مخلفات النقوش السومرية للنخل
الشكل (2) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، قصة آدم وحواء وأغراء الحية بهما كما ظهرت على ختم يعود للعهد السومري (عن احمد سوسة 1969 )
في (الشكل 1) نقش للنخلة يرجع تاريخه الى العهد السومري. حيث ترى النخلة المقدسة وقد تدلى منها عذقان ، وفي كل من جهتي النخلة تقف امرأة مادة يدها نحو العذق مع انها تحمل عذقاً بيدها الاخرى . كما ترى احدى المرأتين تناول العذق الذي في يدها ثالثة . والمرأة الثالثة تمد يدها اليسرى لاستلام العذق في حين انها تحمل عذقاً آخر في يدها اليمنى . مما يشير الى وفرة غلة النخلة.
الشكل (1) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، النخلة المقدسة في العهد السومري البابلي
وكان الاشوريون يقدسون أربع شعارات دينية ، احداها النخلة والثلاثة الباقية هي : المحراث والثور والشجرة المقدسة. عثر على هذه الشعارات منقوشة على تاج وضع في أعلى محراب يعود الى عصر “أسرحدون” (680-669) ق.م. وفي النقش الذي يمثل “قصة آدم وحواء واغراء الثعبان بهما” والذي عثر عليه مدوناً على ختم اسطواني يعود الى العهد السومري القديم لما يسترعى الملاحظة والتأمل. ذلك لان ماورد في التوراة عن قصة آدم وحواء وجنة عدن وكيفية اغراء الثعبان بهما على اكل ثمار شجرة معرفة الخير والشر رغم التحذير من أكلها تجدها متمثلة في النقش المذكور و(بالشكل 2) تشاهد في النقش رجلا وعلى رأسه قلنسوة بقرنين وأمامه امرأة حاسرة الرأس ، وبينهما شجرة تمثل النخلة يتدلى من جانبيها عذقان من التمر ، وتمتد يد كل من الرجل والمرأة نحو العذق القريب منه للاقتطاف من ثمره. كما تشاهد الثعبان وقد انتصب خلف المرأة يغريها على الاكل من الثمرة المحرمة. فشجرة معرفة الخير والشر الواردة في التوراة هي شجرة النخل بالنسبة للسومرين الذين الفوها عندهم . أما هذا النقش التاريخي الفريد فقد وضع قبل تدوين التوراة بأكثر من الفي عام لان التوراة لم تدون بنصها الحالي الا في القرن الثامن والتاسع قبل الميلاد
الشكل (2) : مخلفات النقوش السومرية للنخل ، قصة آدم وحواء وأغراء الحية بهما كما ظهرت على ختم يعود للعهد السومري (عن احمد سوسة 1969 )
ولقد ترجم “سايس” (A.H.Sayce) بعض النصوص الاثرية عن النخلة بما يأتي: ” ان الشجرة المقدسة التي يناطح سعفها السماء وتتعمق جذورها في الاغوار البعيدة لهي الشجرة التي يعتمد عليها العالم في رزقه. فقد كانت بحق – شجرة الحياة – وعلى هذا فلقد تمثلت بأوقات مختلفة في هياكل بابل وآشور” ففي بابل كانت هذه النخلة المقدسة تزين ردهات المعابد الداخلية ومداخل المدن وعروش ذوي التيجان .. فالآه النخل كان يظهر على هيئة امرأة ينتشر عن اكتافها السعف كالاجنحة .
ولقد قننت شريعة حمورابي عددا من موادها لحماية زراعة النخل وتعهده : فالمادة التاسعة والخمسون من شريعة حمورابي تنص على : تغريم من يقطع نخلة واحدة بنصف (من ) من الفضة (أي نحو نصف لبرة) ولابد أن تكون هذه الغرامة باهضة في ذلك العهد .
