الاستعمار البرتغالي
تُعدُّ البرتغال أول دولةٍ استعمارية وصلت بعثاتها الاستكشافية إلى شواطئ إفريقيا الغربية، فاتحةً بذلك صفحة الاستعمار الحديث في إفريقيا.
ويُذكر أنَّ البرتغال -بوصفها إقليمًا من أقاليم شبه الجزيرة الأيبيرية- كانت قد وقعت في أيدي الفاتحين المسلمين عام 711م، وبعد استردادها لأراضيها من مسلمي الأندلس (سنة 1249م)، واستكمال وحدتها واستقلالها (سنة 1411م)، دخلت في عصرٍ جديد، يُعدّ بالنسبة إليها أعظم عصور المجد في كلِّ تاريخها..
حيث حقَّق الأمير هنري الملقَّب بـ "الملَّاح" (1381-1460م) -وهو الابن الثالث لـ "جون الأول" ملك البرتغال، الذي اعتلى عرش بلاده في سنة 1385م- معجزةً كبرى في ميدان الاستكشاف البحري، مصيِّرًا بذلك بلاده الصغيرة المساحة، القليلة السكان، أعظمَ إمبراطوريَّةٍ قامت في الغرب الأوروبي.
وبعد احتلال القوَّات البرتغالية لقلعة "جزيرة سبتة" المغربية ذات الموقع الاستراتيجي، بقيادة هنري الملَّاح، الذي كان تحت تصرُّفه أسطولٌ يتكوَّن من مائةٍ واثنتَين وأربعين قطعةً بحريَّةً جلها برتغالية، رُقِّي إلى مرتبة «الأستاذ الأعظم» لهيئة اليسوعيِّين (الجزويت)، التي كانت تُعدُّ واحدةً من أنشط الجماعات المعادية للمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية.
وقد استغلَّ منصبه ذاك لمصادرة ممتلكات الجماعة وإيراداتها الوفيرة لتنفيذ المشروعات التي كان يحلم بها، ونتيجةً لذلك الإنجاز -أيضًا- أُسندت إليه مسئوليَّة تصريف كلِّ الشئون المتعلقة بإفريقيا.
دوافع الاستعمار البرتغالي في إفريقيا
يكمن سرُّ اختلاف أساليب البرتغال الاستعمارية عن غيرها من الدول؛ في أنَّ العامل الديني قد شكَّل أهمَّ الدوافع التي جعلت البرتغاليِّين يشنُّون حملاتهم العسكرية على إفريقيا.
ومع ذلك؛ لم يكن العامل الديني وحده هو ما دفعهم إلى ارتياد مجالَي الاستكشاف والاستعمار؛ فقد حرَّكهم الجشع والحصول على المكاسب المادِّيَّة المتمثِّلة في الأسلاب والغنائم، ولتلبية رغبة الطبقات البرجوازية الصاعدة في مختلف مدن البلاد.
إنَّ الدافعَين (الديني، والمادي) كانا متلازمَين ومتواكبَين، لا يَفْتَكُّ أحدهما عن الآخر (1)، وقد جنى البرتغاليُّون أرباحًا طائلة، كما وجدوا مصادر ماليَّة جديدة، عن طريق تجارة التوابل المربحة، بالإضافة إلى تمكُّنهم من الاتصال بالقديس يوحنا ملك الحبشة، التي كان ملوكها يُتابعون أخبار الحروب الصليبية ويطمحون في الإسهام بها، ولم يكتفوا بإظهار رغبتهم فقط؛ وإنَّما جرت بينهم وبين ملوك أوروبا اتصالاتٌ؛ كان الهدف منها إقامة حلفٍ مسيحيٍّ من أجل مهاجمة المسلمين من الجنوب.
