الشريط الفاصل بين صُحُفِ الكتب
مقترحاتٌ وبدائل
بقلم
أ. د. صادق عبد الله أبو سليمان
أستاذ العلوم اللغوية/ جامعة الأزهر- غزة/ فلسطين
وعضو مجامع اللغة العربية( فلسطين- مصر- مكة الكرمة)
وعضو اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية
أود أن أنبه في هذا السياق إلى أن" الشريط القُماشي" الملصَقَ؛ ليكون مذكِّراً للقارئ عندما يعاود القراءة بالموضع الذي توقف عنده في قراءته السابقة -ليس مقصوراً لصقُهُ أو فائدتُهُ على المُصْحَف، فنحن نجده في الكتب وبعضِ الدفاتر والمفكّرات التي صنَّفَها بَشَر.
وإذا كنّا اليوم نشهد في عصرنا رواجاً للكتاب المحوسب فإنني أرى أن الأولى بنا أن نتفق على وضع كلمةٍ عربيةٍ يمكن أن تكونَ دالةً على وظيفة الشريط في الكتاب الورقي، وما يمكن أن يؤديَها في الكتاب المحوسب.
ولا أرى مانعاً من أن أقول في سياق الحوسبة: إنني عندما أنتهي من القراءةِ، أو مراجعة ما كتبت أو لمّا أتممْ ما أنا منشغلٌ في دراسته أقومُ بتلوين الفقرة التي وصلتُ إليها، أو أضعُ خطاً تحتها، أو أميزُها بالخطِّ العَريض؛ ليكون هذا الذي فعلت" مُذكِّراً" أو" مُفكِّراً" لي بالموضعِ الذي انتهيتُ إليه، أو" واصلاً" لي بما انقطعتُ عن وصلِه، أو" مَدْخلاً بل مُدْخِلاً" للبدايةِ الجديدةِ؛ أو" مُحَدِّداً" لنقطة النهاية، أو مُرْشِداً" للبداية، أو" مُحدِّداً" أو عارضاً لحالةٍ انتهت و" مرشداً" لحالةٍ ستبدأ، أو" فاصلةً" أو فاصلاً" أو" علامةً" أو" مؤشرةً" أو" شارةً" أو" تأشيرةً"...إلخ.
وأيا يكن الأمر فإن من هذه الكلماتِ- بتعديلٍ أو دونِه- ما يمكن أن يكون عند أهلِ اللغةِ والنحوِ وبعضِ علماءَ في مجالاتٍ أخرى صالحاً للدلالة على الأداة أو الشيءِ المذكّرِ بالنهايةِ والبدايةِ في صفحات الكتب، ولكنَّ أيّاً منها سَيُقْبِلُ عليه الجمهورُ العربيُّ، بل جمهورُ أصحابِ الصَّنْعةِ والحِرْفة؟.
إن الوضعَ اللغويَّ الجديدَ- كما أعتقد- ليسَ حِكْراً على علماءِ اللغةِ والنحوِ ولاسيما المجمعيين منهم وإنما هو مهمةُ مختلِفِ شرائحِ جماهير العربيةِ كلِّها من ريفيين وبدوٍ وحضَرٍ؛ وصنّاعٍ وتجارٍ وبنائين؛ وسياسيين وقضاةٍ ومحامين؛ ومعلمينَ وفنانين وإعلاميين، وهلمَّ جرّا.
إن أفرادَ هذهِ الشرائحِ- كما نرى- لَهم القادرون على امتلاك أزمةِ الوضعِ الجديد؛ لأنهم يمتلكون سليقةَ الخبرةِ العمليةِ المتكررة في وظيفةِ أدواتِ عملهم، وهي السليقةُ التي ستبعث في أحدِهم أو بعضِهم القدرةَ اللغويةَ الإبداعيةَ المنتجةَ لألفاظٍ وتراكيبَ ومصطلحاتٍ تكون قادرةً على الوصفِ المعبِّرِ عن ماهيةِ هذه الأدواتِ ووظائفها.
