مرحبا
النقل بالأنابيب
هو أحد أقدم أساليب نقل المواد التي طورها الإنسان باستخدام وسيط نقل مغلق، يضمن السلامة المشتركة للمادة المنقولة والوسطين البيئي والبشري المحيطين. ويُستخدم هذا النظام في نقل مواد مختلفة غازية أو سائلة حتى مختلطة، وذلك عبر أنابيب مصنوعة من مواد مختلفة وتحت شروط عمل من ضغط وتدفق تناسب شروط سلامة الأداء لمنع حدوث أي انفجارات أو تسربات، وكذلك بما يلبي متطلبات التشغيل والخدمة التي أنشئ لأجلها، وذلك لمسافات طويلة قد تصل إلى آلاف الكيلومترات. ويعود تاريخ أول خط لنقل النفط إلى عام 1879 الذي أنشأته مجموعة من منقبي النفط في الولايات المتحدة الأمريكية.
بنية خطوط النقل بالأنابيب
يتألف خط النقل بالأنابيب من (الشكل 1):
أـ البنية الأنبوبية: وهي مجموعة الأنابيب المركّبة على قواعد خاصة وفق مواصفات محددة لتكوّن الوسيط المغلق الذي تمر عبره المادة المنقولة. ولهذه الأنابيب أنواع مختلفة تبعاً لنوع المادة المستخدمة في صنعها. ويتحكم الوسط المنقول ومواصفاته الكيميائية (درجة القلوية أو الحموضة، قوة الأكسدة) والوسط المحيط (الرمال المخرشة في الصحراء) وكذلك شروط التشغيل من سرعة التدفق وضغط التشغيل في تحديد مادة الأنبوب المختارة. ومن أهم هذه الأنواع ما يأتي:
ـ الأنابيب المعدنية metallic pipes: وتصنع من معادن مختلفة كالرصاص والألمنيوم وغيرها. بيد أن الأنابيب النحاسية والمصنعة بطريقة السحب هي الأكثر رواجاً في المجالات الصناعية المحدودة من حيث الأطوال والضغوط والتدفقات. وتصنع الأنابيب الفولاذية من صفائح فولاذية مقاومة للصدأ تلف بشكل حلزوني، وتلحم من الجوانب لتشكل أنابيب ذات أقطار متعددة. وتستخدم هذه الأنابيب في نقل المياه والنفط والغاز تحت شروط صعبة من ضغط وتبدلات حرارية ومناخية.
ـ أنابيب الحديد المطاوع ductile iron:
تُصنّع بالسباكة بوساطة آلات الطرد المركزي. ويشيع استخدامها في نقل المياه والتطبيقات التي تستلزم طمر الأنابيب في الأرض مما يزيد صعوبة ظروف العمل. وتتميز هذه الأنابيب من الأنابيب الفولاذية آنفة الذكر بسماكة كبرى للجدران ومقاومة كبرى لظروف التربة والطقس.
ـ الأنابيب اللدائنية (البلاستيكية) plastic pipes:
تستخدم هذه الأنابيب في التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى المقاومة الكيمياوية العالية التي تبديها المواد اللدائنية. وحديثاً دخلت الأنابيب اللدائنية المصنعة من البولي إيتيلين عالي الكثافة high density polyethylene (HDPE) وكلوريد البوليفينيل polyvinyl chloride (PVC)في مشروعات نقل المياه التي تتميز بعدم تآكلها أو التعرض للصدأ وما يترافق معها من مشكلات اهتراء.
ـ الأنابيب الخرسانية concrete pipes:
تُصنّع من الخرسانة، ويغلب استعمالها في شبكات الصرف الصحي والنقل بالراحة حيث يتم التدفق تحت تأثير الجاذبية.
إن جميع الأنابيب السابقة تتمّ معالجتها وتبطينها لتحقيق أفضل المواصفات وشروط التشغيل المناسبة لكل نوع من المواد المنقولة. ومن المهم الإشارة إلى إمكانية استخدام النقل بالأنابيب للمواد الصلبة كالقمح والحبوب، فهذه التقنية في النقل ليست حكراً على المواد السائلة والغازية فقط. ومثالاً على ذلك، فإن تفريغ السفن الناقلة لشحنات الحبوب والراسية في الموانئ يتم عبر أنابيب خاصة تقوم بنقل الحبوب إلى صوامع التخزين المجاورة.