وتنص المادة الستون على انه : اذا اعطى شخص ارضه لاخر ليغرسها بستاناً فليس له الحق في العوض لاربع سنين وفي السنة الخامسة يتقاضى نصف الناتج. ولقد كانت جميع المقاولات التي تتناول البساتين ايام حمورابي تشير الى التمر. وان غرس البستان يعني غرس النخل. وان تحديد المدة بأربع سنين في تلك الشريعة مما يثبت على ان غرس النخل لابد وان كانت يجري بالفسيل لا بالنواة ، لان النخلة النامية من النواة تستغرق اكثر من ست سنين حتى تثمر . وقد اختصت المادة الرابعة والستون والخامسة والستون في تلقيح النخل (5) فتنص الاولى على انه : اذا عهد مالك الى فلاح تلقيح نخيل بستانه والعناية بها فعليه ان يسلم ثلثي الحاصل الى صاحب البستان ويأخذ لنفسه الثلث . واما المادة الخامسة والستون فتنص على انه : اذا اهمل الفلاح تلقيح النخل وسبب نقصا في الحاصل فعليه ان يؤدي ايجار البستان اسوة بالبساتين المجاورة.
وهنالك الفاظ قديمة لايزال يستعملها زراع النخل العراقيون : لفظة ” التال ” المستعملة محليا لتعني ” الفسيل ” وجدت بالمصادر المسمارية بلفظة ” التالو ” ، ” تالا” بالآرامي . ولفظة “التبلية ” أي الالة التي يصعد بها الى اعالي النخل اصلها ” توبالو” بالبابلية .
واما الاسم البابلي للنخل فهو ” جشمارو” Jishimmaru مأخوذ من الكلمة السومرية “جشمار” Jishimmar والتمر في السومرية “زولوم ما Zulumma ” ومنه الكلمة البابلية ” سولبو Suluppu ” . والنخل بالآرامية “دقلة Diqla ” وفي العبرية ” تامار Tamar ” وفي الحبشية ” تمرة Tamart ” . وكان البابليون يستفيدون من التمر ونخله فوائد جمة . وفي القصيدة البابلية من العهد الفارسي تعداد لفوائد النخل اذ قد احصيت في 365 فائدة. ولعل ذلك مماثلاً للاغنية التدمرية القديمة التي تعدد فوائد نخل تدمر بــ 800 فائدة . ولقد ذكر “سترابو” أهمية النخل للعراق القديم بقوله : ” تجهزهم النخلة بجميع حاجاتهم عدا الحبوب ” .
تصف المصادر المسمارية اصنافاً كثيرة من التمر تتجاوز السبعين صنفاً . كما انها تذكر اصنافاً بأسماء مواضعها مثل : تمر تلمون ( يرجح ان تكون البحرين ) ، تمر مجان (أي عمان ) ، تمر ملوخاً . وقد ذكر ” بلني Pliny ” 49 صنفاً من اصناف التمور .
وقد ادخل البابليون والاشوريون التمر في بعض الوصفات الطبية كأستعمال تمر تلمون للدمامل والقرح بشكل لبخة . ووصف ماء التمر مع ماء الورد للمعدة وعسر البول مع الحليب . ووصف مسحوق نوى التمر مع شحم الخنزير للرضوض والاورام . وكذلك مسحوق النوى وماء الورد لمداواة العيون.
وكان البابليون يستحضرون شرابا من نسغ النخلة يسمى ” شراب الحياة ” وان عناية البابلين في رعاية النخلة وخدمة تربتها قديمة اذ وجدت وثيقة من العهد البابلي تلزم مستأجر النخل بالواجبات التالية : حراثة الارض المزروعة بالنخل ومراقبة الطلع وتلقيحه . ولقد كانوا يزاولون تسميد النخيل وتنظيف قواعده من الفسيل.
ولقد ذكر ” هيرودوتس Herodotus ” الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد – خشب النخل في بابل كما ذكر ان معظم نخل بابل كان ينتج تمرا جيدا يؤكل .
وعندما غار الساميون على جنوب بابل – بتاريخ لم يحدد – وجدوا النخل هناك وكانوا قد الفوه في ديارهم . وهناك من الدلائل مايشير على ان النخل قد انتشر من وادي الرافدين شمالا حتى وصل فينيقيا وسوريا حيث كانت ” عاملا مألوفا في التزيين “.