من اعلام بلادي – طه باقر
هذا هو الرجل الذي لم يكتفي بدراسة الاثار العراقية والكتابة عنها والقاء المحاضرات في الجامعات والندوات عنها وامام كاميرات التلفزيون. طه باقر هو من حفر بيده واشرف بنفسه على استخراج كنوز من اثار وتاريخ بلاد مابين النهرين، مهد كل الحضارات، وفي مناطق عديدة من شمال العراق الى جنوبه مثل تل الدير، عكركوف، تل حرمل، دوكان، اور.
طه باقر، المتميز ايضا بكتاباته وترجمته لعدد كبير من المؤلفات والكتب العالمية في مجال التاريخ في فترة زمنية ووقت لم يكن هذا المجال قد اخذ نصيبه من الاطلاع والغوص في تفاصيله في العراق. ومن هنا تكمن القيمة التاريخية والثقافية والادبية والاكاديمية لهذا العملاق في ردف التطور والتقدم في تاريخ العراق المعاصر.
يقال انه كان له المام باللغات الانكليزية والالمانية والفرنسية، اضافة الى لغات العراق القديمة كالسومرية والاكدية والبابلية والاشورية.
كان الأستاذ طه باقر يتأكد بنفسه من صحة أرقام الكيلومترات التي تفصل بين موقع وآخر ويدونها في دفتر صغير، وهذا يدل على دقته في العمل وحبه له، والمرشد الى مواطن الآثار والحضارة.
ولادته ودراسته
ولد طه باقر في مدينة الحلة، محافظة بابل العام 1912. اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة الحلة في محافظة بابل حيث برع في تعلم اللغة العربية واغتنى بعلم الفقه الاسلامي وادب اللغة من خلال انضمامه الى مايسمى انذاك بالكتاتيب – حتى يقال انه كان يعتمر العمامة في فترة من فترات حياته.
اكمل الدراسة الثانوية في الاعدادية المركزية في بغداد عام 1932 وعلى نفقة وزارة المعارف (وزارة التربية) لانه كان من اوائل الخريجين. ولتفوقه في المرحلة الثانوية ايضا حيث كان من الأربعة الأوائل على الثانويات العراقية كلها تأهل الى ان يكون من بين الطلبة الذين سافروا الى مدينة صفد الفلسطينية وهناك حصل على شهادة ماتريكوليشن Matriculation الإنجليزية، ومنها سافر الى بيروت ليكمل الدراسة في الجامعة الامريكية وعبور المرحلة الدراسية المعروفة باسم السوفومور Sophomore والتي اهلته الى السفر الى الولايات المتحدة للدراسة والاختصاص في علم الاثار في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو. هناك درس باقر الخط المسماري وتعلم اللغات القديمة كالسومرية والاكدية. حصل على شهادة البكالوريوس والماجستير من هناك بدرجة امتياز وعاد الى العراق في العام 1938.
الوظائف
عمل طه باقر خبير فني في الاثار بين العام 1938 و1941، خلال تلك الفترة، في آذار / مارس عام 1939 تم استدعائه الى الخدمة العسكرية والدخول في دورة الضباط الاحتياط. ترأس اللجان والهيئات الاثرية من العام 1941 وهي الجهات المعنية بتنقيب العديد من المواقع في العراق مثل تل الدير، عكركوف، تل حرمل، دوكان، اور.
شغل طه باقر عدة وظائف اخرى نذكر منها بتسلسل تاريخي حسب السنين:
- أمين المتحف العراقي من 1941 – 1953
- معاون مدير الآثار العام 1953 – 1958
- مفتش التنقيبات عام 1958
- عضو في المجمع العلمي العراقي.
عضو المجلس التأسيسي جامعة بغداد 1957 – 1958- حصل على لقب الاستاذية من جامعة بغداد 1959
- عضو مجلس جامعة بغداد 1960 -1963.
- نائب رئيس جامعة بغداد 1961 -1963
- مدير الآثار العام 1958 – 1963
بعد انقلاب 8 شباط عام 1963 تعرض طه باقر للمضايقة من قبل السلطات مما دفعه بعد سنتين الى الهجرة خارج العراق واستقر في ليبيا بين العام 1965 والعام 1970. هناك اسس مصلحة الاثار الليبية وعمل فيها مستشارا حيث نهض بهذا المجال الذي لم يكن معروفا او تم العمل به قبل ذلك في تاريخ البلاد.
