سرجون العظيم .. الملك الأكادي الأسطورة
أسَّس أول نمطٍ لإمبراطورية ذاتُ كيانٍ يقوم على البيروقراطية السياسية
تمهيد:.
خلال الفترة التي ساد فيها حكم الأكاديين ضمن منطقة ما بين النهرين (العراق)؛ حكم ملك عظيم البلاد أطلق عليه اسم سرجون الأكادي، أما البعض الآخر؛ فأسماه سرجون العظيم، “شار جاني شاري” أو كما كان ينادى تبعاً للمؤرخين “سارو كان” والذي امتد حكمهُ بالفترة الزمنية المحددة بين عامي (2334 إلى 2279) قبل ميلاد المسيح.
لقد كان سرجون الأكادي مشهوراً في زمانه كشهرته الذائعة أيضاً في حاضرنا، كيف لا؟ وهو ابن لكاهنة وأب للأميرة والكاهنة الكبيرة إنخيدوانا “إن هيدو انا” كاهنة آلهه القمر.
وما رُوي في الألواح والآثار الطينية أن سرجون كان ابناً مجهول الأب، لذلك لم تقُم والدته بالكشف عن سر حملها به، لتذهب وتنجبه بعيداً عن الأعين عند أحد ضفاف نهر الفرات، تاركةً إيّاه هناك.
سرجون العظيم
أسطورة البستاني:.
تُخبر الألواح أن بستانياً يعمل في بلاط الملك السومري في مدينة كيش والمعروف باسم “أور زبابا” قد وجد الصبي الصغير وأخذه إليه، ليترعرع الفتى ويصبح محارباً عظيماً ينتصر على كل من يهاجم ممالك ما بين النهرين، ثم ليُبع ذلك بإنشاء الإمبراطورية الأكادية التي تعرف بأنها الإمبراطورية الأولى متعددة الممالك في التاريخ بأسره.
أسَّس سرجون أول نمطٍ لإمبراطورية ذاتُ كيانٍ يقوم على البيروقراطية السياسية ونمط الإدارة الواسعة النطاق في سائر مفاصل الدولة، وقد تم وضع وتعيين معايير ينبغي توافرها في حكام والملوك في مستقبل البلاد.
بقيت سيرة حياة هذا المؤسس العظيم معروفة ويُتغنى بها لأكثر من 1500 عاماً بعد وفاته، إذ عُرِف سرجون على أنه أعظم رجلٍ في تاريخ الإمبراطورية الأكادية وما بعدها، حتى أنه يمكن لنا اليوم ملاحظة احتفاء الإمبراطورية الفارسية به وبابنه نارم سين.
فقد اعتبر سرجون شخصية مقدسة أشادت به كل السلالات والإمبراطوريات التي تعاقبت على بلاد ما بين النهرين، وذلك مع أن نشأته واسمه الفعلي وحياته بقيت إلى اليوم لغزاً محيراً يحاول الكثيرون اكتشافه.
حياة سرجون المبكرة ووصوله إلى العرش:.
لم يحمل هذا الملك الأكادي الشهير الاسم الذي عُرف به “سرجون” بالولادة، وإنما هو الاسم الذي سُمِّي به عرشهُ، في الحقيقة يعود اسم سرجون إلى اللغة السامية وليست السومرية، اسمه الحقيقي مجهول فلا يوجد أي وثيقة أو لوح آثري يصرح به.
نقش في متحف اللوفر يتحدث عن أسطور سرجون
ومع أنه من أشهر الأباطرة والملوك الذين وصلنا أخبارهم المتناقلة عبر الحضارات المتعاقبة؛ غير أنه لم يكن معروفاً لنا قبل سنة 1870م، حيث سمعنا عنه بعدما نجح الباحث التاريخي هنري رولنسون بالعثور على مكتبة آشور بانيبال وذلك خلال عملية تنقيب أجراها في مدينة نينوى العراقية سنة 1867 م.
تبعاً للألواح تخبرنا أسطورة سرجون كما نقشت فيها وترجمت بأن:
كانت أمي مقدسة، ولم أعرف والدي
وعمي كان يُحب التلال
منزلي كان بين المرتفعات هناك حيث تنمو الأعشاب
حين حملتني أمي بالسِّر وانجبتني بالخفاء
وضعتني في سلة ورمتني بسرعة في النهر
وأغلقت السلة بالقطران جيداً
حملتني المياه إلى آكي، محمول داخل سلة
أخرجني منها حين كان يملأ جرَّة من النهر
قام باعتباري ابناً له وقام بتربيتي
وجعلني بستانيه
التبني والتدرج:.
