنا ويذكركم بما كان يقوله مشركو قريش عن جد الكاظم المصطفي – صلى الله عليه وآله –، وعلى أي حال فقد أراد هارون أن يغري الامام – عليه السلام – ويشغله عن أهدافه بجمال الحسان ومتع الحياة، منطلقا من فهمه وتقويمه هو لنفسه، وما دري أن سليل المصطفي مستغرق في جمال الحق وفان بحب الله، قد أعرض عن الدنيا وزينتها، فلا الجواري يشغلن باله، ولا متع الحياة تستهوي نفسه، بل هو داعية حق، وصاحب رسالة قد نذر نفسه لمبادئه، وأوقف ذاته على ذات الله سبحانه، فغدا منارا يهدي بقوله وعمله، وداعية يرشد بصمته ونطقه، فصمته نطق بلسان العمل، ونطقه هدي بكلمة الحق، لذا استهوى هديه قلب الجارية، واستولى سلطان روحه على روحها وعقلها حتى غدت تنادي سبوح، قدوس، مشدوهة ساجدة، بعد أن كانت ترتع في مسارح اللهو، وتكرع في كؤوس الهوى والغرام، وتقضي وقتها وهي تداعب أوتار الطرب وأنغام الشعر، وتستمتع بحلل الديباج وعقود اللؤلؤ، فصار ديدنها الصلاة والتسبيح والتقديس حتى ماتت، وقيل إن موتها ــ رضوان الله عليها ــ كان قبل شهادة الإمام موسى ابن جعفر– عليه السلام – بأيام؛ وكان موتها بالسم أيضاً، أمر بقتلها الطاغية العباسي لكي لا يزيد مايراه الناس من تغيير حالها من ايمانهم بالإمام ــ عليه السلام ــ ولكي لا تتحول في أعينهم إلى داعية للدين الحق بغير لسانها.
************
كم جرعتك بنوالعباس من غصص
تذيب أحشاءنا ذكرا وتشجينا
قاسيت ما لم تقاس الأنبياء وقـد
لاقيت أضعاف ماكانوا يلاقونا
أبكيت جديك والزهراء أمك والأطهار
آباءك الغـر الميامينـا
************
*******
بنفسي الذي لاقى من القوم صابرا
أذى لو يلاقي يذبلا ساخ يذبل
بعيدا عن الأوطان والأهل لم يـزل
ببغداد من سجن لآخر ينقـل
يعاني وحيدا لوعة السجن مرهقا
ويرسف بالأصفاد وهومكبل
ودس له السم ابن شاهك غيلـه
فأدرك منه الرجس ما كان يأمل
ومات سميما حيث لا متعطـف
لديه ولا حان علـيه يعلـل
قضي فغدا ملقى على الجسر نعشه
له الناس لا تدنو ولا تتوصـل
ونادوا على جسر الرصافة حوله
نداء تكاد الأرض منـه تزلزل
فقل لبني العباس فيم اعتذارهـا
عن الآل لو أن المعاذير تقبـل
بحيث رسول الله والطهر فاطـم
خصيمان والرحمن يقضي ويفصل
يمينا لقد زادت بما هي قد جنت
على ما جنته عبد شمس ونوفـل
رمت قبلها حرب فأصمت سهامها
وسهم بني الأعمام أدمى وأقتـل
************
شهادة راهب العترة
عندما أراد الطاغية هارون سجن الإمام الكاظم – عليه السلام – أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده، واستدعي قبتين فجعله في إحداهما على بغل، وجعل القبة الأخري على بغل آخر، وخرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان، ومع كل واحدة منهما خيل، فافترقت الخيل فمضي بعضها مع إحدي القبتين على طريق البصرة، والأخري على طريق الكوفة، وكان أبوالحسن عليه السلام في القبة التي مضي بها على طريق البصرة. وإنما فعل ذلك هارون ليعمي على الناس الأمر ويأمن ردود فعلهم، ثم أمر القوم أن يسلموه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكان والياً على البصرة حينئذ – فسلم إليه فحبسه عنده سنة، ثم كتب إليه يأمره بقتل الإمام عليه السلام فاستدعي عيسى بن جعفر بعض خاصته وثقاته فاستشارهم فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه، فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له: قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة، ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك ولا على ولا ذكرنا في دعائه بسوء، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة والرحمة، فإن أنت أنفذت إلى من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فإنني متحرج من حبسه.
وروي أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه يسمعه كثيرا يقول في دعائه وهو محبوس عنده: اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد. فوجه الرشيد من تسلمه من عيسى بن جعفر، وصير به إلى بغداد.
************
أبكيك رهن السجون المظلمات وقد
ضاق الفضا وتوالي حولك الرصد
لبثت فيهن أعـوامـا ثمانيـة
ما بارحتك القيود الدهم والصفـد
تمسي وتغدوبنوالعباس في مـرح
وأنت في محبس السندي مضطهد!