التدريس
بدأ طه باقر بتدريس التاريخ القديم في كلية التربية دار المعلمين العالية سابقاً في العام 1941 والى العام 1960.
ودرس ايضا التاريخ واللغات القديمة (الاكدية والسومرية) في قسم الاثار كلية الاداب- جامعة بغداد بين عامي 1951 – 1963 الى ان احيل على التقاعد في 8 شباط 1963. سافر بعدها الى ليبيا ودرس في الجامعة الليبية للفترة بين عامي 1965 و1970 عاد بعدها الى العراق وتم اعادة تعيينه برتبة استاذ في كلية الاداب جامعة بغداد عام 1970 والى عام 1978 واحيل بعدها مرة ثانية على التقاعد بامر حكومي.
في السياسة
لم يكن طه باقر شيوعيا كما يدعيه البعض. هو كان من مناصري الجمهورية حتى ان هناك قصة (لم يتم تأكيدها او نفيها) عن موقف له مع رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد عندما كان يعمل مدير المتحف العراقي. طلب نوري السعيد من باقر فتح ابواب المتحف لزائر بريطاني يوم العطلة لكنه رفض قائلا “هل يوافق مدير متحف بريطاني ان يفتتح المتحف في يوم العطلة لزائر عراقي.”
تذكر المصادر التاريخية انه في الستينات من القرن الماضي قدم طه باقر طلب تأسيس حزب اسماه (الحزب الجمهوري) مع محمد مهدي الجواهري ومحمد كاشف الغطاء. وتذكر المصادر انه كانت لديه علاقة وطيدة كانت تربطه بالزعيم عبد الكريم قاسم وان الاخير عرض عليه منصب وزير التربية انذاك لكن باقر رفض ولكنه وافق على تعيينه لاحقا مديرا عاما للاثار. وهناك من يقول ان طه باقر كان من اولئك الذين رشحوا ودعموا اعطاء منصب رئاسة جامعة بغداد الى العالم عبد الجبار شيخ عبدالله.
مجلة سومر
من انجازات طه باقر كانت مجلة سومر التي صدرت في العام 1945. تتخصص مجلة سومر في مختلف الدراسات التاريخية وكانت تصدر كل ثلاثة اشهر حيث اصبحت مصدر مهم للباحثين والاكاديميين الى حد سواء. يعتبر طه باقر من مؤسسي مجلة سومر ومن اعضاء هيئة التحرير من العام 1945 الى 1958 وترأس بعدها هيئة التحرير بين عامي 1958 و1963، وظل يكتب في هذه المجلة الى وفاته.
مؤلفاته
نجح طه باقر من خلال بحوثه وكتاباته الى اثبات اصل بعض الكلمات الشائعة اليوم والتي تعود الى اللغة السومرية والاكدية – خاصة تلك المستخدمة في جنوب العراق، والف وترجم العديد من الكتب التاريخية والعلمية والبحثية، نذكر منها
- مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة.
وهي موسوعة صدرت في العام 1951 من جزئين تضم في محتواها شرح مفصل لتاريخ العراق من العصر الحجري والى نهاية الحضارة البابلية (الجزء الاول) وايضا احتوت الموسوعة على شرح مفصل لتاريخ وادي النيل وجزيرة العرب وبلاد الشام (الجزء الثاني).
الكتاب بجزئيه اليوم يعتبر اهم مصدر على الاطلاق للاساتذة والاكاديميين والباحثين على حد سواء حتى انه تم اقراره في المنهج الدراسي انذاك في العراق والى اليوم في اغلب الجامعات العربية.
الموسوعة اليوم تعتبر مصدر مهم في جامعات العالم بعد ترجمته لعشرات اللغات.
- ملحمة كلكامش
هو الكتاب والمصدر الاول والاساسي لجميع الباحثين والاكاديميين والطلاب في جميع انحاء العالم بدون استثناء منذ كتابته في العام 1962 والى اليوم.