قام أكي بتبني سرجون بعدما وجده ورباه كما لو كان نجله، وتدرَّجَ سرجون وارتقى في مكانته ليصبح حامل الكأس الخاص بالملك، وهي مكانة عالية وكبيرة.
وقد أشارت إلى هذه المكانة؛ المؤرخة سوزان باور إذ قالت: بأن حاملي الأكواب لم يكونوا أشخاصاً عاديين أو خدم، بل اعتبرتهم الحضارات القديمة بمثابة الأشخاص المهمين الذين يأتي ترتيبهم مباشرة بعد الملك.
وما نصل إليه؛ هو أن سرجون كان يحظى بثقة مطلقة من قِبل الملك، والتي خضعت إلى الاختبار عندما قام الملك المجاور “لوغال زاغيزيسي الأومي” بشن حملة عسكرية على المدينة.
في تلك الفترة؛ كانت الحالة العامة للممالك في منطقة ما بين النهرين تسودها النزاعات والاقتتال المستعر المستمر طمعاً في الأراضي الخصبة ومنابع المياه.
نقش يروي أسطورة العثور على الطفل قرب النهر وصولاً إلى تحوله إلى ملك عظيم
نقطة تحول:.
في الواقع كانت الحرب تطرق أبواب مملكة كيش، وخاصة أنَّ الملك لوغال زاغيزيسي يعبر بجيشه في بلاد سومر ليغزو المدن والممالك السومرية واحدة تلو الأخرى ويوحدهم تحت سيطرته وإمرته.
بالتدقيق التاريخي؛ يمكن القول إن هذه كانت أول مرة يتم فيها توحيد الممالك السومرية تحت قيادة جيش وملك واحد قبل أن يصعد نجم سرجون الأكادي.
السومريون فقدوا هويتهم بفعل الغزو الأكادي
مع توالي الأخبار عن انهزام الممالك وتوجُّه الجيش السومري بقيادة لوغال زاغيزيسي نحو مملكة كيش؛ خاف وارتعب الملك أور زبابا وبدأ يشك بالجميع حتى في نية سرجون حامل كأسه، ومع اقتراب الجيوش من بلاده؛ قرر التخلص منه، فطلب من سرجون أن يحمل رسالة إلى الملك زاغيزيسي على أنها عرضُ لإبرام اتفاق سلام.
ولكن هذه الرسالة المغلقة كانت عبارة عن طلب من الملك بأن يقتل حامل الرسالة، فما أن استلم لوغال الرسالة منه؛ حتى قرر رفض قتله، بل توجه إلى دعوة سرجون لينضم إليه في حربه، وقاما معاً بالتوجه نحو كيش وتمكنا من السيطرة عليها بكل سهولة، حين اضطر ملكها أورو زبابا للهرب والاختباء.
عداوة بعد التحالف:.
لم تخبر الأساطير والحكايا التي روت قصة سرجون عن طبيعة ما حصل في هذه المرحلة، فالحلف المبرم ما بينه وبين الملك ما لبث أن تحول إلى عداوة كبيرة بينهما (ربما بسبب علاقةٍ غرامية مع زوجة زاغيزيسي، أو بفعل مهمة أوكلت إليه فاستغلها سرجون وانقلب على الملك، لا أحد يعلم فكلها تكهنات).
وحينما انقلب تحالفهما إلى عداوة؛ توجَّه سرجون إلى مدينة أوروك واحتلها ثم استطاع مجابهة جيش زاغيزيسي في معركة أوقع فيها الهزيمة بالأخير.
ثم قام سرجون بتقييد الملك بالسلاسل وعقد حبل حول عنقه واقتاده إلى مدينة نينوى التي كانت تضم معبد الإله إنليل الذي كان الملك الأسير قد اعتمد عليه في حروبه، وأجبر سرجون زاغيزيسي على السير بكل إذلال من بوابة المدينة.
وفي نفس هذا الوقت؛ تخبرنا الألواح بأن سرجون قام باختيار الآلهة الحامية له لتكون الحامية الإلهية إنانا والتي تُعرَف في بعض الممالك باسم عشتار.
ومع إبعاد الملكين السومريين أور زبابا ولوغال زاغيزيسي؛ أعلن سرجون نفسه ملكاً على كيش وسرعان ما أخضع منطقة سومر بأسرها لسيطرته.