ب ـ محطات الضخ: وهي مجموعة المباني والمنشآت الهندسية ومعداتها الميكانيكية المستخدمة في تزويد الوسط المنقول عبر الأنابيب بالطاقة الهدروليكية الضرورية لقطع المسافة المطلوبة بالسرعة والضغط المطلوبين.
ج ـ تجهيزات التحكم والمراقبة: وهي مجموعة أنظمة التحكم الإلكترونية والكهربائية ومايتبعها من تجهيزات ميكانيكية تستخدم للتأكد من أن محددات تشغيل خطوط النقل من ضغط وتدفق وحرارة ومستوى التخزين في الخزانات وغيرها يقع ضمن مجالات الأداء الأمثل. وكذلك تستعمل للقيام بالتعديلات اللازمة على إجراءات التشغيل في حال حدوث أيّ طارئ.
د ـ تجهيزات السلامة الفنية: وهي مجموعة المعدات والتجهيزات المستخدمة لضمان سلاسة عمليات التشغيل المختلفة لأنظمة النقل بالأنابيب وسلامتها. وتشمل تجهيزات خاصة للقياس، وتجهيزات حماية ضد المطرقة المائية التي تعدّ ظاهرة سلبية مخربة لاتقتصر على أنابيب المياه كما يوحي الاسم، وتجهيزات لطرد الهواء المتسرب إلى خطوط النقل.
هـ ـ تجهيزات السلامة البيئية: وهي مجموعة التجهيزات المستخدمة لضمان سلامة تشغيل الأنظمة ومنع الحوادث البيئية، ولاسيما أن أهم الحوادث التي يمكن أن تصيب البيئة بأضرار جسيمة هي حوادث التسربات النفطية أو الكيمياوية. إحدى التجهيزات التي يمكن استخدامها للكشف مباشرةً عن تسرب النفط وبعض المواد الكيمياوية هي استخدام كبل كهربائي موصول من أحد طرفيه بمصدر منخفض الجهد مشكلاً دارة كهربائية مفتوحة. يعزل السلكان المكوِّنان للكبل عن بعضهما بمادة شديدة الحساسية للسائل المنقول، وعند حصول أي تسرب وانسكاب السائل على الكبل يذوب العازل ويحصل تماس مباشر، وتغلق الدارة الكهربائية، وبقياس تيار القصر ومعرفة المقاومة الكهربائية الطولية للكبل يتم تحديد موقع التسرب بدقة كبيرة جداً (الشكل 1).
شروط إنشاء خطوط النقل بالأنابيب
عانت بعض دول العالم تجارب سيئة مع خطوط النقل بالأنابيب خاصةً أنابيب نقل النفط والمشتقات الكيمياوية، وذلك يعود إلى حوادث تسربات عدة تجاوزت في بعض الأحيان الأثر البيئي إلى تهديد الحياة البشرية والموارد الطبيعية. وقد يجهل بعض الناس خطورة المواد النفطية كونها من أكثر المواد سميةً وتأثيراً سرطانياً على البشر. كما أن أثرها يمتد فترات طويلة، ويتسرب ليصل إلى المياه الجوفية. لذلك فقد سُنَّت قوانين كثيرة لتنظيم إنشاء خطوط الأنابيب، ليس فقط وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية والاقتصادية، بل ربطت الموافقة بدراسة الأثر البيئي للمشروعات.
ويجب عند دراسة الأثر البيئي الاهتمام بالأمور الآتية:
أ ـ تأثير مسار خط الأنابيب في الثروة الشجرية وعدد الأشجار المقطوعة واقتراح أماكن للتعويض عن الأشجار المفقودة.
ب ـ تأثير مسار خط الأنابيب في الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي وضرورة إيجاد مواطن بديلة للحيوانات المتضررة، وكذلك توفير المعابر السليمة لهذه الحيوانات بهدف منع عزلها نتيجةً لمنشآت خط الأنابيب.
