صفات أرض الجنة وأنهارها وأشجارها وريحها
*
مقتطفات من مسائل عبد الله بن سلام بن الحارث اليهودي
إلى النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل إسلامه في خيبر :
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَبُولُونَ ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : نَعَمْ يَا ابْنَ سَلَامٍ ، مَثَلُهُمْ فِي الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ،
يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُهُ وَلَا يَبُولُ وَلَا يَتَغَوَّطُ ، وَلَوْ رَاثَ فِي بَطْنِهَا وَبَالَ لَانْشَقَّ بَطْنُهَا .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ مَا هِيَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، لَبَنٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَخَمْرٌ ، وَعَسَلٌ مُصَفَّى ، وَمَاءٌ غَيْرُ آسِنٍ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَجَامِدَةٌ هِيَ أَمْ جَارِيَةٌ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : بَلْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَشْجَارِهَا .
قَالَ : فَهَلْ تَنْقُصُ أَمْ تَزِيدُ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : لَا يَا ابْنَ سَلَامٍ .
قَالَ : فَهَلْ لِذَلِكَ مَثَلٌ فِي الدُّنْيَا ؟
قَالَ النَّبِيُّ : نَعَمْ .
قَالَ : وَمَا هُوَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، انْظُرْ إِلَى الْبِحَارِ تُمْطِرُ فِيهَا السَّمَاءُ وَتَمُدُّهَا الْأَنْهَارُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ .
فَقَالَ : صِفْ لِي أَنْهَارَ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، فِي الْجَنَّةِ نَهَرٌ يُقَالُ لَهُ الْكَوْثَرُ ، رَائِحَتُهُ أَطْيَبُ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَالْعَنْبَرِ ،
حَصَاهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ عَلَيْهِ خِتَامٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ مَنْزِلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَصِفْ لِي أَشْجَارَ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا طُوبَى ، أَصْلُهَا مِنْ دُرٍّ وَأَغْصَانُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَثَمَرُهَا الْجَوْهَرُ ،
لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةٌ وَلَا حُجْرَةٌ وَلَا مَوْضِعٌ إِلَّا وَهِيَ مُتَدَلِّيَةٌ عَلَيْهِ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَهَلْ فِي الدُّنْيَا لَهَا مِنْ مَثَلٍ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : نَعَمْ ، الشَّمْسُ الْمُشْرِقَةُ تُشْرِقُ عَلَى بِقَاعِ الدُّنْيَا وَلَا يَخْلُو مِنْ شُعَاعِهَا مَكَانٌ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَهَلْ فِي الْجَنَّةِ رِيحٌ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : نَعَمْ يَا ابْنَ سَلَامٍ ، فِيهَا رِيحٌ وَاحِدَةٌ خُلِقَتْ مِنْ نُورٍ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا الْحَيَاةُ وَاللَّذَّاتُ يُقَالُ لَهَا الْبَهَاءُ ، فَإِذَا اشْتَاقَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَزُورُوا رَبَّهُمْ هَبَّتْ تِلْكَ الرِّيحُ عَلَيْهِمُ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ مِنْ حَرٍّ وَلَا مِنْ بَرْدٍ بَلْ خُلِقَتْ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ ، تَنْفُخُ فِي وُجُوهِهِمْ فَتُبْهِي وُجُوهُهُمْ وَتَطَيَّبُ قُلُوبُهُمْ وَيَزْدَادُوا نُوراً عَلَى نُورِهِمْ وَتَضْرِبُ أَبْوَابَ الْجِنَانِ وَتُجْرِي الْأَنْهَارُ وَتُسَبِّحُ الْأَشْجَارُ وَتُغَرِّدُ الْأَطْيَارُ ، فَلَوْ أَنَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قِيَامٌ يَسْمَعُونَ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ سُرُورٍ وَطَرَبٍ لَمَاتَ الْخَلَائِقُ شَوْقاً إِلَى الْجَنَّةِ ، وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ . ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ مَا هِيَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، أَرْضُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ ،