وكانت "هيلانة" ملكة بلاد الحبشة قد أوفدت مبعوثًا سنة 1510م إلى ملك البرتغال "عمانويل"، تعرض عليه استعدادها للاتفاق والعمل المشترك ضدَّ الوجود الإسلامي في المنطقة، ومن ضمن ما ورد في رسالة ملكة الحبشة قولها: إنَّها: «لا تعمل على مهاجمة المسلمين المتمركزين في السهول المحيطة بالحبشة فحسب- لكنَّها أيضًا تنوي مهاجمة مكَّة، وهي في هذا بحاجةٍ لمساعدة الأسطول البرتغالي الذي أحرز انتصارات حاسمة على الأساطيل الإسلاميَّة في المحيط الهندي».
ويُذكر أنَّ البرتغال قد استجابت لطلب الحبشة الذي باركته الفاتيكان؛ حيث أصدر البابا عدَّة مراسيم يأذن فيها لملك البرتغال بمهاجمة المسلمين وإخضاعهم لحكمه، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وإن أمكن استرقاقهم!
ومن ثَمَّ أرسلت قوَّاتٍ عسكريَّةً تحقيقًا للوعود المقطوعة، على رأسها أحد أبناء الرحَّالة الشهير "فاسكو دا جاما"، لكنَّها مُنيت بخسائر فادحةٍ بعد مقتل قائدها (2).
وحرصت البابويَّة على تذليل الصعاب التي تواجه توجُّهات البرتغال الاستعمارية لضمان نجاحها، فبادرت بالتدخل لفضِّ النزاع بين الدولتَين الاستعماريتَين البرتغال وإسبانيا، بموجب "معاهدة تورديسلاس" عام 1494م..
حيث إنَّه «بعد شهرَين من تولية البابا إسكندر السادس البابوية قام بمنح فرديناند ملك إسبانيا الأمريكتَين، فطالبت البرتغال بملك العالم الجديد بالاستناد إلى مرسومٍ صدر من كالكستس Calixtus عام (1479م)، يُؤيِّد فيها امتلاكها جميع الأراضي الواقعة على شاطئ المحيط الأطلنطي..
وردَّت إسبانيا على هذا بأنَّ المرسوم لم يكن يقصد غير الأراضي الواقعة على الشاطئ الشرقي من ذلك المحيط، وكانت نيران الحرب وشيكة الاشتعال بين الدولتَين حين أصدر الإسكندر مرسومَين (في الثالث والرابع من شهر مايو سنة 1493م) يمنحان إسبانيا جميع الأراضي المكتشفة في غرب خطٍّ وهميٍّ، يمتدُّ من أحد القطبَين إلى القطب الثاني، على بعد مائة فرسخٍ إسبانيِّ من جزائر أزوره والرأس الأخضر..
كما يمنح البرتغال جميع الأراضي المكتشفة في شرقه، مشترطًا ألَّا تكون الأراضي ما يسكنه المسيحيون، وأن يبذل الفاتحون كلَّ ما أوتوا من جهدٍ في أن ينشروا الدين المسيحي بين رعاياهم الجدد» (3).
ولقد وصف برتغاليٌّ معاصرٌ اقتناص الأفارقة بقوله: «كان رجالنا يهتفون: (القديسة ياجو! القديس جورج! البرتغال!)، فيهاجمونهم، فيقتلون أو يخطفون كلَّ من تقع عليه أيديهم، وقد تشاهد هناك أمهاتٍ يهربن بأطفالهن، وأزواجًا يفرُّون بزوجاتهم، وكلٌّ منهم يبذل قصاراه للنجاة.. يقفز بعضهم في البحر، ويرى بعضهم أن يختبئ في أركان أخصاصهم، وخبَّأ بعضهم أطفالَهم تحت الشجيرات... حيث كان رجالنا يعثرون عليهم، والله الذي يمنح كلَّ إنسانٍ ما يستحقُّ من جزاء..
