قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء السابع والعشرون
ــ اخبريني بالله عليكِ ما قصتك؟
قالت:
ــ كنتُ امرأة مؤمنة بالله، راضية بقضائه، شاكرة لنعمائه رغم وجود عاهة في بدني والتي منعتني من الزواج في الدنيا، وعندما علمتُ أن لا سبيل لشفائي، أصبحت الدنيا لا شيء عندي، وتوجهت بجوارحي وجوانحي إلى آخرتي فتخلقتُ بأخلاق الإسلام، وتقربتُ إلى ربي العلام، وتيقنتُ أني خُلقتُ لغير عالمي، وأصبحتُ أرى روحي اعظم من بدني، فحررتها من قيوده، وحلقتُ بها إلى عالم الملكوت، فدخلتُ جنتي وأنا في دنياي وشعرتُ بسعادة عظيمة قبل مماتي حتى توفاني ربي، وأنجز لي وعده فيما حُرمتُ منه، وها أنذا معك بتمام العافية وعظيم الراحة في جنات عدن التي وعد الله عباده المتقین.
ــ إنني أرى جمالكِ يفوق جمال حور العين التي رأيتها في طريقي إلى هنا، فهل ترين في شخصي ما يناسب جمالكِ وكمالكِ الذي أراه؟
ــ نعم إنني أرى فيكَ ذلك. انكَ الآن بأكمل هيأة، وأجمل صورة، فجمالكَ عظيم يفوق جمال يوسف الذي كنا نسمع عنه(1)، ونورك يسعى بين يديك ليعطيك بهاء اكبر وكمالا أعظم.
ــ آه، إنني لم اكن اعلم بذلك حتى سمعتُ كلامكِ هذا.
قالت:
ــ ليس هذا فقط، بل كل ما أحاط بهذا القصر من حدائق خلابة وبساتين جذابة، وكل ما فيها من خدم وجواري هو لك، كما أن هناك قصورا وحدائق عظيمة أخرى في أماكن غير التي أنت فيها الآن، ويمكنك الذهاب إليها في أي وقت تشاء.
استمر بنا الحديث طويلا أحسست خلاله
بسعادة عظيمة ولذة فائقة، وكانت الأطباق تأتينا بين الحين والآخر بأيدي الولدان المخلدين الذين كانوا يطوفون علينا فهم كاللؤلؤ المنثور(2)، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ليزيد ذلك من اجتماعنا وحديثا صفاء اكثر ولذة اعظم.
تجولنا في الحدائق المحيطة بالقصر، وكانت الأشجار تبادرنا السلام، وتدعونا لتناول ثمارها، وقد كان بلاط تلك الأشجار من الياقوت وترابها من المسك الأبيض وسقيها من الزنجبيل والعسل، وعشبها من الزعفران، وظلها مجالس لأهل الجنة وخدمها. أما الورود الملونة فكانت تستقبلنا بأنغامها العذبة، ورائحتها العطرة، وتنحني لنا كلما اقتربنا منها. وأما الطيور فكانت تحوم في فضاء تلك الحدائق، وتنتقل بين غصن وآخر لتعطي جماﻻ اکثر بألوانها، ونغمة لطيفة بتغاريدها.
تقدمنا أكثر فرأينا نهرا يجري فيه ماء زلال يشاهد من خلاله قعره الذي يبدو انه من الياقوت الأحمر، وحصاه من الدر واللؤلؤ وقد وقفت على جوانبه جواري تحمل كل منها كأسا من مائه، وتدعونا بصوتها العذب للشرب منه.
تقدمنا أكثر فرأينا نهرا آخر من لبن بياضه كبياض الثلج، يجري من مرتفع إلى منخفض ليكون شلالا تقف الجواري على جانبيه، وتملأ الكأس منه لتعرضه علينا علنا نتناول منها.
قالت سناء:
ــ وهناك نهر آخر أمامنا وهو من عسل مصفي(3)، هل تحب الذهاب إليه؟
ــ لنترك الذهاب إليه ومشاهدته إلى وقت آخر.
كانت هناك أمكنة للجلوس على حافة النهر، وعندما وصلنا إليها جلسنا قليلا لنشاهد تلك المناظر والحدائق الخلابة ونتناول شيئا منها، وبمجرد أن نوينا لحم طير مشوي سمعنا نداء لأحد طيور الجنة من على غصن فيها وهو يقول بصوت جميل:
ــ أنا طير خلقني الله في الجنة، وليس في الجنة عين إلا شربت منها، ولا فاكهة إلا أكلت منها، ولحمي من هذه العيون والثمار فهل تشتهيا الأكل منه؟
أجبته قائلا مستغربا:
ــ نعم.
وما أن قلت ذلك حتى رأيته ألقى بنفسه أمامنا وخفق بجناحيه ثم خرج من كل ريشة منه قطعة لحم. نظرت إلى سناء وقلت لها:
ــ تفضلي بسم الله، هذا من فضل الله.
ولما انتهينا من تناول ذلك اللحم فوجئنا بعودة الطائر إلى حالته الأولى، إذ رفرف بجناحيه وعاد إلى غصنه مرة أخرى.
قلت لسناء:
ــ هل كنتِ تتوقعين الحصول على ما تشاهدينه الآن؟
ــ نعم، ولكن كان توقعي بما يناسب تصوراتي المادية في الدنيا، أما ما أشاهده الآن فهو يفوق تلك التصورات جميعها، ورأيت أشياء ما كان بالإمكان تخيلها في عالم الدنيا.
ــ العجيب يا عزيزتي انهم يقولون: إن ما نشاهده الآن في عالم البرزخ ليس إلا انعكاسا لحقيقة في عالم الأبد، والبرزخ قطرة من بحر عالم الخلود...
هناك مفاجئة اعدت لسعيد وهي زيارة شخص عزيز عليه من هو هذا الشخص.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الثامن والعشرون والاخير ان شاءالله تعالى