وَرَضْرَاضُهَا الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي مِمَّا يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، يَأْكُلُونَ مِنْ كَبِدِ الْحُوتِ الَّذِي يَحْمِلُ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا وَاسْمُهُ بهموت .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ يَصْرِفُونَ مَا يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِهَا وَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْ أَجْوَافِهِمْ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، لَيْسَ يَخْرُجُ مِنْ أَجْوَافِهِمْ شَيْءٌ ، بَلْ عَرَقاً صَبّاً أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ وَأَزْكَى مِنَ الْعَنْبَرِ ،
وَلَوْ أَنَّ عَرَقَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُزِجَ بِهِ الْبِحَارُ لَأُسْكِرَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ طِيبِ رَائِحَتِهِ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي عَنْ لِوَاءِ الْحَمْدِ مَا صِفَتُهُ وَكَمْ طُولُهُ وَكَمْ ارْتِفَاعُهُ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ وَأَسْنَانُهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ خَضْرَاءَ ،
قَوَائِمُهُ مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ ، لَهُ ثَلَاثُ ذَوَائِبَ مِنْ نُورٍ ذُؤَابَةٌ بِالْمَشْرِقِ وَذُؤَابَةٌ بِالْمَغْرِبِ وَالثَّالِثَةُ فِي وَسَطِ الدُّنْيَا .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي كَمْ سَطْرٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ ، السَّطْرُ الْأَوَّلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ،
وَالسَّطْرُ الثَّانِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وَالسَّطْرُ الثَّالِثُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَيَّتَهُمَا خَلَقَ اللَّهُ قَبْلُ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّارِ ، وَلَوْ خَلَقَ النَّارَ قَبْلَ الْجَنَّةِ لَخَلَقَ الْعَذَابَ قَبْلَ الرَّحْمَةِ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْجَنَّةِ أَيْنَ هِيَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، وَالنَّارُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَأَخْبِرْنِي كَمْ لِلْجَنَّةِ مِنْ بَابٍ وَكَمْ لِلنَّارِ مِنْ بَابٍ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ وَلِلنَّارِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي كَمْ بَيْنَ الْبَابِ وَالْبَابِ مِنَ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ .
قَالَ : وَكَمْ ارْتِفَاعُهُ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ، عَلَيْهِ سُرَادِقٌ مِنْ ذَهَبٍ ، بِطَانَتُهُ مِنْ زُمُرُّدٍ ،
عَلَى كُلِّ بَابٍ جُنْدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي فَمَا يَقُولُونَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَقُولُونَ طُوبَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ نَعِيمِ اللَّهِ .
قَالَ : فَصِفْ لِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، يَدْخُلُونَهَا أَبْنَاءُ ثَلَاثِينَ وَبَنَاتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، فِي حُسْنِ يُوسُفَ وَطُولِ آدَمَ وَخُلْقِ مُحَمَّدٍ .
قَالَ : فَصِفْ لِي بَعْضَ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : إِنَّ أَدْنَى مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ دَنِيٌّ ، لَوْ نَزَلَ بِهِ جَمِيعُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَأَوْسَعَهُمْ طَعَاماً وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَبْصُقُ فِي الْبِحَارِ الْمَالِحَةِ لَعَذُبَتْ ، وَلَوْ نَزَلَ مِنْ ذُؤَابَتِهِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بَلَغَ ضَوْؤُهَا كَضَوْءِ الشَّمْسِ وَنُورِ الْقَمَرِ .
قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ! فَصِفْ لِيَ الْحُورَ الْعِينَ ؟
قَالَ النَّبِيُّ : يَا ابْنَ سَلَامٍ ، الْحُورُ الْعِينُ بِيضُ الْوُجُوهِ فِحَامُ الْعُيُونِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ ، صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ اللُّؤْلُؤِ الْأَبْيَضِ الَّذِي فِي الصَّدَفِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي .
*
المصدر : (البحار : ج75، ص255.)