وهَبَ رجالنا آخر الأمر في اليوم النصر على أعدائهم، وتعويضًا لهم على ما بذلوه من عناءٍ في خدمته أخذوا مائةً وخمسةً وستِّين بين رجالٍ ونساء وأطفال، ولم يُحْسَب القتلى في هذا العدد» (4).
ومن أقوى الأدلَّة على أنَّ الدافع الديني لدى البرتغاليِّين كان له تأثيرٌ في توجُّهات البرتغال الاستعمارية -وإن كان لهم اهتماماتٌ مادِّيَّةٌ كما أشرنا سلفًا- ما ورد في خطاب رئيس الحكومة البرتغالية إذ ذاك «أنطونيو سالازار»، في إطار التفافه على رغبة سكان مستعمراتها الجامحة للتحرُّر خلال ستينيَّات القرن العشرين الميلادي..
قال: «إنَّ البرتغال كانت سبَّاقة في ميدان كشف إفريقيا، وليس لدى البرتغال أيَّة نيَّة في التخلِّي عن مسئوليَّاته.. وهي تُدرك تمامًا أنَّها رسالةٌ مقدَّسة، أمرها الله بالقيام بها لهداية الكافرين، سواءٌ كانوا في الهند أم في غابات الكونغو أم في هضاب أنغولا، ولن تتخلَّى عن هذه الرسالة مهما فعل الآخرون» (5).
وأكَّد في معرض كلامه أنَّ الجيش الاستعماري البرتغالي لم يدخل إفريقيا لدوافع خسيسة؛ وإنَّما لمـُثلٍ عليا دينيَّة وحضاريَّة.
هذا المعنى نفسه تحدَّث عنه رئيس الوزراء السابق «مارسيلو كايتانو» قائلًا: «الاهتمام البرتغالي بسكَّان المستعمرات الأصليِّين كان واضحًا منذ البداية، ظهر ذلك في الرغبة الواضحة في تقديم رسالة الإنجيل لهم، لإخراجهم من ظلام الوثنيَّة» (6).
وهكذا يظهر لنا جليًّا أنَّ الدافع الديني كان الحاسم في سياسات البرتغال تجاه التحرُّك نحو إفريقيا.
ويمكن إيجاز سر توجُّه البرتغال لاستكشاف سواحل القارَّة الإفريقية في عدَّة نقاط، أبرزها:
- الرغبة في إقامة علاقات مع القدِّيس يوحنا ملك بلاد الحبشة -الذي ذكرناه سلفًا-، والتحالف معه من أجل محاربة المسلمين.
- التعرُّف على أحوال المسلمين وحدود نفوذهم الحقيقي، ونهاية أراضيهم في إفريقيا، والسعي من أجل احتلالها.
- محاولة معرفة إمكانية الوصول إلى آسيا عن طريق الدوران البحري حول إفريقيا.
بعد تعيين الأمير هنري الملَّاح على سبتة -أحد المحطات النهائية لعبور ذهب الصحراء الكبرى والرقيق الإفريقي- في عام 1415م؛ رأى بأمِّ عينيه ما كانت القوافل التجارية، التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ألف جمل، تحمل الذهب والعاج والنحاس والملح، وغيرها من المنتجات التي كان التجار يُبادلونها ببضائع الغرب الأوروبي.
كما سمع من أفواه التجَّار الشماليِّين، الذين كانوا يرتادون أسواق إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء قصصًا عن بلادٍ مسيحيَّة، يحكمها رجل دينٍ يُسمَّى بـ «القسِّ يوحنا»، الذي كان يرغب في الاتصال به، حتى يعقد معه حلفًا لمهاجمة بلاد المسلمين وإخضاعها، ومن ثَمَّ تنصير الشعوب التي وصفوها بالوثنيَّة، ثم الاستيلاء على مناجم الذهب ومنابع الثروة الموجودة في بلاد السودان الغربي (7).