ملحمة كلكامش هي اول قصة ملحمية في تاريخ البشرية. كتبت باللغة الاكدية في القرن السابع قبل الميلاد وتتكون من 12 رقيما كل واحد يحتوي 300 سطر باستثناء الرقيم الاخير الذي احتوى على 150 سطراً
على غلاف احدى الطبعات لترجمة ملحمة كلكامش نقرأ تحت العنوان (اوديسة العراق الخالدة)، وهو لتقريب محتوى الكتاب الى القارئ وليس كون ملحمة كلكامش اقل قيمة ادبية او شعرية عن ماكتبه هومر في القرن الثامن قبل الميلاد والتي تحكي قصة الملك اوديسيوس عبر البحار والجزر وماصادفته من شخصيات ومامر به به من احداث مثيرة.
ملاحظة: الخوض في البحث والمراجعة لهذا الكتاب صعب بسطور قليلة، شأنه شأن موسوعة الحضارات القديمة فالمجموعتين من الكتب تحتاج الى مقالات مستقلة لتغطية كم المعلومات وثراء اللغة المستخدمة في تقديم مضمون الموضوع.
- مقدمة في ادب العراق القديم
وهو من اهم الكتب التي جمع فيه طه باقر لمعظم الاساطير والقصص والامثال والحكم التي كتبت في العصور السومرية والاكدية والاشورية والبابلية.
- موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارات الإسلامية
وهو كتاب من عدة اجزاء، الاول فيه معلومات عن الطب والفلك في وادي الرافدين والهند ومصر. الجزء الثاني يتخصص بمحتواه على الحضارة الاسلامية
كتب طه باقر وترجم مجموعة اخرى من الكتب كان لها الدور الكبير في دفع البحث والدراسة وتقدم علم التاريخ والاثار في العراق في وقت لم يسلط الضوء بما فيه الكفاية على هذا المجال. نذكر من الكتب:
- المرشد إلى مواطن الاثار والحضارة (وهو كتاب من ستة اجزاء، كل واحد يحكي عن موقع اثري بحث فيه او فتشه بنفسه)
- عدة مقالات في مجلة الاقلام للسنوات 1971 – 1973
- عدة بحوث في مجلة المجمع العلمي العراقي للسنوات 1973 – 1976
- عدة بحوث ومقالات في مجلة افاق عربية للسنوات 1976 – 1978
- العديد من البحوث والدراسات في مجلة سومر للسنوات 1945 – 1962
- عدة دراسات في مجلة المحمع العلمي الكردي للسنوات 1976 – 1978
- من تراثنا اللغوي القديم وما يسمى بالعربية بالدخيل 1978
الترجمة
ترجم طه باقر عدد من الكتب المهمة في مجال التاريخ والادب والعلم، نذكر منها:
- بحث في التاريخ – ارنولد تويني ( Arnold J. Toynbee – A Study of History 1934)
- ألواح سومر – نوح كريمر ( Samuel Noah Kramer – From the tablets of Sumer – 1956 )
- الرافدان – ستين للويد (Sten Lloyd – Twin Rivers: A Brief History of Iraq from the Earliest Times to the Present Day – 1943 )
- تاريخ العلم -جورج سارتون (George Sarton). ترجم طه باقر الفصل الثالث من الجزء الاول للكتاب الذي صدر عام 1957
- دليل المتحف العراقي 1942
- بغداد 1959
- بابل وبورسيبا 1959
- تل حرمل
- عقرقوف
مرضه ووفاته
تدهورت صحة طه باقر في العام 1980 وسافر الى بريطانيا للعلاج وعاد. توفي في 28 فبراير/شباط 1984 في مدينة معلولة بسوريا، نقل جثمانه ودفن في العراق.
يجد الزائر للمتحف العراقي في بغداد اليوم تمثالا كبيرا للعالم طه باقر تكريما له ولانجازاته وماقدمه لعقود. التمثال من عمل النحات خليل خميس. اخر التكريمات لهذا العالم الجليل من اتحاد الآثاريين العرب في القاهرة، حيث كرمته درع الاتحاد عام 2002 م لما قدمه من خدمات جليلة في حقل الآثار.