.
أكتبُ بلا رِقَابةٍ
ولا أتدخلُ ذِهنيًا في النص
ولا بين النبع والجبل
قبل أن يتوارى كلاهما في جحيم المعجم
رُبّما تُعَدُّ هذه العبارةُ نوعًا من الذهنية المُغَالِطةِ
خطأٌ فادحٌ.. وظُلمٌ لا يقلُّ أَسَىً عن جَلْدِ حُوذيٍ لِحصَانِهِ المريضِ ؛
سببُهُ : ادّعاءُ الإحاطةِ بِنيَّة القائلِ
واختزالُ الحياةِ في نُطفةٍ يضعها رجلٌ في رَحِمِ امرأةٍ
انهيارُ سَقْفٍ على رأسِ عَجوزٍ في غُرْفةِ المَعنى
بما يجعلني لا أتحدثُ ببساطةٍ عن الحُب
عن شجرةِ الجمّيز التي تُمثّلُ لي شاهدًا على أن الجسدَ ضحيةُ الوقت
حشيشةُ الزمان .. أفيونُ الرغبة المؤجّلةِ للعدم
عن أسماك البلطي التي تموتُ مختنقةً في شِبَاكِ الروح
كُلما جفَّ الماءُ وطَفَا الحزنُ كالرِيمِ على حجارة القلب
نادرًا ما أتكلمُ دون قَيدٍ أو شَرْطٍ عن عشقي لمشكاةٍ تسهرُ وَحِيدةً تحت قَبوٍ
عن مناجاتي لتمثالِ امرأةٍ وَوَضْعِ يدي حول خَصْرِها
وعن كلماتي الصديقةِ التي أجلسُ معها نأكل ونُدخّنُ
نتحاورُ ونمارسُ الجنسَ
هذا حقّي بالمناسبة
إنني – ولا أخجلُ – أمارسُ الجنسَ مع كلماتي
لأنني أفتقدُ حبيبةً حقيقيةً .. وربما لأنني لا أريدُ حبيبةً أصلاً
كلماتي الصديقةُ..أيضًا لديها المشكلةُ نفسُهَا ..
الأصدقاء المخلصون يصلحون لتأديةِ بعضِ الأدوار تطوعًا وتضحيةً
يتقمصون أحيانًا وجوهَ الأحبّةِ وأرواحَهُم ؛
قلوبَهُم العطوفَ وأجسادَهُم التي تهمهمُ كنرجسِ البراري
الأصدقاء يغالطون أنفسَهم أحيانا؛ يخدعونها من أجلِ أن نسعدَ
نسيتُ أن أقولَ إن كلمةَ ” أمارس” – في سياق الجنسِ- كلمةٌ غبيّةٌ ؛ وأنا أقذفُها
بكوب الشاي دائما
أكرهها ولا أحب أن أراها في بيتي
ليس لي بيتٌ بالمعنى المفهوم
لكنْ وكما تفهمين أيتها الكلماتُ : نحن مضطرون أحيانا أن نعيشَ مع من لا نُحِبُّ
ومضطرون أيضًا أن نختار من القائمة الأسوأ ما هو أقل خسارة
مرغمون أن ننسى أننا حزانى كُلما طارَ نعشٌ من النافذةِ
أننا لقطاءُ كلما ماتت كَلْبةٌ ربّينَاها وراَء عظامِنا..وخارجَ قفصِ فكرةِ الخيانةِ
وبمُنتهَى العقوقِ أيضًا
ألقينا بها لأعماقِ النهرِ
بعضُهم يرمي الكلابَ على تلال القمامةِ
وبعضُهم يلقيها وَسْطَ الطريقِ مَشاعًا للمارة ولا يخشى الفضيحةَ
كيف لنا أن ننسى كلابًا نَبَحَتْ ليلةً من أجْلِنَا .. سَهِرَتْ على حراسةِ أرواحِنا التي
خبّأناها في الفوانيسِ والمشربيات
كي لا يراها سارقو الأطفالِ وقنَّاصو اليمامِ بالخرطوش
يُمكِنكَ أن تنسى كُلَّ ليلةٍ أن كُتُبَكَ تمشي نائمةً ولا تعودُ
وأن الزهرةَ التي تَبِيتُ في إصّيصِ النافذةِ تحتاجُ لقليلٍ من الماء والمحبة ..
وإلا ستموت
ستفكرُ في الانهيارِ مع أوّلِ عصفورٍ سوف يلمسها
يُمكنكَ أن تُهدِّيء ثُعبانَ قَلْبِكَ بنايٍ تنفخُ فيه بنتُ الجيرانِ لأجلِ عاشقِهَا
أو تمنحه قُرصَ ليبرالكس و فيلوزاك 20 ليكُفَّ عن الفحيحِ
لكنَّ ذلكَ لن يمنعَ الستائرَ من الاحتراقِ لتُظهِرَ ما وراءها من أغنامٍ ذبيحةٍ
ولن يُحرِّضَ الدِّبَةَ النائمةَ على صدرِكَ لتُقلِّدَ راقصةَ الباليه التي تَمُدُّ يدَهَا
وراءَ الشاشةِ
كُلُّ الأفكارِ العظيمةِ مهما تعجنها لا تكونُ صلصالاً لطفلةٍ تقولُ أحبُّك يا أبي
لا تخلقُ قطةً تتصيد الجرذانَ القابعةَ تحتَ الوسائدِ
أنا رجلٌ طيبٌ ولستُ همجيًا ؛ ومع ذلك يمكنني أن أكون لِصًّا في أي لحظةٍ
أحقِنُ سريري المصابَ بالربو بامرأةٍ وهميةٍ ليستعيدَ قُدرَتَهُ على التنفس
أُغذّي مِدفأَتِي الحزينةَ بِكُتُبي ومذكّراتي أحيانا لتتخلصَ من فِكْرةِ الاضطهاد
لا أصارحُ بابَ حُجرتي الخشبي بأنه مصابٌ بالسرطانِ وقريبًا سيموت
لِعلمي أنه ما زالَ يحلمُ – ككل المغفلين –
بعودة من يحب
ما زال يفكر..أن بالإمكان
أن يعود شجرة .
منقوول