وقد أدخل البرتغاليُّون تحسيناتٍ في تقنية بناء السفن، فتوصَّلوا إلى اختراع المراكب الشراعية المسمَّاة بـ "الكرافيلا-Caravelle"، وهي قوارب خفيفة، وقادرة على السير عكس الرياح، لا تتجاوز زنة الواحدة منها الـ 200 طن، أضف إلى ذلك أنَّهم قد أجروا بعض التعديلات في البوصلة القديمة، مع استخدامها في الملاحة البحرية، الأمر الذي أسهم بنسبةٍ كبيرةٍ في ازدياد وتيرة الأعمال الاستكشافية (8).
مراحل الاستعمار البرتغالي في إفريقيا:
بدايةً نذكر أنَّ سبْقَ البرتغال لغيرها من القوى الغربية إلى استعمار إفريقيا له ما يبرّره من أسبابٍ استراتيجية، منها:
- أنَّها قد استكملت وحدتها واستقلالها في بدايات القرن 15 الميلادي.
- كون سواحلها قريبةً إلى القارة الإفريقية، وهو عاملٌ جغرافيٌّ مهم ساعدها على الوصول إلى بعض الجزر وأشباه الجزر في زمنٍ قياسي.
ويمكن تقسيم مراحل الاستعمار البرتغالي في إفريقيا إلى مرحلتَين اثنتَين:
- الأولى: تُغطِّي النصف الثاني من القرن 15 الميلادي، وكلُّا من القرنَين 16 و17.
وقد سادَ هذه المرحلة استغلال ديموغرافي ونزيف بشري رهيب، سبَّب للقارة الإفريقية الضعف والضمور.
- الثانية: تبدأ من الربع الأخير للقرن 19، إلى منتصف السبعينيَّات من القرن العشرين الميلادي.
سادها طابعُ النهب والاستعمار الاستغلالي والتزييف المتعمَّد للثقافة والهوية (9).
في المرحلة الاستعمارية المبكِّرة؛ وصل قباطنةٌ برتغاليُّون إلى جزيرة "ماديرا–Madeiras" عام 1419م، بإمرة الأمير هنري الملاح، فأصبحت مستعمرةً بعد ذلك بسنةٍ واحدة.
وبعد استعمار جزر "ماديرا" (سنة 1420م) و"الأزور-Azores" (سنة 1427م)؛ واصل المستكشفون البرتغاليون كشوفهم باتجاه شواطئ إفريقيا الغربية، فاستولوا على جزيرة أركين الواقعة قبالة سواحل موريتانيا؛ حيث أنشئوا أول محطةٍ تجارية، ولم يتوقَّفوا عند ذلك الحدِّ؛ بل توغَّلوا بقيادة البحَّار «نونو ترستاو» للحصول على المزيد من الاستكشافات، فلقي مصرعه حين حاول النزول في "أرخبيل بيجاغوس" الواقعة قبالة سواحل غينيا بيساو دون موافقة الأهالي.
لكنَّهم لم يتراجعوا بسبب تلك الانتكاسة، بل استخدموا شتَّى الوسائل والأساليب حتى سيطروا على مناطق واسعة متاخمة لسواحل غينيا بيساو (10)، وفي الفترة نفسها بسطت قوَّاتهم البحرية سيطرتها على جزرٍ استراتيجيَّة، حوَّلوها إلى مراكز تجارية، من أبرزها: "الرأس الأبيض–"Cape Blannice 1441م، و"الرأس الأخضر– Cape Verde".
وأكبر مَن برز من قُوَّاد الجيش الاستعماري البرتغالي -في مجال الملاحة والاستكشاف- فاسكو دا جاما، الذي تمكَّن من الوصول إلى الهند عن طريق الطواف حول سواحل الأطلسي، مرورًا برأس الرجاء الصالح -Cap de bon espernce، فالمحيط الهندي.