أما عن دورِ اللغويينَ فأراه في هذه الحالةِ يتلخصُ في أنْ يُقبلوا على جمعِ ما يقوله أهل الصنعةِ أو الحرفةِ ويقوموا بدراسته، وتعديلِ مُنْآدهِ تفصيحاً وتهذيباً؛ ليتوافق وقواعدَ العربية الفصيحة، ثم يعرضوا بضاعتهم في استفتاءاتٍ عامةٍ على جماهيرِ أهلِ الصنعةِ في أرجاءِ الوطن العربي كله، وأن يستعينوا بالإعلاميين والوزاراتِ المعنيةِ ولاسِيَّما وزاراتِ الإعلامِ والثقافة والتعليم وجامعة الدول العربية؛ لإعمام ما يقترحونه من ألفاظٍ ومصطلحاتٍ وتراكيبَ جديدة، ثم يقوموا بدراسة الردود وإحصاءِ مقترحاتها، وإعلانِ نتائجِها، وعرضِ البديلِ الذي حاز على النسبةِ الأعلى من الردود.
وفي حالةِ عدمِ وجودِ البديلِ العربيِّ الذي يستعملهُ أهلُ الصنعةِ فإنهُ يمكن للمجمعيِّ، واللغويِّ، والقادرِ على الإبداعِ- أيّاً كان تخصصُه-، أنْ يعرضَ بضاعتَهُ على الجماهيرِ العربية؛ وذلك على النحو الذي نعايشه في إجابتِنا عن سؤالِ البحثِ عن" اللفظِ العربيِّ" الدالِّ على الشريطِ الفاصلِ في الكتب؛ فقد سألت بعضاً من أهل الصنعةِ في بلدي فلسطين فسمعت منهم كلمات" حبل- قِطان- خيط- شريط- شَبَر". وَيُهَيَّأُ لي أن كلمتي( قِطان بكسر القاف) و( شَبَر) بفتح الشين والباء) وإن وافقتا وزناً عربياً فصيحاً فإنهما من الألفاظِ الوافدة إلى العربية، مع الإشارة إلى أن كلمة( شَبَرَة) وجمعها( شَبَر) مستعملة في لغة الشعبِ الفلسطيني دالةً على قطعةِ قماشٍ بيضاءَ مستطيلةٍ طولها أطولُ بكثيرٍ من عَرْضِها، تُضْبَطُ على هيئةٍ معينةٍ وتُشْبَكُ في شَعْرِ تلميذاتِ المدارسِ الابتدائيةِ؛ الأمر الذي يمكنُ أنْ يكونَ مسوِّغاً لاختيارها.
ولعلَّ ما قد يدعمُ هذا الاقتراحَ ورود الجذر( ش. ب. ر) في معجمات لغتنا العربية، وإن من معانيه ما جاء عن الجوهري في الصحاح:" الشِّبْرُ: واحد الأشبارِ...، شَبَرْتُ الثوبَ أَشْبِرُهُ وأَشْبُرُهُ، وهو من الشِّبْرِ. كما تقول: بُعْتُهُ من الباع". و عن" ابنِ منظورٍ في معجمه" لسان العرب، قال:" الشِّبْرُ: ما بين أَعلى الإِبهام وأَعلى الخِنْصَر مذكر، والجمع أَشْبارٌ؛ قال سيبويه: لم يُجاوزُوا به هذا البناء. والشَّبْرُ، بالفتح: المصدر، مصدر شَبَرَ الثوبَ وغيرَهُ يَشْبُرُه ويَشْبِرُه شَبْراً كَالَهُ بِشِبْرِه، وهو من الشِّبْرِ كما يقال بُعْتُه من الباع. وهذا أَشْبَرُ من ذاك أَي أَوسَعُ شِبْراً" وجاء في" أساس البلاغة" للزمخشري قوله:" شبره يشبره: قدّره بشبره، وهو أشبر من صاحبه: أوسع شبراً".
