مرحبا
في علم المساحة، تعد المسافة بين نقطتين، المسافة الأفقية بينهما، أي الطول الأفقي بين الشاقولين المارين بهاتين النقطتين. ويمكن الحصول عليها إمّا بقياسها أفقياً أو بقياسها بشكل مائل ومن ثم إسقاطها على مستوى أفقي. تعدُّ عملية قياس المسافات distance measurement إحدى العمليات الأساسية في علم المساحة.
لمحة تاريخية
استند تقدير المسافات في العصور القديمة إلى عدد أيام المسير بين نقطتين، فحينما أراد إراتوسثينِس Eratosthenes تقدير محيط الأرض (نحو مئتي عام قبل الميلاد), فإنه قدّر المسافة بين مدينتي أسوان والإسكندرية استناداً إلى عدد أيام السير للقوافل والمسافة التي تقطعها في اليوم الواحد. واستخدم العرب في عصر الخليفة المأمون الحبال لقياس طول درجة واحدة على سطح الأرض، وكان طول الحبل الواحد 50ذراعاً.
وفي بداية العصر الحديث، استعملت المساطر الخشبية والمعدنية بطول من 4 إلى 5أمتار, مقسّمة إلى مقاطع بطول متر, ومطلية بالتناوب بالأبيض والأسود. كما استخدمت في الولايات المتحدة سلسلة غونتر Gunter بطول 66قدماً, وهي مؤلفة من 100وصلة طول كل منها 7.92بوصة، تتصل الواحدة بالأخرىعن طريق حلقة. كما استخدمت في أوربا سلسلة المساح الشبيهة بسلسلة غونتر ولكن بطول 30متراً.
وفي عام 1883، أدخل العالم السويدي يدِرين الأسلاك المعدنية بطول من 20 إلى 50متراً. يعلّق السلك على ثلاثيتي أرجل ويشدّ بثقل، ثم استعيض عنه بسلك من الأنفار invar، وهو خليط من النيكل والفولاذ عامل تمدده صغير، وذلك للقياسات الدقيقة للمسافات.
استعيض بعد ذلك عن الأسلاك بالأشرطة الفولاذية, التي يراوح طولها من 20 إلى50متراً، والأشرطة القماشية ذات الأطوال من 10 إلى 20متراً، ولازالت مستعملة حتى اليوم لقياس المسافات القصيرة.
الواحدات المستخدمة في قياس المسافات
لم يكن هنالك اتفاق في العصور القديمة والوسطى على واحدة لقياس المسافات، فاستخدم أرسطو (300ق.م.) ملعب (ستاد) ديلفِس Delphes الذي يساوي في واحداتنا اليوم 177.50متراً. وكان الملعب (الستاد) الذي استعمله كلاً من إراتوسثينس (200ق.م.) وبطليموس Ptolémée يساوي 157.5متراً، أما ملعب (ستاد) بوسيدونيوس (100ق.م) Posidonius فكان 210م. وكان الميل الروماني يساوي 5.7 من ملعب (ستاد) إراتوسثينس. وقد استعمل العرب الذراع المساوي 0.4933م، والميل المساوي اثنا عشر ذراعاً والفرسخ المساوي ثلاثة أميال. واعتمد في القرون الوسطى الميل الإيطالي وكان يساوي 1589متراً.
يستخدم حالياً نظامان عالميان لتقدير المسافات هما النظام المتري والنظام الإنكليزي. يسمَّى النظام المتري بالنظام الدولي، ويختصر بالحرفين SI. وقد تم تحديد قيمة المتر بعد أن قام ميشان ودولمبر Méchain et Delambre في أواسط القرن الثامن عشر بقياس طول قوس من خط الزوال meridian الذي يمتد من دنكرك إلى برشلونة. و المتر هو جزء من عشرة ملايين جزء من ربع خط الزوال على الكرة الأرضية. وقد اعتمد في كل أنحاء العام ماعدا في ثلاث دول هي: الولايات المتحدة وبورما وليبيريا.
أما النظام الإنكليزي؛ فالواحدة الأساسية فيه هي القدم foot، وتقسم إلى 12بوصة inch. وفيه اليارد yard ويساوي ثلاث أقدام، والميل mile ويساوي 5280 قدماً، والميل البحري nautic mile ويساوي 6.76.10قدماً، وهي تسمية لطول زاوية من خط العرض أو خط الطول عند خط الاستواء. ويساوي القدم 30.48سنتيمتراً.