وإلى جانب الدوافع الاقتصادية التي هي العامل الأساس في جهود الأمير "هنري الملَّاح"، كان لدى هنري الملاح إيمانٌ راسخٌ أنَّ بإمكان بحَّارته الطواف حول إفريقيا للوصول إلى الهند عن طريق السواحل الأطلسيَّة، ومن ثَمَّ الحصول على أرباحٍ طائلة تُماثل تلك التي يتحصَّل عليها تجَّار جنوة وفلنسيا وعموم إيطاليا نتيجة احتكارهم للمنافذ التجارية مع الشرق.
وقد واصلوا الاستكشاف تدريجيًّا على طول الساحل الغربي لإفريقيا، بعد إثبات «بارتولومي دياز» أنَّه من الممكن الإبحار حول إفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح في 1488م.
وخلال عدَّة قرون، امتدَّت من أواخر ق15 حتى منتصف ق19 الميلاديَّين، ظلَّت القوى الاستعمارية الغربية عامَّة، والبرتغالية خاصَّة، تتراوح في مراكزها الموجودة بالشريط الساحلي، دون أن تقدر على التوغُّل في الدواخل؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ الأهالي كانوا مناوئين لأيَّة عمليَّات نزولٍ مباشرة، زد على ذلك صعوبة العوامل الطبيعية، وهذه المرحلة من الاستعمار الغربي تُسمَّى بـ«مرحلة المراكز الساحلية».
وخلال هذه المرحلة (مرحلة المراكز الساحلية) كان البرتغاليُّون يُمارسون تجارة الرقيق بشكلٍ مكثَّف، وعلى مدى القرون الأربعة التالية حملت السفن البرتغالية ما يُقدَّر بـ 5.8 ملايين إفريقي للعبودية، ذهب معظمهم إلى البرازيل التي ظلت مستعمرةً برتغاليَّةً حتى عام 1822م.
وحقَّقت هذه التجارة للبرتغال أرباحًا خيالية، وأصبحت هذه السلعة هي الأساس الذي بنت عليه البرتغال اقتصادها ورخاءها، ولذلك قيل -بسبب اشتهار ميناء لشبونة في البرتغال برواج تجارة الرقيق- بأنَّ «لشبونة قد بُنيت على عظام الرقيق الأسود ودمائه» (11).
المستعمرات البرتغالية في إفريقيا:
إنَّ الجزر والمحطَّات التي استعمرتها البرتغال في السواحل الإفريقية، واتخذت منها قواعد بحرية أو مراكز تجارية، هي:
أولًا: جزر الرأس الأخضر Cabo verde:
وهي أرخبيل تتكوَّن من حوالي خمس عشرة جزيرة، بعضها جبليَّة بركانية وعرة، والأخرى سهلية منبسطة، ولم تكن مأهولةً قبل اكتشاف البرتغاليِّين لها في سنة 1460م.
كانت مركزًا كبيرًا لتجارة الرقيق، وتبعد 570 كم2 قبالة سواحل السنغال، ويبلغ عدد سكَّانها على حسب إحصائيَّات سنة 2010م (516.733) نسمة، ثلثاهم من الخلاسين (خليط إفريقي برتغالي) يتكلمون لهجة الكريول-CREOLE.
والبرتغالية هي اللغة الرسمية للبلاد البرتغالية، ما جعلتها عضوًا في مجموعة الدول المتحدثة بالبرتغالية (CPLP).
ثانيًا: غينيا بيساو Guinea Bissau:
تحدُّها السنغال من جهة الشمال، وجمهورية غينيا من الشرق والجنوب، فالمحيط الأطلسي غربًا، ومعظم أراضيها مستنقعات وجزر، بما فيها أرخبيل "بيجاغوس-"Bijagos.