دسوا إليك نقيع السم في رطـب
فاخضر لونك مذ ذابت به الكبـد
حتي قضيت غريب الدار منفـردا
لله ناء غريب الدار منـفـرد
************
أبكي لنعشك والأبصار ترمقه
ملقي على الجسر لا يدنوله أحد
أبكيك ما بين حمالين أربـعة
تشال جهرا وكل الناس قد شهدوا
نادوا عليه نداء تقشعر له السبع
الطباق فهلا زلـزل البـلد
************
ولما رفض عيسى بن جعفر والى البصرة قتل الامام عليه السلام حين كلف بذلك أمر الطاغية هارون بنقله إلى سجن الفضل بن الربيع، فأثرت شخصيته (ع) في نفس الفضل بن الربيع، كما أثرت في نفس عيسى بن جعفر من قبل، فرفض الفضل قتل الامام وتحمل أوزار الجريمة التي أراد منه الرشيد أن يرتكبها فلم يجد الرشيد بدا من نقله إلى الفضل بن يحيى، فاستلمه الفضل بن يحيى، ووسع عليه وخفف عنه أعباء السجن، وطلب منه الرشيد أن ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض، وحينما علم الرشيد بالمعاملة الحسنة التي يبديها الفضل بن يحيى للامام شق عليه هذا الميل، وعظم عليه هذا الموقف فأمر بمعاقبة الفضل، فجرد من ثيابه، وضرب مئة سوط في مجلس العباس بن محمد.
ومع إنتشار أخبار ما أظهره الإمام – عليه السلام – في سجن هارون من الدلائل والمعجزات تحير الرشيد العباسي ودعا يحيى بن خالد البرمكي، فقال له: يا أبا على أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه؟
فقال يحيى بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه، وتصل رحمه، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا، فقال هارون: إنطلق إليه وأطلق عنه الحديد، وأبلغه عني السلام وقل له يقول لك ابن عمك أنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة، وتسألني العفوعما سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة.
ولما وصل يحيى إلى الإمام موسى بن جعفر وأخبره برسالة الرشيد، رفض الامام أن يلبي طلب الرشيد الذي أراد أن يوقف الامام موقف المخاطب المعتذر، وأجابه برسالة يقول فيها: (وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه).
************
أفديه من متنقل في سجنـه
من عارم يهدي لآخر عـارم
والسجن لم يك منقصا قدراله
أن يرتقي أبدا بوهم الواهـم
ماذا به السندي يلقي ربـه
وهوالخصيم أمام أعدل حاكـم
أيريع حزب الله منه ولا يعض
بحشره سبابة من نـادم
ويذيقه السم النقيع بسجنـه
ظلما ولا يلقي جزاء الظـالم
أفديه من متبتـل لإلـهه
متسربل سربال لـيل فاحـم
وتراه أفضل صائم بنهـاره
وبليله الغربيب أفضل قائـم
************
لم يجد الرشيد في أنصاره وحاشيته أفضل من مدير شرطته في بغداد، السندي بن شاهك، وكان فظا غليظا قاسيا فتسلم الامام (ع) من الفضل بن يحيى، ووضعه في سجنه فأرهقه بالسلاسل والقيود، وضيق عليه وعامله معاملة خشنة قاسية، وحينما بلغ يحيى بن خالد خبر ابنه الفضل شق عليه موقف الرشيد من الفضل وضربه وإهانته، فأراد أن يسترضي الطاغية، ويستميله ويرد اعتباره عنده. فلم ير ثمنا لشراء هذا الرضي الرخيص الا دم الامام الطاهر، وقطع هذا الغصن من شجرة النبوة وفري كبده. فانطلق إلى الطاغية وعرض عليه تولي ترتيب قتل الإمام – عليه السلام – فسر الرشيد بهذا المنفذ المطيع وأذن له بارتكاب الجريمة النكراء، فتوجه يحيى بن خالد إلى بغداد يتأبط الشر. وما أن وصل بغداد حتي اجتمع بالسندي بن شاهك وقدم له صورة المخطط وكيفية التنفيذ، فأجاب متقبلا طائعا فدس السم في رطب قدم للامام، عليه السلام فتناول الامام طعام الغدر والفاجعة وسري السم في جسده الطاهر، وعاني آلامه الشديده ثلاثة أيام، إلى أن فاضت روحه الطاهرة في سجن السندي بن شاهك، شهيداً مسموماً في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين والمئة لهجرة جده الهادي المختار – صلى الله عليه وآله –.
************
أيوضع في الأغلال موسى بن جعفر
ويودع أعواما بقعر سجـون؟!
ويخرج حمالون بالنعش ميـتـا
ليطرح فوق الجسر طرح مهيـن؟!
ينادون هذا للروافض شيخـهم
وليس له من ناصـر ومعيـن
ولولا أثيرت في سليمـان غيرة
وشيعه بالعـز فوق مـتون
لألقي فوق الجسر موسى بن جعفر
ثلاثا غريب الدار مثـل حسيـن
************
عظم الله أجورنا وإجوركم إخوة الإيمان بذكرى إستشهاد مولانا باب الحوائج راهب أئمة العترة المحمدية موسى الكاظم – عليه السلام –.