ظهرت الدولة الصفّارية (254هـ= 867 م/ 298هـ= 911م) في منطقة سجستان من بلاد وراء النهر، وهو الإقليم الجنوبي الشرقي في إيران حاليًا، ويقع على حدود أفغانستان وباكستان، ومؤسس هذه الدولة يعقوب بن الليث الصفار الذي بدأ حياته يتكسب من صناعة الصُفر (أي تصفير الأواني النحاسية) في قرية تدعى قرنين من إقليم سجستان، ثم انزلق من عمله كصفارًا وانطلق إلى السرقة وقطع الطرق، بعد ذلك انضم إلى أحد الفرق العسكرية التي تعمل على حماية سجستان من الفوضى، وعلت مكانته حتى ترقى وتولى قيادة هذه الفرق، ثم عظم أمره وفرض سيطرته على إقليم سجستان.
بعد ذلك تطلع الصفّار على توسيع سلطانه، فتغلب على أقاليم إيران الجنوبية وضم إليه بلاد فارس، ولم يكتف بذلك، بل لما استقر له الأمر توجه إلى خراسان وقضى على الدولة الطاهرية ثم كتب إلى الخليفة العباسي حتى يحصل على تفويض منه بحكم البلاد التي استولى عليها، فمنحه الخليفة العباسي المعتمد تفويضًا بذلك، ومن هنا أسس يعقوب بن الليث الدولة الصفّارية.
لم يرض الخليفة العباسي عن تصرفات يعقوب وتوسعاته، ولكنه اضطر إلى الميل إلى المهادنة وأجاب يعقوب إلى طلبه، وذلك بسبب انشغال الخلافة العباسية في مواجهتها للثورات والفتن، فلم تركن الخلافة العباسية إلى المهادنة إلا بقدر حاجتها إلى التقاط أنفاسها، وسنوح فرصة أخرى تستغلها للقضاء على الصفّاريين.
أدرك يعقوب بن الليث سياسة الخليفة العدائية تجاهه فقرر أن يضع حدًا نهائيًا لهذه الحالة بالسيطرة على بغداد وإخضاع الخلافة لسلطته المباشرة، ودارت الحرب بين جيش الخليفة والجيش الصفاري الذي هُزم شر هزيمة، ومرض يعقوب بن الليث بعد هذه الهزيمة ومات في سنة 265هـ= 878م.
أقرت الخلافة العباسية عمرو بن الليث خلفًا لأخيه يعقوب، وقد اتصف عمرو بالبراعة السياسية فلجأ إلى أسلوب اللين والمهادنة مع الخلافة العباسية، وأظهر للخليفة الولاء والطاعة، فأرسل إليه الخليفة التقليد بما كان بيد أخيه، ثم أخذ عمرو بن الليث يعمل على تدعيم وتثبيت مركزه حتى قوي نفوذه وسلطانه.
لم تلبث أن ساءت العلاقات الطيبة بين عمرو بن الليث والخلافة العباسية، حيث خشى الخليفة العباسي المعتمد على الله من طموحات عمرو ونزعاته الانفصالية، فأصدر قرارًا بعزله عن البلاد التي ولاّه إياها، وأرسل إليه جيشًا لمحاربته ولكن الجيش لم يستطع هزيمته، ولما توفي الخليفة المعتمد وتولى بعده الخليفة المعتضد في عام 279هـ= 892م، سارع عمرو إلى استرضائه فأعلن له الولاء وأرسل إليه الهدايا، ثم طلب من الخليفة أن يوليه بلاد ما وراء النهر التي كانت تحت حكم الدولة السامانية، وهنا وجد الخليفة فرصته للقضاء على قوة الصفاريين المتزايدة، فأراد أن يضربهم بالقوة السامانية، لذلك أجاب عمرو بن الليث إلى طلبه، وهو يتوقع حصول صدام بين القوتين للفوز بحكم بلاد ما وراء النهر
.بالفعل صدقت توقعات الخليفة العباسي واصطدت الدولة السامانية بالدولة الصفارية في عام 287هـ= 900م، ودارت الحرب بين الطرفين وانتهت بهزيمة الأمير الصفاري عمرو بن الليث وأسره ووقوعه في يد غريمه الأمير الساماني، وأُرسل عمرو بن الليث إلى الخليفة العباسي فسجنه، وظل مسجونًا حتى وفاته في عام 289هـ= 902م، وكانت هذه الواقعة بداية النهاية للدولة الصفارية.
بعد عمرو بن الليث تدهورت أحوال الدولة الصفارية ودخلت في صراعات داخلية على الحكم، حيث تولى بعد عمرو بن الليث أبو الحسن طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث، وكان صغيرًا نشأ على اللهو والعبث، فقبض عليه سبك السبكري غلام عمرو بن الليث وقيده وبعث به إلى الخليفة العباسي، ولكن ظهر في هذه الأونة الليث بن علي بن الليث (ابن أخ يعقوب وعمرو) وتغلب على السبكري الذي استنجد بالخليفة، فأمده الخليفة المقتدر بجيش حتى أوقع الهزيمة بالليث الصفاري وأسره، ثم بعد ذلك تمرد السبكري على الخلافة العباسية فسعت للتخلص منه وأرسلت إليه الأمير إسماعيل الساماني فقبض عليه وأرسله إلى الخليفة في عام 289هـ= 911م، ومن ثم زالت الدولة الصفارية.
وصفوة القول أنَّ الدولة الصفارية زالت بسبب جهود الخلافة العباسية المتصلة للقضاء عليها، والهزائم المتكررة التي مُني بها الصفاريون من أعدائهم السامانيين، وكانت سياسة الصفاريين جامحة لا تقف أطماعهم عند حد، إضافة إلى ذلك تمر بعض قادتهم على سادتهم مما ترتب عليه ضعف الدولة وتدهورها.
أسماء الأمراء الصفّاريين ومدة إمارة كل منهم:
1- أبو يوسف يعقوب بن الليث (254هـ= 867م/ 265هـ= 878م)
2- عمرو بن الليث (265هـ= 878م/ 287هـ= 900م)
3- أبو الحسن طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث (287هـ= 900م/ 296هـ= 908م)
4- الليث بن علي بن الليث (296هـ= 908م/ 298هـ= 910م)
5- أبو علي محمد بن علي بن الليث (298هـ= 911م)[1].
[1] انظر: أ. د. عطية القوصي: تاريخ الدول المستقلة في المشرق عن الخلافة العباسية، مكتبة دار النهضة، 1992- 1993م، ص48- 52، ودكتور عصام الدين عبد الرؤوف الفقي: الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1420هـ= 1999م، ص35- 39، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، 1430هـ= 2009م، ص188، 190.
قصة الإسلام