وما يزال الناسُ في فلسطين أيضاً يذكرون كلمةَ" الشِّبْرِ" في كلامهم؛ دلالةً على تحديدِ مقدارٍ مُعَيَّنٍ؛ فيقولون مثلاً:" الأرضُ تُقاسُ بالشِّبْرِ والفِتْر"، والفِترُ مقياسٌ عند العرب أيضاً، جاء في" الصحاح" قولُه في الجذر( ف. ت. ر):"والفِتْرُ: ما بينَ طَرْفِ السّبَّابة والإبهام إذا فتحتهما".
وعليه فهل لنا أن نقترح لفظَ" الشَّبَرِ" أو مؤنثه" الشّبَرة" للدلالةِ على الشريط الفاصل، قد تراني أؤيدُ هذا المقترَح؛ مستنداً على أنَّ" الشِّبْرَ" مقياسٌ أو مكيالٌ يُحَدِّدُ مقدارَ شَيْءٍ كمقياسِ" المِتْر"، وإنَّ" الشَّبَرَ" وطريقةَ ضبطِ هيئتهِ، وَرَبْطِهِ لَمقياسٌ دالٌّ على نِظاميةِ التلميذةِ ونظافتِها، أو" علامةٌ" دالةٌ أو" إشارةٌ" أو" شارةٌ" على مضمونٍ عينِهِ. وهو الحال الذي يمكنُ أنْ يُؤَوَّلَ على منوالهِ مقترحُ إطلاقِ لفظ" الشَّبَرَة" وجمعهُ" الشَّبَرات" على هذا" الشريط الفاصل" أو" المحدِّد"؛ فهو" شارَةٌ" حُدوديةٌ دالةٌ على موضعٍ عينهِ نهايةً كانَ أم بدايةً.
وأيّاً يكن أمرُ مقترحِنا لِلَّفظِ السّابقِ وجمعِهِ فإنَّ لنا في هذا السياق مقترحاً جامعاً آخَر، يتلخصُ مضمونُهُ في أننا إذا كُنّا نفكرُ في وضعِ مصطلحٍ يُعَبّرُ لفظُهُ أو ألفاظُهُ عن الوسيلة التمييزية التي تعرّفنا بموضعِ النهايةِ أو البدايةِ في القراءةِ من الكتابِ الورقيِّ فإني أرى أنه يتوجب علينا أن نفكِّرَ في مصطلحٍ تمييزيٍّ تكون دلالتُهُ دلالةً صالحةً على الكتابِ المعاصرِ ورقياً كان أم محوسباً، مع العلم أن هذه الوسيلةَ قد تكون مع تطور إمكانيات الطباعة شريطاً قماشياً، أو ورقيّاً مُقّوّىً في الكتاب الورقي؛ أو تلويناً، أو تمييزاً خطّيّاً، أو ضوئيّاً، أو حرَكيّاً في الكتاب المُحَوْسَب.
وإذا كان الأمر في هذا السياق هو اقتراحُ لفظٍ عربيٍّ يعبّرُ عن وظيفةٍ معينةٍ في قراءةِ الكتاب الورقيّ فإني لو اقتصر الأمرُ على هذا النوعِ من الكتابِ لَكُنْتُ قد ارتضيتُ مصطلح" الشريطَ الفاصِل" أو" الشَّبَرة" مثلاً، ولكنني الآن أبحثُ عن لفظٍ دالٍّ جامعٍ يُعبّرُ عن الوظيفةِ المنبّهةِ إلى النهاية والبداية في الكتابين الورقي والمحوسب.
وعليه فإني أقترح بدائلَ أخرى يمكن أن تكون جامعةَ الدلالة، مثل: " المَفْصِل" وهو " كل ملتقى عظمين من الجسد"، أو" الفاصلة" وهي الخَرزة التي تفصِل بين الخَرزتين في النِّظام، وعِقْد مفصَّل أَي جعل بين كل لؤلؤتين خرزة، أو" المؤشِّر" أو" المُؤَشِّرَة"، أو" الشّارَة"، أو" التأشيرة" أو" العلامة" أو" المُذكِّرة" أو" المفكِّرة" أو" الواصِلة" أو" المُحَدِّدةُ" أو" المُرْشِدة".
والله الموفق والمستعان