.
عمتي مريم
…..
ما تبقى من كَرْم عمتي طللٌ صغيرٌ من عريشتها
لا تينها هناك ، ولا دواليها ، ولا سمّاقها
غير أن جروها المربوطَ في خُرّامة الصخر ، يقفز لي
رائحة طبيخها تفوح في الوادي
ثوبها المطرز بالحرير بستان لا يمرّ به الخريف
ابتسامتها في استقبالي ماكثة هناك
تأخذني، في الوحشة، إلى حكاياتها الطويلة ،
وإلى سراجها الذي تطفئه الريح،
لأنام .
***
امرأة الفصول الأربعة كانت عمتي
عمتي مريم ، أم البنات اللواتي لم يكتملن بـ” كاملة”
ولم يمتنعن عن المجيء بعد ” صابرة”
لكنهن كرهن الحياة بعد ” ختام”
ثلاث بنات تركن ” ختام ” تختتم بنات عمتي
الأولى ولدت دون حاجز أنفي ، فماتت بعد يومين
الثانية ولدت بنصف جبهة ، فماتت بعد أسبوع
الثالثة ولدت ميتة بجسد مشوّه تماما .
***
امرأة الفصول الأربعة كانت عمّتي
عمّتي مريم ، نسّاجة أطباق القشّ والأنوال
كفّاها لوحتان من قوس قزح
كفاها حمراوان من السّماق
كفاها صفراوان من الزعفران
كفاها خضراوان من عشب الربيع
كفاها بيضاوان من رغوة الحليب ..
***
امرأة الفصول الأربعة كانت عمتي
عمتي مريم، صاحبة الوجه القوي كملكة
المرأة التي يهاب حضورها الرجال
وآوي أنا إليها أكثر من أمّي
أنا ابنها الذي لم تلده ، فضمتني أخاً لبناتها
تهش في وجهي صباحاً
وتوصلني ، حين لا أبيتُ عندها ، إلى باب دارنا
***
لا أرى أحدا على الطريق يا عمتي
تعبت عيناي ، ولم أعد أرى
كأن الظلال التي رأيتُها قبل لحظة
سكنتْ فيهما
أو كأنّ الشمس انطفأتْ
أترين الشمس يا عمتي ؟
أعيدي عليّ ما رأيتِه بنور قلبك
إنني أصدّق قلبك يا عمتي
وأكذّبُ عينيّ البصيرتين
***
لا وحوش في تلالنا يا عمتي
سوى وحوش الغريب في الحكاية
لكنها ، كما تروين ، تجري في السّهل
تغافل الغزالة النائمة
وتورثني حسرةً وأسى لا يبرحان .
***
سرطان نما في حنجرة عمتي
عمتي لم تكن تكذب
كانت تحلم بكنز في بستان الخوخ
وكانت توزعه على أحبابها
ولا تبقي لنفسها سوى القليل .
منقوول