"السجائر آمنة".. شركات التبغ تمول أبحاثا علمية لتقديم نتائج خادعة
تمول شركات التبغ الباحثين في كبرى الجامعات لخداع المستهلكين بأن السجائر آمنة (بيكسابي)
قتل التدخين منذ عام 1964 أكثر من 20 مليون أميركي، وهو ما يعادل 15 ضعف عدد الأميركيين الذين لقوا حتفهم في جميع الحروب مجتمعة، وتشير أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن "تدخين التبغ يودي بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة سنويا، منهم حوالي 7 ملايين من المدخنين، ونحو 1.2 مليون ممن يتعرضون للدخان دون قصد".
ومن المتوقع، وفقا لأحدث الدراسات، أن تصل حالات الوفاة جراء التدخين إلى مليار شخص في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية هذا القرن.
وهذه الخسائر المهولة يتسبب فيها "لوبي" عالمي من شركات صناعة السجائر العملاقة، يستخدم كافة الحيل والوسائل، من الدعاية المباشرة والمضللة، والعبث بمكونات السجائر، ورعاية ودعم الفعاليات الترفيهية والرياضية، واختراق المؤسسات الحكومية، وتوظيف الصحافة والإعلام والثقافة والفن، وحشد المحامين والكتاب، وتوظيف أعداد من الأكاديميين والباحثين والأطباء، واختراق بعض مراكز البحث العلمي، في معركة شرسة من أجل البقاء، ولو على حساب صحة الإنسان وحياته.
شركات السجائر أقوى من العالم
ما أن يأتي ذكر هيمنة شركات السجائر العالمية وجبروتها في حماية مصالحها حتى يقفز للأذهان فيلم The Insider، الذي أخرجه مايكل مان عام 1999، وتقاسم بطولته كل من آل باتشينو وراسل كرو، وقدم معلومات خطيرة عن صناعة التبغ، والأساليب التي تتبعها الشركات لقمع من يحاول إفشاء أسرارها وفضح جرائمها، عبر الابتزاز والتشهير والضغوط المادية، بل والتهديد بالقتل.فحسب تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في مايو/أيار 2019، فإن "شركات التبغ المتغولة، تروج لمنتجات ثبت علميا أنها تؤدي للإدمان والمرض والوفاة، حيث تحتوي السجائر على أكثر من 7000 مادة كيميائية، 250 منها على الأقل تأكد ضررها، و69 أخرى مسببة السرطان.
كما يتسبب التدخين السلبي أو غير المباشر في إصابة البالغين بأمراض قلبية وتنفسية خطيرة، ويقتل حوالي 65000 طفل سنويا. ورغم ذلك لا تزال الشركات المُصنعة تستميت لإخفاء الأخطار التي يسببها التدخين، لتضارب مصالحها مع السياسات التي تتخذ للحفاظ على صحة البشر".
إستراتيجيات صناع التبغ
1- التلاعب بالعلم: فعندما أكد الباحثون في الولايات المتحدة عام 1952 أن السجائر تسبب السرطان، اجتمع رؤساء أكبر 6 شركات لصناعة السجائر، لوضع إستراتيجية للتلاعب بالأبحاث العلمية وتضليل الجمهور عن مخاطر التدخين، وشكلوا لجنة علمية لدعم موقفهم في إنكار أن السجائر تسبب السرطان، وظلوا مدة 35 عاما متمسكين بأنه لا يوجد دليل على ذلك، ومولوا أكثر من 7000 مقال مساند لهم بملايين الدولارات، في أكبر انتهاك للنزاهة الأكاديمية، بحسب صحيفة ذي أتلانتيك.
ويكفي على سبيل المثال، أن بيتر فلبيرغ، الشاهد لصالح أكبر شركات التبغ لمدة 17 عاما، كان أستاذا في كلية الطب بجامعة هارفارد لمدة 24 عاما، وهو القائل إن السجائر الخفيفة تقلل من خطر الإصابة بالأمراض، مخالفا الإجماع العلمي على أنها تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة.
2- توظيف جماعات الضغط: في عام 2015 كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية أن التحقيقات أثبتت أن التقارير الصادرة في عام 2014 عن رابطة مديري الصحة العامة وأبحاث السرطان في المملكة المتحدة، بأن "السجائر الإلكترونية أقل ضررا"، هي في الأصل دراسة مدفوعة الثمن من شركات السجائر.
وكشف خبير أبحاث في مجلة لانسيت العلمية الشهيرة، أن المشرف على هذه الدراسة قد اعترف أن شركات التدخين تدعمه كباحث رئيس، بمشاركة 11 باحثا آخر في دراسات عدة متفرقة.
غير أن هذا لم يمنع الشركات من توظيف المؤسسات الخيرية الصحية للضغط والدفاع عن الدراسة، بدعوى أن التحول من التدخين العادي إلى التدخين الإلكتروني يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح، بحسب قول ديبورا أرنوت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "أي أس أتش" الخيرية الصحية.
3- المماطلة القانونية: فبعد مرور عقد على صدور حكم تاريخي أصدره غلاديس كيسلر، قاضي مقاطعة كولومبيا الأميركية في عام 2006، ضد أحد عمالقة صناعة التبغ في العالم، دعمه بمذكرة أوضح فيها إستراتيجية شركات التبغ لرفض الآثار الضارة للتدخين، وألزمها بالإعلان صراحة أن جميع السجائر تسبب السرطان وأمراض الرئة والنوبات القلبية والموت المبكر، ولا توجد سجائر آمنة.
ورغم أن الكونغرس قد اعتمد حكم القاضي كيسلر، وأقر قانونا في عام 2009 يمنع شركات التبغ من وصف السجائر بأنها "خفيفة" أو "منخفضة القطران". بناء على دراسة أجرتها الجمعية الأميركية للسرطان ونشرت عام 1996 تفيد بأن معدل الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة قد ارتفع فعليا بعد أن بدأت السجائر الخفيفة في السيطرة على المبيعات.
لا تزال شركات التبغ تواصل المماطلة وتستأنف الحكم، عبر الاستعانة بخبرات كيميائيين متخصصين للطعن في الإجماع العلمي على أخطار السجائر المنخفضة القطران، والتشكيك في تقاريرهم.
4- التحايل على الاختبارات المعملية: فعندما بدأت لجنة التجارة الفدرالية في عام 1967 في اختبار السجائر على أجهزة التدخين الخاصة التي تقيس كمية القطران المستنشق، أعادت الشركات صياغة السجائر لخداع الآلات، من خلال عمل ثقوب دقيقة جدا في ورقة السيجارة لتنفيس القطران عند التدخين بواسطة الآلة، في الوقت الذي لا تعمل فيه هذه الثقوب على تقليل القطران الذي يستنشقه المدخنون، ولم يكتشف علماء الصحة العامة هذا الأمر لسنوات.
المصدر : مواقع إلكترونية