الرياضة بدأت في وادي الرافدين 3
.
من المفروغ منه ان الانسان في وادي الرافدين كان قد تعايش وتكيف مع بيئته بشكل كبير وأستطاع أستثمار كل ما حوله، لهذا فأنه تعود السباحة والغوص وكذلك عرف الزورق والقارب بكل أشكاله فهو أبن البيئة التي يوجد فيها اكثر من شكل للمسطّحات المائية فهناك نهران عظيمان في عمقهما وجريانهما وكذلك هناك البحيرات الكبرى والاهوار الشاسعة والمستنقعات المائية وكذلك شط العرب والمصب الى الخليج الذي كان العراق يشرف عليه بمساحة مترامية الاطراف تصل الى ما يعرف حاليا بالامارات العربية !
كل هذه الكمية المتنوعة بالشكل والنوع من المسطّحات المائية سواء عذبة او مالحة جعلت هناك تنوع في الموارد التي تأتي منها، فالاسماك والروبيان وغيرها تنوعت وكذلك اللؤلؤ والمرجان وغيرها وكل نوع منها يتطلب مهارات معينة بالغوص او السباحة والملاحة او التجديف تتطلب نوع مختلف من الادوات والقوارب من حيث اشكالها ونوعياتها كل حسب حاجة إستخدامه لذا تنوعت أشكال السباحة والغوص وأصبح يقام لها المواسم للسباقات والتنافس.
((كانت السباحة تعتبر فناً من فنون الحرب وكان الجنود يزودون بجلود حيوانات تنتفخ بالهواء لأنقاذ أنفسهم من الغرق وقد دلت الآثار على ان سباحة الزحف كانت مستخدمة))
إن وجود نهرين عظيمين كدجلة والفرات اللذين يصبان في الخليج العربي والذي كان متقدما يشمل الكثير من الاراضي حيث تغطيها المياه، فرض على السكان التعامل معها وكان الانسان يضع أحماله أو ملابسه فوق رأسه عند عبور مثل تلك المناطق المائية وهذه العادة لاتزال باقية في جنوب العراق حتى الوقت الحاضر 2*. ومن هذه العادة ظهرت رياضة جديدة هي الموازنة التي سنتطرق إليها في مكان آخر من هذه المقالات كل هذا جعل العراقي القديم يتعلم السباحة كما يتعلم المشي.
فالنهر المكان الامثل للتخلص من الجو الحارفي الصيف وبهذا يشكل مسبحا للترويح واللعب وقد استعانوا بسباحتهم احيانا بجلود الماعز الشبيه بالقرب التي يستعملها السقاة في العراق حتى الحاضر ( وهي من جلد الحيوان رأسه مقطوع واطرافه ويتم نفخ الجلد والامساك به ووضعه تحت الصدر او بين الساقين ويجدفون بأذرعهم.)
الغوص :
لو اننا تتبعنا جلجامش في ملحمته وهو يلتقي بأوتانابيشتم يسأله سر الخلود ويدله أوتانابيشتم على النبات الشائك القادرعلى اعادة الشباب.. فيبحر كلكامش مع النوتي (اور شنابي ) للغوص بأعماق البحر لأخراج نبات الخلود …فمن تتبعنا لهذه القصة سنجد احدى طرق الغوص والتي لازالت موجودة حتى الآن غواصي اللؤلؤ في الخلجان حيث يربطون الاحجار بأقدامهم لتساعدهم على الهبوط للاعماق ثم يتخلصون منها ليعودا لسطح الماء ثانية، فقد مارسها السومريون وربما من قبلهم قبل اكثر خمسة الاف سنة.
هذه الصورة تجسد غوص كلكامش في مياه الموت من اجل نبتة الخلود.
القوارب والتجديف
ومن نفس النص لملحمة كلكامش
(( نصحت خادمة الحانة جلجامش ان يذهب لمكان التابع لأوناتابيشتم كان النوتي ذكيا وكان على هذا النوتي ان يعبر مياه الموت لكي يوصل المسافر الى سيده.))