أهمُّ مدنها: "بيساو–Bissau" العاصمة، التي أُنشئت عام 1687م بواسطة البرتغاليِّين لتكون ميناءً مُحصَّنًا ومركزًا تجاريًّا، ثم أصبحت عاصمة غينيا البرتغالية عام 1942م؛ فبعد إعلان الميليشيات لاستقلال البلاد عام 1973م إثر دعوة الأمم المتحدة إلى ضرورة منح كلِّ المستعمرات حريتها، والاعتراف بها فورًا، أُعلنت "مادينا دو بو (Madina do Boe)" عاصمةً للمنطقة المستقلة.
في الوقت الذي ظلَّت بيساو عاصمةً للمناطق الواقعة تحت السيطرة البرتغالية فيما كانت تُدعَى بـ«غينيا البرتغالية»، وعندما اعترفت البرتغال باستقلال غينيا، وقامت بسحب قوَّاتها عام 1974م، اندمجت المنطقتان (غينيا البرتغالية، والمناطق المستقلة)، فأصبحت بيساو عاصمةً للدولة الموحّدة.
وتُعدّ غينيا بيساو من الدول الناطقة بالبرتغالية (CPLP).
ثالثًا: أنغولا Angola:
واسمها الرسمي: "جمهورية أنغولا Republica de Angola"، نالت استقلالها من البرتغال في 1975م، تقع في الجنوب الوسط من القارة الإفريقية؛ تحدُّها ناميبيا جنوبًا، وجمهورية الكونغو شمالًا، وزامبيا شرقًا، والمحيط الأطلسي غربًا.
وصل البرتغاليون إلى سواحل أنغولا في سنة 1455م، لكنَّهم لم يُؤسِّسوا فيها مركزهم التجاري إلَّا في عام 1464م، وذلك بالقرب من "لواندا-Luanda"، وذلك بقيادة "باولو دياز-"Paolo Diaz، الذي عُيِّن فيما بعد أميرًا على أنجولا، مقابل أن يعمل في تكوين جيشٍ قوامه 400 رجل، لحماية الأراضي التي كانوا يتوقَّعون السيطرة عليها، ومن ثَمَّ نقل 100 أسرةٍ برتغالية للاستيطان فيها.
ولم تكن سواحل أنغولا بدعًا من المستعمرات البرتغالية الأخرى في القارة الإفريقية؛ حيث نشطت التجارة بالرقيق بشكلٍ رهيب، وقد استحقت أنغولا بجدارةٍ لقب «ملكة الرقيق» أو «الأم السوداء»، لكثرة ما صُدِّر من الرقيق انطلاقًا من شواطئها ومراكزها التجارية.
وبعد إحكام قبضتهم على لواندا ثبَّتوا أقدامهم في المناطق المتاخمة لها، قبل التوجه إلى "بنجويلا –Benguela" الغنية بالثروات المعدنية، وعلى الرغم من الاستغلال الواسع لثروات أنغولا والتنقيب عن معادنها، والتوسُّع في المتاجرة البغيضة بالبشر، فإنَّه لم يكن هنالك أيُّ نوعٍ من أنواع التنمية أو التعمير، زد على ذلك أنَّهم بثُّوا الفوضى والروح العدائيَّة والفُرقة بين قبائل البلاد، حتى غدت تتحارب فيما بينها.
واللغة الرسمية في أنغولا هي البرتغالية، وهي مثل المستعمرات البرتغالية السابقة دولةٌ عضو في منظمة الدول الناطقة بالبرتغالية (CPLP).
وقد انشغل الأنغوليون بالحروب القَبَلية التي أجَّجتها القوَّات الاستعمارية، تلتها حرب التحرير من أجل الاستقلال، فحربٌ أهليَّةٌ دامت لحوالي 30 سنة؛ أتت على الأخضر واليابس.
ويُذكر أنَّ الاحتجاجات في أنغولا قد اندلعت في فبراير 1961م، فكانت بمثابة الجذوة التي أشعلت نار حرب التحرير، وبداية النهاية للإمبراطورية البرتغالية في إفريقيا، وقد خاضت حركاتٌ ثورية مختلفة معارك شرسة ضدَّ القوات الاستعمارية البرتغالية، تكلَّلت بقبول الأخيرة للتفاوض ومنح المستعمرة استقلالها.