ج ـ تأثير مسار خط الأنابيب في النشاطات البشرية وتحديد الإجراءات الضرورية لمنع حدوث أيّ أعمال تخريبية تعرض السكان المجاورين للخطر.
د ـ وضع خطط الإخلاء والإنقاذ المناسبة ومعالجة الأضرار البيئية والأمنية الناتجة من أيّ حادث في منشآت خط الأنابيب.
هـ ـ دراسة أثر التسربات من خط الأنابيب في المياه الجوفية وتحديد الاحتياطات المتخذة.
المنعكسات السياسية والاقتصادية لأنابيب النقل
خط أنابيب آلاسكا لنقل النفط
من المعروف تاريخياً أن قناة السويس جلبت لمصر، إضافة لمنافعها الاقتصادية، كثيراً من الأعباء السياسية. ويعزو كثير من المؤرخين الاحتلال الإنكليزي لمصر إلى مطامع إنكلترا في السيطرة على مقدرات القناة ذات الدور المسيطر في المواصلات الدولية. يتكرر المفهوم نفسه عند الحديث عن خطوط النقل بالأنابيب، ولو أن التاريخ الحديث مازال خجولاً بالإفصاح عن الحروب التي اندلعت ليس فقط من أجل الخطوط القائمة، بل حتى من أجل مشروعات هذه الخطوط. إن أشهر خطوط نقل النفط في الشرق الأوسط هي خط التابلاين Tapline الذي امتد عبر العراق وسورية ولبنان. والأثر السياسي الذي ترتب على إنشاء هذا الخط معروف ومحاولات تدخل إدارته الإنكليزية ـ قبل تأميمه ـ في السياسات المحلية لبلدان العبور أيضاً معروفة.
أما من الناحية الاقتصادية فإن خطوط النقل بالأنابيب تسهم بفعالية بدعم الاقتصاد المحلي للدول، ولذلك وجب ربط موارد هذه الخطوط بالتنمية المحلية طويلة الأمد والمستديمة. وذلك بهدف منع الاقتصاد من الاعتماد المباشر والكلي على موارد هذه الخطوط خاصة المملوكة من قبل استثمارات أجنبية، و العمل على تحويل هذه المداخيل إلى استثمارات إضافية ومستقلة.
أهم مشروعات النقل بالأنابيب
الشكل (3) الخريطة تبين امتداد خط الأنابيب
من الأحواض الجوفية عبر الصحراء الليبية
لاشك أن بعض مشروعات النقل بالأنابيب تشكل منجزات بشرية ونقطة علاّم لايمكن تجاوزها في المجال الهندسي. من أهم هذه المشروعات منظومة خط النقل بالأنابيب عبر آلاسكا The Trans Alaska Pipeline System في الولايات المتحدة (الشكل 2).
يمتد هذا الخط مسافة تناهز 1200كم عبربعض الصحارى الثلجية في ولاية آلاسكا وسهول التندرة المتجمدة. وقد بُدئ به عام 1970، واستمر العمل 7 سنوات متواصلة، وبلغت تكاليف إنشائه نحو 8 مليارات دولار. ويتطلب ملء أنابيب هذا الخط ما يزيد على 9 ملايين برميل من النفط.
إن التحدي الأعظم لهذه المنشأة هو التغير الحراري صيفاً وشتاءً. إذ إن ظاهرة التمدد والتقلص المرافقة للتغيير الحراري والتغيير في خواص التربة سيؤدي إلى قوى هائلة تؤثر في خط الأنابيب ذي الحجم الهائل، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة حقيقية. ولحل هذه المشكلة تم اللجوء إلى استخدام التبريد الدائم أو التسخين الدائم لتثبيت درجة حرارة الأنابيب عند قيمة معينة.
ومن أهم مشروعات نقل المياه بالأنابيب في العالم مشروع النهر العظيم في ليبيا الموضح في (الشكل 3) والذي بدئ العمل فيه عام 1985 ليستمر 25 عاماً أخرى. ويطمح المشروع إلى نقل 2 مليون م3 من المياه يومياً مسافة تناهز الـ 1200كم. وقد قدرت التكلفة الإجمالية المتوقعة لهذا المشروع بما يناهز 14 مليار دولار أمريكي.