فاس .. مدينة الأسواق والتجارة عبر التاريخ
ما زالت تعتبر العاصمة العلمية للمملكة المغربية، وواحدة من أهم المدن التجارية والسياحية
تعد مدينة فاس المغربية من أعرق مدن العالم الإسلامي، فمنذ تأسيسها؛ حجزت لنفسها مكانة كمدينة علمية وأحد أهم مراكز الثقافة الإسلامية.
فقد اشتهرت مدينة فاس بمعمارها الإسلامي الأصيل، ومرافقها المتنوعة من مساجد وقصور وفنادق وحمامات وأسواق، الأمر الذي جعلها قبلة للتجار وطلبة العلم منذ القدم.
مدينة فاس بداية التأسيس:.
أسس المولى إدريس الأول ( 743 – 793 م ) مدينة فاس سنة 808 ميلادية على ضفة وادي فاس، حيث قام بتأسيس حي الأندلسيين على الضفة اليمنى، وبعد سنة من ذلك قام بإرساء حي القرويين، كما أحاط المدينة بسور لحمايتها من الأخطار والتهديدات الخارجية.
المرينيون وفاس الجديد :.
شيد المرينيون بعد سيطرتهم على الحكم بالمغرب خلال القرن 13 م، مجموعة من الفنادق الخاصة بمدينة فاس، وكانت هذه الفنادق تخصص لإيواء التجار الأجانب خاصة الميورقيين والكطلانيين.
وأولت السلطة الحاكمة عناية خاصة لهذه الفنادق، فأغلبها كان تتبع ملكية الدولة من باب الهيمنة على النشاط التجاري، أو تخضع لملكية الخواص مثل فنادق بني فدة، وأبي خنوسة، الرضاع، السلجوم.
المدينة تتمتع بمكانة فريدة وهي محجاً للزوار والسياح
واشتهر من بين هذا الصنف؛ فندق ابن حيون وموقعه في الجهة الشرقية من جامع القرويين.
وظائف متنوعة للفنادق:.
كانت فنادق فاس تطلع بمجموعة من الوظائف من أهمها إيواء الغرباء، وإبرام الصفقات، وتخزين البضائع قبل توزيعها على الأسواق.
ونتيجة لذلك؛ فقد حملت بعض الفنادق اسم البضائع التي كانت تختزنها كفندق الشماعين، وفندق الزيت.
فاس مدينة للتجارة:.
انتشرت بفاس مجموعة من الأسواق، و ضمت ما يربو على 9000 حانوتاً متفرقة على مختلف أحياء وشوارع المدينة .
واشتهرت فاس بوجود أسواق مخصصة لبعض الحرف، حيث ارتبط كل سوق بحرفة معينة، كسوق النجارين والصباغين ( صباغة الجلود ) والخرازين والصفارين والصوابين ( صناعة الصابون ).
اشتهرت المدينة في مجال الدباغة والصباغة
إضافة إلى ذلك؛ كانت المدينة تضم قيساريات وأسواق أخرى خاصة بالملابس والحلي.
أسواق تحمل أسماء السلع المعروضة فيها:.
تميزت أسواق فاس قديما بتخصصها، حيث كان كل سوق يتخصص في بيع سلعة معينة ويحمل اسمها، ومن أشهر الأسواق التي انتشرت واشتهرت في فاس نجد ما يلي :
- سوق العطارين : اشتهر هذا السوق ببيع العطور والتوابل ، وكان يضم أكثر من 150 حانوتا.
- أسواق المأكولات : مثل سوق البقالين والسفاجين والخضارين والجزارين.
- سوق العشابين : كان هذا السوق يختص في بيع الأعشاب التي كانت تستعمل في التداوي، والتي تستهلك من طرف فئات واسعة من سكان وقاطني المدينة وحتى زوارها.
وإلى جانب ذلك؛ انتشرت أسواق أخرى كسوق الكتب وسوق الحناء وسوق الفخار.
أسواق للخمر والعبيد :.
استطاع بعض الفاسدين إنشاء أسواق خاصة لبيع الخمر، غير أن هذا الأمر كان يشكل مصدر ازعاج للسلطة والدول الحاكمة أحيانا، خاصة في مراحل قوتها، الأمر الذي أدى إلى محاربتها من طرف هذه الدول.
وفي عهد علي بن يوسف المرابطي ( 1106 – 1143 م ) و بدايات الدولة الموحدية (القرن 12 م ) ؛ تمت محاربة هذا النوع من التجارة ( الخمر ) إضافة إلى محاربة الموسيقى أيضا، وذلك بسبب توظيفها من طرف المعارضين وذلك للتقليل من صورة السلطة الحاكمة في أعين الرعية.
كما انتشرت في فاس أسواق لبيع العبيد، حيث انخرط كبار التجار الفاسيين في هذه التجارة، ويعد سوق البركة من أهم الأسواق المتخصصة في هذا النوع من التجارة.
أسواق مرتبة وأسعار ومكاييل موحدة:.
كانت أسواق مدينة فاس مرتبة ومنظمة حسب روايات المؤرخين، فقد أورد الرحالة الشهير ابن حوقل ( 943 – 988 م) أنه كان يتم غسل الأسواق بالمياه أيام الصيف لتلطيف الجو بها، وتبريد الفواكه والغلات.
وحظيت هذه الأسواق بعناية فائقة من طرف السلطة، حيث تم إصلاحها في عهد الأدارسة والمرابطين والموحدين، كما عمل المرينيون على إصلاح بعضها أيام حكمهم.
تنوع المنتجات وتميزها
وخصصت الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، حراسا لمراقبة أسواق مدينة فاس وتأمينها، كما جعلوا لها أبوابا تغلق ليلا، وإلى جانب ذلك تم تنظيم المكاييل والأسعار .
حيث استعمل تجار فاس عدة مكاييل من أبرزها الوسق ( 720 كيلوغرام ) والصاع والمد، ثم الربع والأوقية.
فبينما خُصِّص الرطل لوزن العسل واللحم والتمر والسمن، كان المد والصاع والقنطار والصحفة يخصص لوزن القمح والشعير والقطاني، في حين خصص الذراع أو القالة لقياس الأثواب.
هذا فيما يخص المكاييل؛ أما فيما يخص الأسعار؛ فقد كانت تخضع لقانون الطلب والعرض، أو تبعا للظروف السياسية والأمنية و الطبيعية.
أسعار السلع المختلفة كانت تخضع إلى آلية الطلب والعرض وظروف السوق
فحينما يكثر الإنتاج تنخفض الأسعار، بينما ترتفع في فترات الجفاف والفوضى والحروب وخلال فترة هجمات الجراد.
مكانة مدينة فاس المرموقة:.
وإلى اليوم؛ مازالت مدينة فاس تحتل مكانة هامة جدا، فهي تعتبر العاصمة العلمية للمملكة المغربية، وواحدة من أهم المدن التجارية والسياحية.