رابعًا: موزمبيق Mocambique:
تُدعى رسميًّا "جمهورية الموزمبيق"، تقع في جنوب شرق إفريقيا، يحدُّها المحيط الهندي شرقًا، وتنزانيا شمالًا، ومالاوي وزامبيا من الشمال الغربي، وزيمبابوي غربًا، وسوازيلاند وجنوب إفريقيا من الجنوب الغربي.
عاصمتها "مابوتو-Maputo"، استعمرتها البرتغال في بداية القرن 16، وظلَّت لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن تقبع تحت الهيمنة البرتغالية.
وتُعدّ عضوًا في البلدان الناطقة بالبرتغالية (CPLP)؛ لكون نسبة كبيرة من السكان يتحدثون بها.
خامسًا: ساوتومي وبرنسيب Sao Tome e Principe:
تقع في خليج غينيا عند خطِّ الاستواء غربي جمهورية الغابون، وتتكوَّن من جزيرتَين؛ إحداهما: "ساو توميه- Sao Tome" التي تُعدُّ أكبر الجزيرتَين، وتحتضن عاصمة الدولة التي تحمل الاسم نفسه..
والجزيرة الأخرى: "برنسيب-Principe"، اكتشفها البرتغاليُّون في حدود سنة 1471م، وكانت الجزيرتان حين ذلك غير مأهولَتَين بالسكان.
واليوم يبلغ عدد سكانها بحسب إحصائيات سنة 2008م (206.000 نسمة)، جُلُّهم من المستكيوز (خليط إفريقي برتغالي)، والبرتغالية هي اللغة الرسمية.
نالت استقلالها من البرتغال عام 1975م، حين قرَّرت السلطات البرتغالية الجديدة -بعد سقوط النظام الدكتاتوري- منح مستعمرات البلاد في إفريقيا حريتها، بما فيها «ساوتومي وبرنسيب»، وعندئذ تسلَّمت حركة تحرير ساوتومي وبرنسيب (MLSTP) الحكم.
(1) انظر: د. أمين الطيبي: احتلال البرتغاليِّين مدينة سبته المغربية - مقدماته ودوافعه ونتائجه، مجلة كلية الدعوة الإسلامية/ طرابلس،ط5 - 1988م، ص 469-471.
(2) انظر: د. فرغلي علي تسن هريدي: تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر/ الكشوف- الاستعمار- الاستقلال، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع/ الإسكندرية، ط1- 2018م، ص 7-8.
(3) وويل ديورانت: قصة الحضارة، دار الجيل، بيروت، 20/ 88.
(4) المصدر السابق، 23/ 52.
(5) محمد هنائي عبد الهادي: نهاية الاستعمار البرتغالي، سلسلة كتب سياسية - جامعة الإسكندرية - 1998م، ص35.
(6) Portuguese colonialism in Africa: the end of an era، Eduardo de Sousa Ferreira and Basil Davidson.
(7) انظر: زاهر رياض: استعمار إفريقيا، الدار القومية للطباعة والنشر، 1965م، ص 19-20.
(8) انظر: د. فرغلي علي تسن هريدي: تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر/ الكشوف- الاستعمار- الاستقلال، ص47.
(9) انظر: حسن سيد سليمان: أشكال الاستعمار تقليدي وحديث (مؤتمر الاستعمار والفراغ )، منشورات جامعة قار يونس/ بنغازي، ط1- 1995م، ص163.
(10) انظر: محمد فاضل علي باري وآخر: المسلمون في غرب إفريقيا- تاريخ وحضارة، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1- 2007م، ص262.
(11) د. راشد البراوي: الرق الحديث في إفريقيا البرتغالية، دار النهضة العربية، ص116.
موقع قراءات إفريقية (بتصرف).