أقيمت الدولة السامانية (261هـ= 874م/ 389هـ= 999م) في خراسان وبلاد ما وراء النهر على أنقاض الدولة الصفارية، وينتسب السامانيون إلى إحدى الأسر الفارسية العريقة التي كانت تدين بالديانة الزرادشتية، إذ أنَّ جدهم سامان ينتسب إلى بهرام جور أحد ملوك الفرس الساسانيين، وقد أسلم سامان في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، ثم انضم إلى الدعوة العباسية في خراسان وعمل في صفوف أبي مسلم الخراساني.
كان لسامان ولد يدعى أسد، وقد سمّاه بهذا الاسم تيمنًا باسم أسد بن عبد الله والي الأمويين على خراسان وهو الذي أسلم على يديه، وقد أنجب أسد بن سامان أربعة أبناء هم: نوح وأحمد ويحيى والياس، وقد تجلت شجاعة هؤلاء الأخوة الأربعة في خلافة بني العباس وعلا شأنهم، حيث كان لهم دور كبير وواضح في إخماد الثورات والفتن في عهد الخليفة المأمون، فكفأهم ورفع من شأنهم وعينهم ولاة على أهم مدن بلاد ما وراء النهر.
استقل السامانيون بحكم إقليم ما وراء النهر وحكموه باسم الخلافة العباسية مباشرة، وقد اعترفت الخلافة بجهودهم وإخلاصهم وهدفت على مكافأتهم، حيث أرسل الخليفة العباسي في سنة 261هـ= 874م، منشورًا إلى الأمير نصر بن أحمد الساماني بتعيينه أميرًا مستقلًا على جميع بلاد ما وراء النهر، وهذا يعني بداية استقلال الأسرة السامانية وبروز شخصيتها، وبدورهم حرص السامانيون على التمسك بطاعة الخلافة العباسية وكسب مودتها، وقد جدت الخلافة العباسية في السامانيون ولاة مخلصين، فكانت تعتمد عليهم في إقرار سلطانها في المشرق، كما كانوا يدها لضرب الخارجين عليها.
ازدادت شهرة الدولة السامانية ولكنها لم تخلوا من الفتن الداخلية والمشاكل الأسرية، حيث نشبت الصراعات بين الأمير نصر وبين أخيه إسماعيل، ووصل التوتر بينهما إلى مرحلة القتال، حيث تقابل الطرفان في معركة انتهت بالصلح بينهما، وظلت العلاقة طيبة بين الأخوين حتى وفاة الأمير نصر في سنة 279هـ= 892م.
بعد وفاة الأمير نصر أرسل الخليفة العباسي المعتضد منشورًا بولاية إسماعيل خلفًا لأخيه نصر، وبلغت الدولة السامانية أوج قوتها وازدهارها في عهد الأمير إسماعيل الذي نجح في إقرار أمور الدولة وتوسيع ممتلكاتها حتى أصبحت دولة مترامية الأطراف مرهوبة الجانب، وشعر الناس فيها بالاستقرار والأمان، ولأول مرة تتوحد بلاد فارس وبلاد ما وراء جميعها تحت حكم واحد بزعامة الأمير إسماعيل الساماني الذي أظهر خلال سنوات حكمه العدل والإحسان بين رعايا دولته حتى توفي في عام 295هـ= 907م.
تولى سدة الحكم بعد الأمير إسماعيل ابنه أحمد، وقد سار سيرة أبيه في العدل والإحسان إلى الرعية لكنه لم يكن مثل أبيه في المقدرة الإدارية والحربية ولذلك أخذت الدولة في الضعف والانحلال وانقسم البيت الساماني على نفسه طمعًا في رغبة أفراده في الوصول إلى الحكم، ولم يستمر حكم الأمير أحمد بن إسماعيل سوى ست سنوات فقد راحت ضحية مؤامرة أودت بحياته في سنة 301هـ= 914م.
خلف الأمير أحمد بن إسماعيل في الحكم ابنه نصر وكان يلقب بالأمير السعيد، وكان لا يزال صغير السن ولذلك واجهت الدولة في عهده العديد من المشاكل والثورات ولكنه استطاع التغلب على جميع المتمردين، وحافظ على ملك آبائه وأجداده وذاع صيته بفضل انتصاراته واحباط محاولات الخارجين عليه، وفي عام 331هـ= 942م توفي الأمير نصر بن أحمد وقيل تنازل عن الحكم لابنه نوح.
واجه الأمير نوح بن نصر في فترة حكمه العديد من الثورات التي استنفذت من قوة الدولة وأضعفتها، وتوفي في سنة 343هـ= 954م، وتولى من بعده ابن الأمير عبد الملك بن نوح الذ حكم حتى عام 350هـ= 961م، ثم خلفه أخوه منصور بن نوح، ثم نوح بن منصور، ثم منصور بن نوح الثاني، ثم عبد الملك بن نوح الثاني، وفي عهدهم أخذت الدولة السامانية في الضعف والانقراض بسبب خروج القواد عليها، وبسبب إثارة الإضرابات والثورات والقلاقل، والانقسام الشديد بين أمراء البيت الساماني، إضافة إلى الضغط المتزايد من البويهيين وخانات الترك والغزنويين، مما أدى إلى ضعفها وطمع جيرانها بها لينقسم ملكه أخيرًا بين قوتين ناميتين قوة الغزنويين وقوة خانات الترك، وبذلك انتهت الدولة السامانية سنة 390هـ= 999م.
والجدير بالذكر أنَّ السامانيين كانت لهم أدوارًا حضارية وسياسية بارزة، فامتاز عصرهم بنهضة علمية وأدبية رائعة، واتجهوا إلى إحياء الثقافة الفارسية والأدب الفارسي، وظهرت في عهدهم الكتابة باللغة الفارسية إلى جانب اللغة العربية، كما شهد العصر الساماني نهضة صناعية تجلت في صناعة الخزف والورق والسجاد والمنسوجات الحريرية، ومن الناحية السياسية فقد دافع السامانيون عن منطقة الثغور الشرقية ومدوا النفوذ الإسلامي إلى بلاد الترك، ولم يخرجوا يومًا عن تبعية الخلافة العباسية في بغداد، واعتبروا أنفسهم الأداة المطبقة الطيّعة المنفذة لأوامر الخلفاء العباسيين، وتمثل فترة حكمهم العصر الذهبي لتاريخ آسيا الوسطى الإسلامية[1].
[1] انظر: دكتور أحمد محمد عدوان: موجز في تاريخ دويلات المشرق الإسلامي، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، 141هـ= 1990م، ص92- 117، ودكتور: عطية القوصي: تاريخ الدول المستقلة في المشرق عن الخلافة العباسية، مكتبة دار النهضة، 1992- 1993م، ص53- 61، ودكتور عصام الدين عبد الرؤوف الفقي: الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1420هـ= 1999م، ص41- 47، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، 1430هـ= 2009م، ص191- 194.
قصة الإسلام