قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء السادس والعشرون
قال عملي:
ــ لدي ما يسرك أكثر، هل أخبرك به؟
ــ نعم، وهل هناك من لا يرغب في سماع ما يسره.
ــ اعلم أن الإنسان الذي يدخل السرور في قلوب المؤمنين سوف يخلق الله له من يسره في الآخرة(1)، وهذا المخلوق ستلاقيه وقد اعد لك الكثير مما تقر به عينك.
ــ وهل تعلم ماذا أعد لي؟
ــ إن المستقبل سوف يكشف لك ذلك..
كان أول من استقبلني واحتضنني في قصري الجديد هي زوجتي، نعم إنها زوجتي في عالم البرزخ، إنها الحور العين التي قال عنها الله تعالى في كتابه العزيز ( حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ )، كانت غاية في جمال لا يوصف، وبما يفوق أن يُقاس بجمال نساء أهل الدنيا، كان وجهها يشع نورا فهو براق كبريق اللؤلؤ، وصاف كصفاء الياقوت، أما شعرها فقد تدلى بعض منه إلى خلفها وفوق أكتافها، وبعض منه على صدرها المملوء باللؤلؤ اللماع والحلي الذهبية البراقة التي كانت تعطي بحركتها نغمات لطيفة. أما بدنها فهو خال من كل عيب، وله نقاوة وصفاء الدرجة كنت أرى صورتي خلال أجزائه البارزة من ثيابها الشفافة والتي كانت تتغير ألوانها وعطرها بين الحين والآخر، إنها ثياب إستبرق وحرير شفاف...
أما كلامها فعذب لا توصف عذوبته، ولا يمل منه سامعه، إذ كنت أطرب لحديثها، ولا أتمنى سكوتها، وكأني اسمع أنغاما موسيقية رائعة منسجمة بشكل كامل مع أنغام الحلي ورنينه، ولا أبالغ لو قلت أن جمالها يحير العقول، ولا طاقة لأهل الدنيا على رؤيتها، ولو أنها طلعت على عالم الدنيا لطغى نورها على نور الشمس المشرقة(2).
استقبلتني عند أول قدم لي في القصر، فأقبلت مبتسمة مشرقة يضيء نورها معها أينما ذهبت، تركت وصيفاتها وجواريها وخدمها خلفها وأقبلت نحوي، فبدأت تقترب مني شيئا فشيئا حتى وصلتني.
لحظات لا تنسى ومشاعر لا توصف وهي تقف أمامي بجمالها الساحر ونورها المشع الهادئ، قلت لها:
ــ من أنت؟
قالت:
ــ أنا زوجتك المقترحة في عالم البرزخ، اشتقت إليك كثيرا دون أن أراك، وقد خيرني ربي في اختيار زوج لي، فقلت الخير ما اخترته لي، وها أنتَ أمامي قد بهرني جمالك الساحر وهيبتك العظيمة، فحمدت الله على اختياره، وشكرته على امتنانه.
قلت لها:
ــ نِعمَ الرب ربنا، وسبحان الذي خلقنا، فان الخير كله منه وإليه، وقد رضيت برضاه واحمده على اختياره، واشكره على امتنانه.
عانقتها وضممتها إلى صدري فأحسست بسكون وطمأنينة عظيمة ولذة قصوى...
دخلت القصر معها وأي قصر كان ! كانت لبنته بعضها من الذهب الخالص وأخرى من الفضة، أما سقفه وطلاؤه فكان من مواد غريبة عجيبة سألت عنها فكان الجواب أن السقف من الزمرد والطلاء من الياقوت. أما أرضيته فكانت بعضها مفروشة بمواد أشبه بالزجاج المطعم بأنواع أحجار ما رأيت مثلها ولا سمعت من قبل عنها.
تجولنا في القصر فلم أرَ له حدودا ينتهي بها، قلت لها:
ــ ما أعظم هذا القصر !
قالت:
ــ إن مواده ولبنته التي تراها هي أعمالنا الحسنة قد تجسمت بهذه الأشكال، فكونت قصرا بهذه العظمة.
تحيرت في أمرها وجوابها وتساءلت في نفسي: أيكون لديها أعمال حسنة وسيئة مثلي؟!
قلت لها مستغربا:
ــ ما اسمكِ؟
قالت:
ــ اسمي سناء.
ــ انه من أسماء الدنيا، أليس كذلك؟
ــ نعم.
ــ وهل أنتِ من صنف البشر؟
ــ نعم.
ــ وفي أي بقعة من الأرض كنتِ؟
ــ في ارض تركيا.
ــ لكني أراك تتكلمين العربية !
ــ نعم، إن روح الإنسان لها قدرات فائقة أودعها الله فيها، فإذا تحررت من بدنها المادي ظهرت تلك القدرات، ومنها التكلم بجميع اللغات حتى لو لم يكن الإنسان يجيدها، بل لم يكن يعرفها في عالم الدنيا(3).
ــ اخبريني بالله عليكِ ما قصتك؟
قالت:
ما هي قصة سناء وكيف وصلت لهذه المرتبة.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء السابع والعشرون ان شاءالله تعالى