مراكش .. مدينة التاريخ والآثار والتجارة
عرفت المدينة ازدهاراً عمرانياً وتنظيمياً كبيراً في عهد السلطان يوسف بن تاشفين
توطئة:.
تعد مدينة مراكش من أعرق المدن الإسلامية وأكثرها غنىً من حيث المعالم والآثار، فمنذ تشييدها خلال القرن الحادي عشر الميلادي على يد المرابطين القادمين من الصحراء والمدينة تحظى باهتمام كبير من طرف كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب.
فعلى مر تاريخها؛ شكلت المدينة مركزاً تجارياً مهماً وبوابة للمغرب نحو الصحراء الإفريقية الكبرى، الأمر الذي دفع العديد من الدول التي حكمت المغرب إلى إيلائها اهتماماً كبيراً وعناية فائقة.
اختلاف الروايات حول أصل تسمية المدينة:.
تتكون كلمة مراكش من كلمتين هما ” مارو” و ” كوش”، وتختلف الآراء حول أصل تسمية المدينة بهذا الاسم، فهناك من يرجع معناها إلى “امش مسرعا ” بلغة قبيلة مصمودة الأمازيغية.
تميزت المدينة بنمط معمارها
ويرى آخرون أن ” أكش ” اسم إله قديم، بينما يعتقد البعض أن اسم مراكش يرجع إلى الكلمة الأمازيغية ” أمون كوش ” وتنطق بالأمازيغية ” أموراكش” التي تعني بلاد الله أو أرض الله.
وقد ظل اسم مراكش يطلق على المغرب كاملاً من قِبَل الأوروبيين حتى مطلع القرن العشرين.
موقع مراكش في ملتقى الطرق التجارية:.
بنيت مدينة مراكش على أرض شبه صحراوية منخفضة، في جنوب المغرب عند سفوح جبال الأطلس الكبير.
يحيط بمراكش جبل صغير، ويقع بالقرب منها سهل خصب يسمى سهل الحوز، ينحدر انحداراً بطيئا نحو مجرى واد تانسيفت.
وترتفع المدينة عن سطح البحر بـ 450 متراً، ويسودها مناخ شبه جاف، يتميز بالاعتدال والرطوبة في فصل الشتاء، وبالحرارة والجفاف في فصل الصيف.
التجارة إحدى أهم روافع وموارد المدينة
المرابطون يتولون بناء مراكش:.
يعود تاريخ بناء مدينة مراكش إلى القرن الثاني عشر الميلادي، حيث تم التفكير في تشييدها من قِبَل زعيم المرابطين أبوبكر بن عمر اللمتوني عام 451 هـ / 1060 م.
غير أن الصراع الذي نشب بين القبائل المشكلة للمرابطين في الصحراء، دفع اللمتوني (توفي 1087 م) إلى العودة إلى الصحراء وتعيين يوسف بن تاشفين قائداً للمرابطين .
أتم ابن تاشفين عملية البناء، واتخذ المدينة عاصمة للدولة وشيد بها مختلف المرافق والتجهيزات التي تحتاج إليها دولته وجيشه ليستمر في التقدم نحو شمال المغرب الأقصى بغية السيطرة عليه كاملا.
المرابطون يؤسسون مراكش لتكون عاصمة لدولتهم:.
بعد سيطرة المرابطين القادمين من الصحراء على القسم الجنوبي من المغرب الأقصى؛ قرروا بناء مدينة لتكون قاعدة لحملاتهم العسكرية نحو الإمارات الأخرى الموجودة في الشمال والجنوب الشرقي للمغرب، ومن أبرزها إمارات بورغواطة وبني زيري وبني حماد ومغراوة.
فوقع الاختيار على المنطقة التي بنيت فيها المدينة، نظراً لموضعها الإستراتيجي المهم الذي يقع في ملتقى الطرق التجارية الممتدة نحو بلدان جنوب الصحراء الكبرى، و لقربها من الموطن الأصلي لقبائل صنهاجة المشكلة للمرابطين.
مراكش عاصمة لثلاثة دول قوية:.
ظلت مدينة مراكش عاصمة للدولة المرابطية وقاعدة عسكرية لقواتهم حتى حدود سنة 541 هـ / 1147 م، حيث سيطر عليها الموحدون بقيادة عبد المومن بن علي الكومي ( 1094 -1163 م ).
ورغم انهيار الدولة المرابطية؛ إلا أن المدينة استمرت في اشعاعها وازدهارها بسبب اتخاذها عاصمة للدولة الموحدية التي تولت حكم المغرب خلال القرن الثاني عشر الميلادي.
