الحضارات القديمة 3: بلاد الرافدين في العصر الحجري الوسيط (عصر الفخار)



رأينا في موضوعنا السابق العصر الحجري الحديث: الثورة النوليتية ببلاد الشرق الأدنى وخصوصا مصر وبلاد الرافدين والهلال الخصيب والمتمثلة في الثورة الزراعية التي حققها الإنسان بانتقاله من مرحلة الصيد والالتقاط والتي دامت أكثر من 3 ملايين سنة في أقل من 2500 سنة وحقق اكتفاءه الذاتي من الطعام وصنع ما احتاجه من أدوات ودخل في مرحلة من التطور الاقتصادي بالإضافة لاختراعه للكتابة التصويرية (أشكال حيوانات ورموز) وسنرى في موضوعنا هذا مختلف الحضارات التي واكبت عصر الفخار.

حضارة أم الدباغين:
ظهرت أول صناعة للفخار بمنطقة أم الدباغين ببلاد ما بين النهرين حوالي 6000و5500 ق.م وتميزت أم الدباغين بانتشار السكن الدائري (ثلاث غرف أو غرفتين) والمخازن المربعة، وبتنوع الفخار بين الملمع والمزخرف والمنحوت زيادة على الرسومات الفنية (لوحات صيد السمك) وظهور الأراضي المسقية.
ستظهر بعد حضارة أم الدباغين ثلاث
حضارات أخرى في الفترة ما بين 5500و 4500 ق.م وهي حضارة حسونة وسامراء وحلف والتي عمرت في حقبة واحدة واشتركت في بعض المناطق الجغرافية. حيث عمرت حضارة حلف الشمال وحسونة في الوسط وسامراء في الجنوب وأهم ما يميز هذه الفترة هو تطور صناعة الفخار.
حضارة حسونة:
تؤرخ هذه الحضارة ما بين 5000و5500 ق.م عمرت في الوسط كانت البيوت بها دائرية وفي الغالب صغيرة (غرفة واحدة) أو مستطيلة ومقسمة إلى قسمين مبنية بالطين المدلوك أو من اللبن ثم تطورت لتصبح مستطيلة مكونة من عدة غرف. وعرف فخار حسونة بالعتيق الملون ذو الحزوز ليتحول بعد ذلك لفخار نموذجي يحمل خطوط مستقيمة أو متصالبة أو على شكل مثلثات والمناجل الصوانية والمحاريث ودمى الطين التي تشير إلى نوع من العبادة كما كان الأطفال يدفنون في أواني فخارية وحفروا مخازن للحبوب وطهوا الخبز في تنانير من طين.

حضارة سامراء:
عمرت في الجنوب ما بين 5500 و4800 ق.م فخار هذه المنطقة تميز بزخرفته المرتبة على شكل أحزمة أفقية ومتوازية ويمثل بعضها أشكال حيوانية أو آدمية كما اشتهرت هذه الحضارة بصنع الدمى النسائية، أما الدفن فكان يتم في حفر أرضية بعد أن يطلى الجثمان بالمغرة الحمراء، ويمتاز البناء باستعمال اللبن وعرف هو الآخر تطورا على غرار نمط بناء حضارة حسونة.
حضارة حلف:
وجدت هذه الحضارة في الفترة ما بين 4500و5600 وعثر عليها في "تل حلف" شمالا بالقرب من رأس العين على الحدود السورية التركية. استوعبت هذه الحضارة حضارة حسونة بعد انتشارها في كل مناطق ما بين النهرين العليا حتى حدود الفرات الأعلى المتوسط.
تميزت حضارة حلف بجودة الفخار المصنوع باليد المتعدد الألوان والمزخرف بأشكال هندسية وحيوانية ونباتية، تميز البناء في حلف بانتشار نمط سمي بالطولوس عثر عليه في مناطق أخرى كجزيرة قبرص وكريت وموكيناي. كما تعددت القرى وظهرت بوادر المدن والمباني العامة والمعابد.
حضارة عبيد
استمرت حضارة عبيد مدة طويلة من 4500 إلى 4000 ق.م. وانتشرت بعد الحضارات السابقة في قلعة الحاج محمد جنوب بلاد الرافدين، وأهم ما يميز هذه الحضارة شق القنوات لري المناطق البعيدة عن مصادر المياه كما عملوا على تجفيف المستنقعات لتوسيع الأراضي الزراعية مما سمح بانتشار القرى الزراعية على طول هذه القنوات كما دجنت الماعز والأبقار وغرست الأشجار المثمرة كالنخيل بالإضافة لانتشار زراعة الخضروات.
أما شمالا فظهرت مظاهر حضارية أخرى كصناعة الفخار الملون والأواني الحجرية وأدوات الزينة والأختام الأسطوانية والتماثيل الطينية وبدأ استعمال الأجور في تشييد البيوت والمعابد التي كانت تمارس فيه الطقوس التعبدية بشكل جماعي أما دفن الأطفال فكان يتم في البيوت المسكونة والبالغين في جبانات مغطات بالحصير أسفل التلال.
حضارة الوركاء
تعتبر هذه الحضارة امتدادا لحضارة عبيد ممثلة في الجنوب بمدينة "الوركاء" و"تبة جورا" في الشمال عرفت حضارة الوركاء تقدما في الجوانب التقنية والتنظيمية للمجتمع حيث طورت صناعة الفخارمن حيث الأشكال واستعمال الألوان كالفخار الملمع ذو اللون الرمادي أو الوردي وظهر لأول مرة القيادة المركزية المحلية والشاهد هو العثور على أفران مجتمعة في "أور" واستخدمت هذه الأفران العجلة الفخورية مما سرع العمل وجعله أكثر اتقانا.
حضارة جمدة نصر
عمرت في الحقبة ما بين 3100 و2900 ق.م أما أهم ما يميزها هو ظهور الكتابة التصويرية البسيطة والكتابة الصوتية المقطعية ويرجح المؤرخون أن العامل الاقتصادي هو السبب في هذه النقلة النوعية كما تميز النظام السياسي لحضارة جمدة نصر بنوع من الحكم الديمقراطي أما فيما يخص الفن فقد وصل إلى درجة رفيعة خصوصا المنحوتات كإناء الوركاء النذري وقناع سيدة الوركاء وابريق حجري أسود هذا التقدم شمل العمارة حيث نجد العمارة ذات الفجوات على أبعاد منتظمة ولا ننسى التنويه بتطور زخرفة الأواني الحجرية والفخارية.