السومريون أبدعوا في وصف شؤون حياتهم وأساطيرهم
حملات أكاد العسكرية وبناءه لإمبراطورتيه:.
في اللحظة التي قام فيها سرجون بالإطاحة بالملك لوغال زاغيزيسي، كان قد نجح بالفعل في بناء مملكة موحدة نتيجة للغزوات والحرب الأخيرة الحاسمة، الأمر الذي مكنه من تأسيس إمبراطورتيه التي امتدت على كامل رقعة بلاد ما يبن النهرين.
خلفيته المتواضعة وكونه مجهول النسبة وإن صح التعبير أنه لم يكن سليل عائلة معينة؛ دفع النخبة العليا التي كانت في ذلك العصر للامتعاض من نجاحه بالوصول إلى الحكم، نعم حتى في عصور التاريخ الأولى كان هناك فروقاً طبقية كالتي نعرفها اليوم وتقوم بتصنيف الناس وتقييمهم.
كانت أسطورة البستاني الذي أصبح ملكاً حكاية يتغنى بها الفقراء والمعدمين، حتى أنهم نظروا إليه على أنه المخلص والمحرر لهم من عبوديتهم وتبعيتهم للأسياد، ومع امتعاض الطبقة الغنية من الأسطورة نفسها؛ نشأ التمرد فلم ترضَ هذه الطبقة العالية بالخضوع لهذا الشخص المجهول النسب، بل دفعوه ليثبت نفسه على أنه الملك من خلال مخاطبتهم بلغة القوة العسكرية ومحاربتهم.
بعدما انتهى من غزو بلاد السومريين؛ بدأ سرجون بوضع ركائز مدينته الجديدة أو بالأصح أنه قد قام بتجديد المدينة القديمة التي تعرف بمدينة أكاد التي أشتهر بكنيتها، وقد سميت في الحضارات الآفلة بمدينة “أغادي”، وهنا بدأت استراحته من العمل العسكري بعدما استطاع تأمين الموارد الوفيرة فضلا عن الطاعة.
المجد الشخصي:.
عبر سيرة سرجون العظيم؛ نلاحظ أنه لم يغزُ المدن طمعاً في اكتساب المدينة أو للسيطرة عليها، إنما قام بذلك ليمجِّد اسمه ويُظهر نفسه.
فبعد الجلوس في أكاد والاستمتاع بالنصر المؤزر الذي حققه؛ وجد سرجون أنه لم يكن راضٍ بهذه الحدود وهذه النتيجة حيث تقول المؤرخة باور بصددها:
“بعدما سيطر سرجون على كامل سهل بلاد ما بين النهرين؛ طمح الملك الأكادي لإخضاع ما بعد هذه المنطقة والبلاد الواقعة خلف النهر، فقاد جنوده بعدما أثبت أنه ملك كيش، فتخبر إحدى الألواح السومرية القديمة أن سرجون قد انتصر في “أربع وثلاثين معركة” كانت معظمها على ضفتي نهر دجلة، حيث استولى على العديد من أراضي حضارة عيلام”.
نفوذ واسع:.
وأضافت “بعد ذلك توجه شمال بلاد الرافدين ليصل إلى مملكة ماري، غزاها وأخضعها لسيطرته، ثم تابع اندفاعه العسكري متوجهاً نحو مدن القبائل السامية، قبائل العموريين، بعدها تابع مع امتداد نهر دجلة ليغزو مدينة آشور، ويقال بأنه توجه شمالاً وشرقاً من مدينة نينوى الصغيرة التي بدأ منها ليصل على عمق أسيا الصغرى”.
واليوم نرجح أن سرجون الأكادي قد وصل جزيرة قبرص محتلاً مدناً على البحر الأبيض المتوسط، وأنه قد يكون أرسل سفناً تجارية ليصل الهند.
فاليوم وتبعاً لما تم اكتشافه؛ فقد فرض سرجون سيطرته على كامل بلاد ما بين النهرين ليمتد غرباً نحو ما يعرف بأرض لبنان، وشمالاً ليحتل جبال طوروس التركية، كما يعتقد بانه وصل لأبعد منها بكثير.