بعد سقوط الدولة الموحدية تحولت مراكش إلى مركز ثانوي، وذلك بعد ميل ميزان القوة لصالح مدينة فاس، إلا أن وصول السعديين لسدة الحكم في المغرب خلال القرن السادس عشر الميلادي، سيعيد للمدينة تألقها من جديد حيث تم اتخاذها كعاصمة للدولة للمرة الثالثة، فقد لعبت المدينة دوراً سياسياً بارزاً في تاريخ الدول السعدية التي حكمت المغرب ما بين عامي 1589 و 1652 م.
ازدهار على مر العصور:.
منذ تأسيسها؛ عرفت مدينة مراكش تطوراً مستمراً على مر العصور مع اختلاف وتيرته من قرن إلى آخر وذلك تبعا للظروف السياسية والأمنية .
وعرفت المدينة ازدهاراً عمرانياً وتنظيمياً كبيراً في عهد السلطان يوسف بن تاشفين ( 1061 – 1107 م )، وذلك بعد اتخاذها عاصمة للدولة المرابطية، حيث بنيت فيها المساجد والقصور والقواعد العسكرية، وشيدت بها الفنادق والحمامات والأسواق.
وقام علي بن يوسف ( 1083 – 1143 م) -بعد توليه الحكم خلفا لأبيه ابن تاشفين- بإحاطة المدينة بسور لتعزيز قدراتها الدفاعية، كما تحولت المدينة إلى مركز ثقافي للدولة المرابطية وللغرب الإسلامي.
وعقب أفول شمس الدولة المرابطية؛ اتخذت الدولة الموحدية -التي حكمت المغرب الأقصى والغرب الإسلامي- مراكش عاصمةً للدولة، ليستمر دور المدينة كمركز سياسي وثقافي خلال القرن الثاني عشر الميلادي.
وقد أسهم الموحدون في تطوير المدينة بشكل كبير بعد سنة 1147 م ، وتركوا العديد من المعالم والآثار التي لازالت شاهدة على عبقريتهم إلى اليوم.
غير أن المدينة تحولت إلى مركز ثانوي بعد سقوط الدولة الموحدية، ولم تستعد صدارتها مرة أخرى إلا خلال القرن السادس عشر الميلادي، وذلك بعد اتخاذها عاصمة سياسية للدولة السعدية التي حكمت المغرب خلال هذه الفترة، والتي ساهمت بدورها في تطوير المدينة، عبر انشاء العديد من المرافق والمعالم والأحياء السكنية.
معالم متنوعة تعكس تاريخ المدينة العريق:.
تزخر مدينة مراكش بالعديد من المعالم والآثار التي تشهد على التاريخ العريق للمدينة، وعلى الدول التي تعاقبت على حكمها بدءاً من تأسيسها في القرن الحادي عشر الميلادي وإلى يومنا هذا ، ومن أبرز هذه الآثار نجد :
القبة المرابطية:.
تقع هذه القبة في الجهة الجنوبية للمدينة القديمة، وقد كشفت عنها الحفريات التي أجريت بالمدينة سنة 1948 م.
وتعتبر هذه القبة إحدى البقايا النادرة والشاهدة على جمالية الفن المعماري المرابطي بمراكش، فهي تمثل ملحقا لمسجد علي بن يوسف الذي هدمه الموحدون بعد سيطرتهم على المدينة سنة 1130 م.
كل ركن في المدينة يلخص جانباً من عمقها الحضاري والتاريخي
تتميز القبة المرابطية بشكلها المستطيل، الذي تزين واجهته الخارجية مجموعة من النقوش التي تتخذ شكل أقواس ونجمة سباعية، أما المدخل؛ فيزينه قوسان مزدوجان يتخذان شكل حذوة فرس من جهتي الشمال والجنوب، بينما يزينها قوسان آخران مفصصان من جهتي الشرق والغرب.
مسجد الكتبية:.
بني جامع الكتبية الأول عام 1147 م من طرف الخليفة الموحدي عبد المومن بن علي الكومي، وقد تم تشييده على أنقاض قصر الحجر المرابطي.
وسمي المسجد باسم الكتبية نسبة إلى سوق الكتب الذي كان يحيط به، ويقع هذا المسجد اليوم وسط مدينة مراكش بالقرب من ساحة جامع الفنا الشهيرة.
مسجد الكتبية.. المعلم الأشهر في المدينة
أما جامع الكتبية الثاني؛ فقد شيد سنة 1158 م؛ وهو شبيه بالبناء الأول إلى حد كبير، ويتكون من قاعة مستطيلة الشكل تضم سبعة عشر رواقا، موجهة بشكل عمودي نحو القبلة، ومحمولة على أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة .
باب دكالة وباب أغمات:.