طرائق قياس المسافات
هنالك طريقتان أساسيتان لقياس المسافات:
1ـ الطريقة المباشرة: ويتم قياس مسافة فيها بتنقيل جهاز قياس على طول المسافة بين ذروتيها، ويندرج تحت هذه الطريقة طرق عدة أهمها:
آ ـ القياس بالشريط: يستخدم الشريط الفولاذي الذي يراوح طوله بين 20 و 50متراً، وهو بالأمتار وعشرات السنتيمترات والسنتيمترات. ولإجراء القياس تستخدم مع الشريط بعض الأدوات المساعدة وهي: الشواخص range rods والأسياخ pins وخيطي مطمار plumb bobs، فتوضع نقاط على استقامة المسافة نفسها، ويرفع الشريط، باستخدام خيطي المطمار، ليصبح أفقياً ويشدّ من طرفيه، وتجسد نهاية الشريط على الأرض بوساطة سيخ، وتكون قيمة المسافة المقاسة هي عدد المرات التي تضمنتها المسافة من طول الشريط وجزء منه. يقدرّ الخطأ النسبي في قياس مسافة ما بهذه الطريقة بِـ 5/10000.
ب ـ القياس بالخطوة step: تستخدم الخطوة بعد تعيير قيمتها، ولقياس مسافة ما تعدّ الخطوات. ويراوح الخطأ النسبي في هذه الطريقة من 1/50إلى 1/100.
ج ـ القياس بعداد المسافات (الأودومتر) odometer، يعتمد على تحويل عدد دورات دولاب ذي طول محيط معلوم إلى مسافة. ويقدر الخطأ النسبي في هذه الطريقة بِـ 1/200.
2ـ الطريقة غير المباشرة: تقاس المسافة من دون الانتقال بين ذروتي المسافة، وهنالك طرق عدة يمكن بوساطتها قياس مسافة ما، أهمها:
آـ القياس بالستاديا :stadia تحوي نظارة مساحة على محكّم reticule، وهو عبارة عن لوحة زجاجية حُفر عليها خطان متعامدان، يجسد تقاطعهما محوراً للرصد. ويحفر على المحكّم خطان متوازيان يسمحان بقياس المسافة بين نقطتين.
فمن الشكل (1) يُلاحظ أن المسافة الأفقية تعطى بالعلاقة:
الشكل (1) قياس المسافة بالستاديا: حساب المسافة من تشابه مثلثين
D = C + R
حيث C ثابثة تحدّد من قبل صانع الجهاز، وتساوي مجموع البعد المحرقي f لعدسة جسمية النظارة والبعد c لهذه العدسة عن المحور الرئيسي لجهاز المساحة، أي: C = c + f، أمّا فهو ارتفاع في المثلث FAB ويساوي من تشابه المثلثين FAB و fab:
إن هو البعد بين الخطين المتوازيين المحفورين على لوحة المحكّم، وهو ثابت وبما أن هو ثابت (البعد المحرقي لعدسة الجسمية)، فالقيمة هي ثابتة، وينتج أنه لمعرفة R يكفي قياس المجال AB على الميرا، ويساوي هذا المجال فرق قراءتين على الميرا.
الشكل (3) قائس مسافات الإلكتروني في جهاز محطة كاملة
ب ـ القياس الإلكتروني للمسافات: يستند مبدأ هذه الطريقة إلى قياس الفترة الزمنية التي تستغرقها موجات كهرطيسية، يولدها جهاز ويرسلها نحو عاكس لهذه الموجات ليردها وليلتقطها الجهاز ثانية. وتحسب المسافة L من العلاقة: L = 0.5 (n? +p)، حيث ? طول الموجة وتعطى بالعلاقة:: حيث v سرعة انتشار الموجات في الهواء وF التوتر أي عدد النوبات المتكررة cycles في واحدة الزمن. تكون v و F معروفتين، أما p في العلاقة السابقة فهي الجزء الكسري من طول الموجة، وتحدد بقياس فرق الصفحة phase shift الذي هو الفرق الزمني بين حركتين دوريتين لهما التردد نفسه حين لا يوجد تواقت بينهما، ويقاس بإرسال موجات بترددات مختلفة. ويمكن عندئذ حل معادلتين للحصول على العدد الصحيح n وعلى المسافة L. تسمى الأجهزة التي تقيس المسافات بهذه الطريقة بالقوائس الإلكترونية للمسافات EDM أي electronic distance meters.ومن أوائل هذه الأجهزة الجيوديمتر geodimeter الذي يستخدم حزماً ضوئية، وكذلك التللورومتر tellurometerالذي يستخدم الأشعة الميكروية. ثم تلتها أجهزة أخف وزناً وأسهل استعمالاً. وظهرت القوائس التي تستخدم أشعة الليزر. إن القوائس الإلكترونية الحديثة للمسافات ناجعة تماماً، وتعطي المسافات آلياً بمجرد الضغط على زر. وسميت هذه الأجهزة المحطات الكاملة total station (الشكل 3). وتطالعنا مؤخراً محطات كاملة نبضية pulse total station تستخدم أشعة ترتد على السطوح كافة ويمكن الاستغناء بها عن العواكس. تقدر دقة قياس المسافات بالطرق الإلكترونية بِـ 2 ppm ppm (تعني جزءاً من مليون من طول المسافة).