سرجون استطاع فرض نفوذ عسكري وآخر تجاري على مساحة جغرافية شاسعة
كل هذه القدرات الكبيرة كانت نتيجة للأسس العسكرية الرصينة التي وضعها سرجون العظيم والتي منحت الجيوش قدرة عالية على التكيف والمرونة في ميدان القتال، هذه القواعد التي رسَّخها في عقلية جيوشه؛ أصبحت من أساسيات الحرب والقتال في زمن الإسكندر المقدوني الأكبر.
وفي صدد هذا التوسع العالمي العظيم الأول الذي قام به الملك الأكادي يكتب المؤرخ كريوازيك:
“بالطبع لقد كان هناك أبطالاً قبله في بلاد ما بين النهرين، فقد كان الأبطال الأوائل لمدينة أوروك مثل جلجامش ووالده من أبطال الحكايات الخرافية والأعمال الخارقة التي تغنت بها الحضارة والأدب السومري القديم، حتى أنه قد تم تناقلها بين الحضارات لقرون أعقبت إنتهاء الحضارة المذكورة وأفول شمسها”.
وتزيد ” كل هؤلاء القادة ينسجمون مع حالة الأساطير، العلاقة مع الآلهة، الصراع مع الوحوش المخيفة وغيرها من الخوارق، بشكل يختلف عن الأسطورة البطولية التي دارت حول قصص سرجون وأبناءه ورسَّخها أحفاده، فهي ملاحم تركز على الحياة التي نعرفها الحياة الدنيوية هنا على سطح الأرض”.
الإمبراطورية الأكادية:.
أن تقوم بتكوين إمبراطورية هو شيء ليس بالأمر الصعب، ولكن أن تحافظ عليها وحدة واحدة فهذا هو المستحيل، ولكن وعلى الرغم من ذلك؛ فقد تمكن سرجون من أن يثبت قدرته في الإدارة تماماً كما أظهرها في قدراته العسكرية.
فحتى يتمكن من الحفاظ على سيطرته على سائر أنحاء الإمبراطورية المترامية الأطراف؛ قام سرجون بتعيين أكثر الرجال الذين وثق فيهم ليتولوا إدارة إمبراطورتيه موزعاً إياهم على شتى مفاصل السلطة، فكان مواطنو مدينة أكاد هم المسؤولين عن المدن والإداريين ضمن أكثر من (65) مدينة مختلفة.
ويخبرنا أحد الألواح الأثرية أنه “من البحر إلى البحر كان أبناء مدينة أكاد هم المسؤولين في كل المدن” حيث وجد السومريون أهل المدن الأصليين بأنهم أضحوا ضيوفاً غريبين في بلادهم، فما أن سيطر سرجون عليها حتى أصبحت مدناً أكادية، مُدارة من قبل الأكاديين ومحاطة بجيوشهم.
وظهرت عبقرية سرجون في التلاعب والمراوغة السياسيّة وذلك حينما وضع ابنته ” إنخيدوانا” كاهنة لمعبد إنانا، وحيث تمكن من خلالها بالتلاعب بالثقافة، الدين والسياسة، مستفيداً مما تمتلكه الكاهنة من قوة شخصية، ذكاء وموهبة أدبية، حيث كانت الأولى التي تتحلى بهذه الصفات في عصرها.
تطور الإمبراطورية:.
مع استقرار الإمبراطورية؛ تم تحسين البنية التحتية للمدن من تطوير الطرق، أساليب الري، كما تم توسيع طرق التجارة بالإضافة إلى حصول نهضة فنية وعلمية.
ويذكر للإمبراطورية الأكادية إنشائها لأول نظام بريدي، حيث وضعت الألواح الطينية وجرى لفّها بظروف طينية أخرى تُحمل إلى وجهتها ومكتوب عليها اسم وعنوان المُرسَل إليه.
وفي عهد سرجون الأكادي؛ تم توحيد المقاييس والأوزان بين كل المدن وذلك لأغراض الاستعمال التجاري، وللقياس اليومي.
حتى أنه قد أنشأ نظام ضرائب يقوم على العدل بين جميع الطبقات الاجتماعية.
وتدور بعض القصص حول قيامه باستعادة بابل (بينما يرد في أخبار أخرى على أنه هو من أسسها).
كان سرجون أول من أنشأ الجيش المجهز والمدرب بدوام كامل، على الأقل كانت الجيوش بجاهزيتها في مدينة أكاد، حيث يخبر أحد الألواح أنه كان هناك 5400 جندياً من الجيش يأكلون الخبز يومياً بصحبة الملك.
تمرد مستمر:.