عرف انسان وادي الرافدين القديم الزورق باشكال مختلفة وكان يستخدمه لنقل قوته وبضائعه وقواته ومؤنة والصيد لذا صنع السفن الشراعية في عهد العبيد دلالة ما وجد من نماذج في اور و أريدو وكان الزورق السومري شبيهاً بالمشحوف المستخدم حاليا في الجنوب فقد وجد زورق من الفخار في اريدو كما تم العثور على زوارق اخرى في الوركاء وتل بلا وقد نحتت من الحجر. ان السومريين استخدموا المجاديف وكذلك العمود – المردي- الذي يستخدم في جنوب العراق حتى الآن. ويظهر أستخدام المرادي من قبل النوتي ( اور شنابي) وهو يقود كلكامش الى سيده اوتانابيشتم ( نوح الطوفان) واول ما تحدثنا الاسطورة عن سفينته … فقد قطع أعمدة طويلة يدفع بها الزورق كان النوتي لايستعمل العامود الا مرة واحدة في دفع الزورق، لذلك استعمل ما لا يقل عن مائة وعشرين عمودا لعبور مياه الموت.
هناك نوعان اخران من القوارب استعملت هما القفه والكلك، فالقفه عبارة عن سلة من اغصان مدببه وذات قعر منبسط وغير عميق جدا ، وكان القعر يغطى بجلود ويغلف بنباله الكتان وقطع صوف وتضغط جميعها بشدة وتمزج بالطين والرقيق والقار الذي يضمن عدم تسرب الماء من خلاله وهناك زوارق من الحزم المشدودة.
كان القارب يحرك من قبل رجل او رجلين بمجاديف وحيدة وهكذا يتحرك القارب الى الامام دون ان يدور حول نفسه. اما الكلك فهو رمث يصنع من اقوى انواع القصب الذي ينمو بكثرة في الاهوار ويُزاد تعويمه بربط جلود الماعز تحت سطحه. كما نرى بالمنحوتة زوارق ذات مقادم وكواثل قوية ورسوم لرؤوس حيوانية تحمل اخشابا.صورة تمثل احد اشكال الزوارق عند السومريين.
أن هناك آثار كثيرة تركها الفنانين العراقيين القدامى وبمختلف العصور،وقد كانت السفن والزوارق الشراعية تحتل مكانة متقدمة كوسيلة نقل وتدريب عسكري حتى نصت بعض المواد في شريعة حمورابي.
ويبدو ان الزوارق كانت تستخدم للترويح ولنزهات العشاق ايضا فنجد في اسطورة الاله انليل السومرية ( واستشار انليل وزيره نسكو واطلعه على رغبته في ننليل الساحرة فصنع له نسكو زورقا وبينما كان انليل ينخر عباب الماء برفقه ننليل…)
فبلاد الرافدين بلاد الحب والعشاق كما هي بلاد الحروب والصراعات فيستحيل أن توجد مياه وخضرة وارفة والموسيقى والشعر ولا يوجد الحب ! الحب والعشق كان البطل في اغلب الحكايات والاساطير…أنها أرض الحياة بكل ما فيها حلوها ومرها ونحن أبناء تلك الارض نحن احفاد تلك الحضارات …
ادري لم ليس لدينا الكثيرمن الانجازات والاهتمام في مجال السباحة والغوص والتجديف مع انني اشك انه يوجد عراقي لا يمارس السباحة ! فنحن الشعب الذي يتعلم السباحة كما يتعلم المشي…ربما لأننا كذلك لم ننتبه لأهمية أن نتميز فيها ؟!! لا اعلم الّا أنه من الجدير بالذكر ويدعو للفخر حقاًانه لدينا لاعب عراقي تأهل الى أولمبياد ريو دي جنيرو 2016 لاعب التجديف العراقي محمد رياض والذي حاز على المركز الثالث فيها.
وهذا يؤكد أن ارضنا أرض وادي الرافدين ولاّدة رغم كل الظروف والتحديات واننا شعب يستحق الحياة التي يحارب من اجلها.