يقع باب دكالة في الجهة الغربية للمدينة العتيقة، ويعتبر من أهم الأبواب الرئيسية للمدينة، ويقود إلى مسجد دكالة، ويتكون الباب من برجين يتوسطهما ممر يؤدي نحو قلب المدينة القديمة.
أما باب أغمات؛ فيوجد في الجهة الشرقية، ويشكل منفذا لأحد الأبراج التي تتخلل الجهة الشرقية لأسوار المدينة.
مدرسة ابن يوسف:.
وضعت نواة هذه المدرسة في عهد الدولة المرينية، وتمت إعادة بنائها في عهد السلطان السعدي عبد الله الغالب ( 1517- 1574 م) خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1556 و 1565 م.
تعد مدرسة ابن يوسف من أهم روائع المعمار المغربي وتعكس بجلاء روعة الفن السعدي، وقد كانت هذه المدرسة مركزاً علمياً، يقصده طلبة العلم من كل حدب وصوب، وكانت المدرسة معقلا لكبار العلماء خاصة في المجال الديني.
مدرسة ابن يوسف التي جرى إعادة ترميمها مؤخراً
وتتخذ هذه المدرسة شكلاً مربعاً على مساحة تبلغ حوالي 1680 متر مربع، ويتوسطها حوض وعدة أروقة تعلوها مجموعة من الغرف، أما قاعة الصلاة؛ فتتكون من ثلاث بلاطات عرضية يفصلها صفان من الأعمدة الرخامية، وتحتوي على خزانات خشبية كانت تشكل مكتبة لطلبة المدرسة.
وعند مدخل المدرسة توجد قبة مصنوعة من الجبص.
قصر البديع:.
بني هذا القصر بالتزامن مع الانتصار الكبير الذي حققه المغرب في معركة وادي المخازن ضد البرتغال، وقد بني هذا القصر في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي عام 1578 م.
يقع هذا القصر في الجانب الشرقي للقصبة، ويتميز بتناسق البنايات حول ساحة مستطيلة الشكل، وفي وسطها يوجد صهريج كبير يبلغ طوله حوالي 90 متراً وعرضه 20 متراً، وإلى جانبه أربعة صهاريج أخرى صغيرة تتخللها أربعة حدائق.
ويتميز قصر البديع بزخارفه الكثيرة والمميزة، حيث جلب إليه السلطان أحمد المنصور الذهبي ( 1549 – 1603 م) أمهر الصناع والحرفيين والمهندسين المغاربة والأجانب.
كما استعملت عدة مواد متنوعة في زخرفته، من أهمها الرخام والزليج المتعدد الألوان، إضافة إلى الذهب والجبص والخشب المنقوش والمصبوغ .
قبور السعديين:.
تضم هذه المعلمة قبور أهم الملوك السعديين الذين حكموا المغرب خلال القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين، وانطلقت أعمال بناءها مع نهاية القرن السادس عشر.
يقع المجمع في حي القصبة
ويتكون هذا المجمع من قبة تقع بحي القصبة، تضم قبور كل من لالة مسعودة ( ت 100 هـ ) أم السلطان أحمد المنصور، إضافة إلى قبر أبيه وأخيه.
وتمت توسعة المكان وزخرفته فيما بعد من طرف السلطانين عبد الله الغالب ( 1517 – 1574 م) وأحمد المنصور الذهبي.
ويتكون هذا الضريح من ثلاث قاعات هي : قاعة المحراب، وقاعة الاثنا عشر عموداً، وقاعة الكوات الثلاث.
سقاية المواسين:.
تتألف من مجمع يضم سقاية ومسجداً وحماماً، إضافة إلى خزانة ومدرسة قرآنية، وتتخذ هذه المعلمة شكلاً مستطيلاً، وتحتوي على ثلاثة مداخل وثلاثة أحواض للماء.
قصر الباهية:.
شيد هذا القصر خلال القرن التاسع عشر، من قِبَل الحاجب أحمد بن موسى المعروف بباحماد ( 1840 -1900 م)، ويقع هذا القصر عند مدخل المدينة العتيقة لمراكش.
يمتد القصر على مساحة هكتارين
يمتد هذا القصر على مساحة هكتارين، ويتألف من رياض وصحن صغيرين، إضافة إلى ساحة شرفية مربعة الشكل ومرصفة بالرخام، وتحيط بها أروقة مدعمة بأعمدة خشبية.
وإلى اليوم؛ مازالت مدينة مراكش تحظى باهتمام كبير من طرف الدولة المغربية، نظرا للإرث الحضاري التي تتمتع به المدينة، والذي يجعل منها واحدة من أشهر المدن في العالم، والأكثر استقطاباً للسياح من مختلف البلدان.
المدينة تعتبر من بين أكبر الوجهات السياحية في العالم