مع كل التحسينات والنهضة الشاملة التي أحدثها سرجون في مختلف أصقاع البلاد؛ إلا أن الشعب لم يكن راض عن ذلك، فقام بالتمرد عدة مرات على الحكم الأكادي، فطوال فترة حياته كان سرجون يواجه الانتفاضات هنا وهناك بمحاولة من المدن الحصول على استقلالها الذاتي والتخلص من السطوة الإمبراطورية.
ولكن هكذا هي سير الأبطال، فقد نسيت الشعوب كل انتفاضاتها السابقة وبقيت سيرة سرجون البطل الذي وحَّد البلاد وأقام العصر الذهبي للأكاديين.
رسم أكادي يعود للفترة الواقعة بين عامي 2350 و 2150 قبل الميلاد
وحتى مع مرور ثلاثة آلاف عام على عصره؛ بقي البابليون يتغنون ويروون حكاية سرجون وكيف انتصر على الملوك الذين انتفضوا في وجهه ويتغنون بما قاله عن نفسه:
(وأنا في الخامسة والخمسين من عمري قد ثارت كل الأراضي ضدي، وحاصرتني في أكاد، ولكن الأسد الهَرِم ما زال لديه مخالب وأسنان، فخرجت للمعركة لأهزمهم وأطيح بهم وأدمر جيوشهم الواسعة).
ومما أخبرتنا به قائمة الملوك السومرية؛ فقد حكم سرجون الأكادي لمدة 56 سنة ومات ميتة طبيعية نتيجة لشيخوخته، وقام الشعب بعد موته بتقديسه والتغني بسيرته.
الأسطورة الأكادية وإرث سرجون:.
بقيت الأاطير التي تحاك وتنسب إلى كل من سرجون وسلاسته تُكتب وتروى حتى أيام الإمبراطورية الآشورية الأخيرة (612 قبل الميلاد)، لذا فأن رأس التمثال النحاسي الذي يجسد سرجون – الذي وجد في مدينة نينوى سنة 1931 م – يظهر لنا دون أي شك بأن قصته كانت من أشهر وأهم قصص الأشوريين وحضارات ما بين النهرين التي يتغنى بها.
بعدما توفي سرجون؛ انتقل الحكم إلى ابنه ريموش، الذي واجه نفس الانتفاضات وحالة البلاد المتوترة ليتوفى بعد تسع سنوات وينتقل بعدها عرش الأكاديين إلى ابن سرجون الآخر مانيشتوشو ليحكم لمدة 15 عام.
قام ابنا سرجون بالحكم بأسلوب والدهما، ولكن من أحدث طفرة في سيرة الإمبراطورية الأكادية هو حفيد سرجون الأشهر نارام سين والذي ازدهرت بعهده البلاد إلى أبعد مما وصل لها جده.
وبدأت هذه الإمبراطورية في الضعف عندما بدأت الممالك تنفصل وتستقل بنفسها.
ولنتعمق في أسطورته قليلاً؛ فسرجون تبعاً للألواح هو ذلك الطفل الذي يرمى في النهر ليجده النبلاء ويربوه ويثقوا به، فيكبر ويصبح زعيماً شعبياً، قصة تتقاطع مع قصص سفر التكوين عن النبي موسى عليه السلام وكيف رمي في النهر، فهي تمثل قصة البطل الغامض الذي ينهض لينقذ شعبه.
وهذا الاحتفاء بقصته والتغني بها بعد آلاف السنين ربما لأنه يجسد صورة المنقذ لشعبه التي احتاجها الناس بعده مع قدوم الحكم القمعي للجوتيين (2046 قبل الميلاد).
وعاء أكادي يعود إلى العام 2100 قبل الميلاد
انهيار:.
بعد انهيار الإمبراطورية الأكادية نتيجة للتمزق الداخل والغزوات الخارجية من قبل الجوتيين القادمين من جبال طوروس؛ بدأت الأجيال الجديدة في تصوير الجوتيين على أنهم من دمر الحضارة الأكادية وخاصة مع المجاعات التي عصفت ببلاد ما بين النهرين.
وبعد سقوط مدينة أكاد أخر معاقل الأكاديين؛ تداول الناس حينها ما سموه بلعنة أكاد، وتناقلت من بعد ذلك الأجيال أساطير الملوك العظماء سرجون وسلالته واللعنة التي هزت البلاد بعد سقوط الحكم الأكادي فيها وكيف تمكنت اللعنة من جلب المجاعة.